الحسم السريع أو التدخل الخارجي في السودان

الحسم السريع أو التدخل الخارجي في السودان

الخرطوم- يعكس ارتفاع وتيرة الاشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش في السودان، إدراكا خاصة من جانب الدعم السريع، لأهمية الحسم بشكل سريع لأن المماطلة ستفتح الباب لتدخل خارجي شبيه بما حصل في ليبيا خلال حرب طرابلس عندما تدخلت كل من روسيا وتركيا، وهو ما أطال الحرب.

وتحركت قوى ومنظمات إقليمية ودولية للعمل من أجل وقف المعارك بعد ارتفاع أعداد الضحايا، ووسط تزايد حاد في حرب البيانات بين الجانبين بدأت تلعب فيها الصور الميدانية دورا مهما، وهو ما تفوقت فيه نسبيا قوات الدعم السريع من جهة تأكيد رواياتها لحجم المكاسب التي تحققها والخسائر التي يتكبدها الجيش الذي يحاول إظهار التماسك وسط اتساع نطاق المعلومات المتداولة حول حدوث انشقاقات في صفوفه.

ويؤدي رواج هذه المعلومات إلى هز الروح المعنوية داخل الجيش السوداني في توقيت بالغ الحرج، خاصة أنه أخفق في الحصول على تأييد واضح من القوى والأحزاب السياسية، وتقود إطالة الحرب إلى وضع ضغوط مضاعفة على كاهل قيادته.

وقالت أستاذة العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية في القاهرة هبة البشبيشي إن الوضع الحالي يشير إلى ما يشبه الانتصار لقوات الدعم السريع على الجيش السوداني، وهو أمر ليس جديدا في أفريقيا؛ إذ قامت مجموعات داعمة للقوات المسلحة في عدد من الدول بالسيطرة على السلطة، لكن الجديد في السودان يتمثل في قدرة قوات الدعم السريع على حسم المعركة لصالحها خلال فترة وجيزة، ما يؤكد وجود انقسامات كبيرة داخل مؤسسة الجيش بعد أن توغلت فيه عناصر الحركة الإسلامية.

ولفتت في تصريح لـ”العرب” إلى أن “الضغوط الخارجية ليس لها حضور ملموس في المشهد السوداني حتى الآن، غير أن الطرف الأكثر قدرة على جذب الطرفين إلى طاولة مفاوضات واحدة هو الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) التي قد تقود وساطة على الأراضي الإثيوبية لوقف القتال، ومن دون ذلك يمكن أن تستمر المعركة فترة من الوقت، ومن يسيطر على العاصمة الخرطوم هو الذي ستكون له الغلبة الكاملة في البلاد”.

وفي ظل تعقيدات الموقف على الأرض تحركت “إيغاد” ومجلس السلام والأمن الأفريقي والجامعة العربية خوفا من حدوث فوضى تفضي إلى انفلات وصعوبة السيطرة على الأوضاع مع انتشار السلاح في أيدي الحركات المسلحة المنتشرة في أقاليم مختلفة، وإخفاق الجيش في تحويل اتفاقيات الترتيبات الأمنية معها بموجب اتفاق جوبا للسلام إلى واقع.

وطالب مجلس الجامعة العربية الأحد بالوقف الفوري لكافة الاشتباكات المسلحة والعودة إلى المسار السلمي لحل الأزمة، والتأسيس لمرحلة جديدة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني وتسهم في تعزيز الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي.

وحذر الاجتماع، الذي عقد على مستوى المندوبين الدائمين بمقر الجامعة في القاهرة بدعوة مصرية – سعودية، من خطورة التصعيد العنيف وما يصاحبه من تداعيات خطيرة يصعب تحديد نطاقها داخلياً وإقليمياً.

وجاءت غالبية المواقف الإقليمية والدولية متوازنة وغير منحازة لطرف على حساب آخر، وهو ما يصب في صالح قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والذي بدأت بيانات الجيش تصف قواته بـ”المتمردين” في محاولة لإضفاء هالة معنوية سلبية، واستدعاء أجواء المعارك التي اندلعت سابقا في أقاليم مختلفة بالسودان.

وكان قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان ينتظر دعما معنويا وتأييدا لموقفه، غير أن التعامل الداخلي والخارجي مع الأزمة لم يكن منحازا له أو متحاملا على خصمه، وفي أحسن الأحوال بدا محايدا، ما انعكس في تصريحات الكثير من المسؤولين والبيانات الصادرة عن اجتماعات عقدتها منظمات متعددة، والتي جاءت فضفاضة وفي إطار ضبط النفس ووقف الاشتباكات والعودة إلى طاولة المفاوضات.

كما أن الخطاب التحذيري الذي تبنته الأمم المتحدة وقوى غربية بفرض عقوبات على الدول التي تقدم مساعدات عسكرية لأي من الطرفين أسهم بدور فاعل في كبح أي نيّة قد تساور أيّا من دول الجوار في مساندة طرف على حساب آخر.

وشدد مجلس السلام والأمن الأفريقي الأحد على رفضه أي تدخل خارجي، لأن من شأنه أن يزيد الوضع في السودان تعقيدا.

وتعزز هذه المعطيات إمكانية تعرض البرهان لخسارة مدوية، وإن توقفت المعارك وفقا لصيغة “لا غالب ولا مغلوب” تحت وطأة المناشدات أو تزايد الضحايا من المدنيين، فالنتيجة التي يمكن أن تسفر عنها ستكون مخيبة لطموحاته السياسية.

ولم يعد أمام الفريقين المتقاتلين سوى حسم المعارك سريعا، لأن إطالتها مكلفة ولن تمكن أحدهما من تحقيق الانتصار الذي يريده، وسوف تدفع تداعياتها في هذه الحالة بعض القوى الخارجية إلى ممارسة ضغوط مضاعفة لوضع حد لصدامات يمكن أن ينفلت عقالها وترخي بظلالها السلبية على وحدة السودان، وربما الأمن والسلم الإقليميين.

وأكد المحلل السياسي السوداني الشفيع أديب أن الوضع الحالي يشير إلى احتمال وجود طرف فائز وآخر خاسر، لذلك فإن الاستجابة لأي مطالب أو ضغوط خارجية لوقف الاشتباكات ستكون مستحيلة، وأن كل طرف يريد توجيه ضربة قاضية للآخر سريعا، فما يحدث على الأرض هو صراع بين مكونات متباينة هدفها الوصول إلى السلطة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “قوات الدعم السريع باتت تشكل ضغطا قويا على قوات الجيش بعد سيطرتها على القصر الرئاسي ومقر الإذاعة والتلفزيون، وصار قائدها الطرف الأكثر قدرة على حسم المعركة لصالحه بعد أن تم تحديث وحداته وأسلحته، حيث تأثر الجيش السوداني بعدم قدرة القادة التابعين للتيار الإسلامي على بنائه بشكل سليم، وأثبت عدم وجود قوة لديه قادرة على حسم المعركة على الأرض”.

وأشار الشفيع إلى أن الشعب السوداني الآن يشاهد تفاصيل ما يجري ولديه رغبة في استعادة الحكم المدني، بصرف النظر عن الطرف المنتصر في المعركة الراهنة، وأن الضغوط الخارجية قد تصبح أكثر فاعلية بعد توقف القتال.

العرب