بدأت بوادر الاتفاق السعودي الايراني الذي وقع في بكين بضمانة القيادة الصينية يأخذ تدرجه في حل المعضلات والمشاكل التي تعيشها المنطقة العربية ومنها الملف اليمني الذي كان له وقعه على الأمن القومي العربي بسبب الدعم الإيراني لجماعة الحوثيين وتدخلهم بالشأن اليمني وتوسيع دائرة الخلاف بين أقطاب العملية السياسية والعبث بمقدرات اليمن الأمنية والاجتماعية.
تأتي الأحداث والوقائع الآن لتشكل عاملا مهما في التحرك الميداني للمملكة العربية السعودية وعبر وساطة عمانية بالحوار مع الحوثيين وبرعاية السفير السعودي في اليمن في محاولة لتهدئة الأوضاع والاتفاق على هدنة لستة أشهر أو حتى نهاية عام 2023 ليبدأ خلالها وضع الأسس والثوابت لكيفية معالجة الأحداث الجسام والاتفاق على مبادئ حوارات جادة توضع آليات تحدد المستقبل السياسي اليمني والقيام بإجراءات تتمثل بفتح مطار صنعاء وتوريد البضائع عبر ميناء الحديدة وصرف الرواتب للعاملين في الدولة والجلوس إلى مفاوضات مشتركة مع المجلس السياسي الشرعي للوصول إلى تعزيز حالة الأمن والاستقرار في ربوع اليمن وتمتين الوحدة اليمنية وتعزيز العلاقات مع دول الجوار العربي ومعالجة الأزمة الإنسانية التي يعانيها أبناء الشعب اليمني.
كان النظام الإيراني أول الداعمين لهذه الحوارات مبديا ارتياحه للمبادرة السعودية واللقاءات التي تمت في صنعاء وبحضور قيادات عسكرية وسياسية حوثية والتي تتلقى الدعم منه ، وواضح ان عملية التناسق السياسي والقبول المبدئي بالحوار والاتفاق على أرضية ميدانية كانت باشارات ايرانية وان لم تعلن صراحة حيث يتمتع الحوثيين بدعم سياسي وعسكري وإسناد بالأسلحة والمعدات والصواريخ الموجهة الإيرانية بعيدة المدى والإشراف على تدريب عناصره في معسكرات خاصة وفق ما تمليه المصالح الإيرانية والمشروع السياسي المنفذ من قبل الحرس الثوري وفيلق القدس الإيراني.
ان نتائج الحوارات التي جرت خلال هذه الأيام بين السعوديين والحوثيين تاتي في سياق إثبات مصداقية النظام الإيراني بعد الإتفاق السياسي مع الرياض والذي تم توقيعه في بداية آذار 2023 وتحديد مسارات جديدة في السياسة الإيرانية التي تمتلك مساحات وادوات مؤثرة في عواصم بغداد وبيروت ودمشق ، واليوم ترسم القيادة الإيرانية سياسة انفتاح وغلق للملفات السياسية وتوسيع لدائرة العلاقات مع الاقطار العربية وخاصة الخليجية، وهي سياسة تتسم بالمرونة وإبداء التنازلات والقبول بالأوضاع الراهنة لكي تعيد هيكلية نفسها وتساعدنا على التغلب على أزماتها الداخلية الاقتصادية والأمنية بعد الاحتجاجات الواسعة في العديد من المدن الإيرانية التي اتسعت منتصف شهر أيلول عام 2022 بسبب وفاة الشابة الكردية أميني وانهيار الأوضاع الاقتصادية وضعف المستوى المعيشي لأبناء الشعوب الإيرانية وزيادة نسبة الفقر والعوز والتضخم المالي .
يحاول الإيرانيون إرسال رسائل للإدارة الأمريكية بأنهم غير مستعدين لأبناء أي تنازلات في موضوع البرنامج النووي وان اولوياتهم الآن تتجه لتحسين علاقتهم مع جيرانهم العرب وتوسيع دائرة علاقتهم مع روسيا والصين التي أخذت اتجاهات اقتصادية وعسكرية بتوقيع اتفاقيات تصل قيمتها بمليارات الدولارات ولسنين طويلة وإقامة مناورات عسكرية مشتركة في مضيق هرمز ، وهذا يؤكد سياسة التوجه الإيراني نحو الشرق والتي أصبحت أكثر حضورا بتزويد طهران لروسيا بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة واستخدامها في النزاع الروسي _الأوكراني مما أثر على طبيعة علاقتها مع شركائها الغربيين.
يمكن تحديد أبعاد هذه السياسية الإيرانية بعاملين الأول أن طهران تعتقد أن تخصيب اليورانيوم وامتلاكها لمواد صالحة للاستهلاك في الأسلحة النووية وتكديس مواد انشطارية لا يشكلون خطرا عليها لأنها ترى أن الولايات المتحدة الأمريكية من الممكن أن تتعايش مع هذا الوضع كونها والاوربيين لا يرغبون بأي مواجهة عسكرية معها حفاظا على مصالحهم وتواجدهم في المنطقة، والأمر الآخر أن النظام الإيراني بدأ يستثمر عامل عدم اهتمام الغرب والخليجين بالوضع اللبناني والسوري مما أدى به إلى توسيع دائرة نفوذه وامتداداته في بيروت ودمشق والتي من الممكن أن تكون لها أولوياتها في حوارات قادمة بين طهران والرياض لمعالجة الملفات السياسية في المنطقة العربية بعد الإتفاق الاخير بينهما .
تبقى سياسة المراهنة والمرونة التي ابداها النظام الإيراني في عدم اعتراضه على الاتفاق البحري الموقع بين لبنان وإسرائيل وبموافقة حزب الله الذراع الداعم المشروع الإيراني تشكل مظهرا يتناسب وإبعاد السياسة الجديدة التي يرغب فيها لكي يستعيد دوره الإقليمي والدولي من جديد .
ثم إن إيران وعلى مستوى العلاقات الدولية مع واشنطن تعمل على اتباع سياسة الابتزاز السياسي لتعليق العقوبات الاقتصادية ضدها وتحرير جزء من الأموال المجمدة في كوريا الجنوبية التي تبلغ 10 مليار دولار وتفكيك مشاكلها الإقليمية والعربية عبر دعم الوساطة العمانية لإطلاق سراح الأمريكان المحتجزين لدى طهران والتي اعلن عنها وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان واعتبرها مسالة إنسانية لإحراج الإدارة الأمريكية عندما قال (ان الأرضية لتنفيذ هذا الاتفاق لم تتوفر لحد الان ) ولكن النظام الإيراني يسعى للعديد من التنازلات السياسة والاقتصادية للتخفيف عن أوضاعه الداخلية ومحاولة رفع العقوبات عنه والعودة لممارسة دوره الإقليمي والدولي مستفيدا من أروقة الاتفاق السياسي مع المملكة العربية السعودية الذي تم برعاية صينية .
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية