تأجيل ثان للانتخابات المحلية في لبنان: القوى السياسية تتفادى اختبار الشعبية

تأجيل ثان للانتخابات المحلية في لبنان: القوى السياسية تتفادى اختبار الشعبية

يشكك مراقبون في دواعي تأجيل الانتخابات المحلية اللبنانية للمرة الثانية، والتي أرجعتها السلطة إلى أسباب مالية ولوجستية، معتبرين أن خشية الأطراف السياسية من خسارة مواقعها هو السبب الحقيقي للتأجيل.

بيروت – لم يفاجئ إعلان البرلمان اللبناني تأجيل الانتخابات المحلية للمرة الثانية اللبنانيين، حيث مهدت السلطة خلال الفترة الماضية للإعلان عن القرار رغم تأكيد وزارة الداخلية استعدادها لتنظيم الاستحقاق. وفي حين أرجعت السلطة التأجيل إلى أسباب لوجستية، يقول لبنانيون إن التأجيل متعمد من قبل بعض الأطراف اللبنانية وخاصة حزب الله وحركة أمل، رغم إعلانهما الاستعداد لخوض الانتخابات قبل أيام.

وصحيح أن لبنان يشهد أزمة اقتصادية منذ نهاية 2019، إلا أن مراقبين يشككون في حقيقة عجز الدولة عن توفير 9 ملايين دولار لإجراء الانتخابات. ويرى هؤلاء المراقبون أن تخوف السلطة السياسية من الانتخابات يؤكد أن هذا الاستحقاق كان سيكون أرضية خصبة لحركة سياسية تغييرية جديدة.

وبحسب المراقبين، فإن حزب الله وحركة أمل لا يرغبان بإشعال فتنة في مناطقهما، خاصة بعد بدء تغيّر المزاج الشعبي في الأوساط الشيعية. واعتادت الأحزاب السياسية في لبنان على الشحن الطائفي والمذهبي قبيل كل انتخابات، لكن هذا التكتيك لا ينطبق على الانتخابات البلدية بحسب متابعين للشأن اللبناني، إذ لا مبرّر طائفيا لعدم تأمين أبسط حقوق المواطن.

وكان خبراء قد حذروا من خطورة تأجيل الانتخابات المحلية في لبنان، واعتبر هؤلاء أن التأجيل سيعمق أزمة الثقة بين المواطن من جهة، والمؤسسات الرسمية أو الدولة من جهة أخرى. وشدد الخبراء على أهمية إجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده، خاصة مع ما كشفته بعض الجمعيات بشأن وجود 108 بلديات منحلّة، إضافة إلى 30 بلدية مستحدثة من دون انتخابات. وقرّر مجلس النواب اللبناني الثلاثاء تأجيل الانتخابات البلدية التي كان من المزمع عقدها الشهر المقبل، للمرة الثانية خلال سنتين.

وأقر مجلس النواب، وفق ما أعلن، “اقتراح قانون معجل مكرر يرمي إلى التمديد التقني للمجالس البلدية والاختيارية”، على أن تنتهي ولايتها “كحد أقصى حتى تاريخ 2024/5/31”. ومثلت جلسة اللجان النيابية المشتركة التي عقدت قبل نحو أسبوع الخطوة التمهيدية الأولى لتأجيل الانتخابات البلدية، حيث انتهت بإعلان نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب استحالة إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها، في ظل الصعوبات اللوجستية الكبيرة لا المالية فقط.

وتقدّم بوصعب باقتراح قانون لتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية لأربعة أشهر، على أن يطلب من رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل دعمه، وكذلك رئيس البرلمان نبيه بري وبقية الكتل النيابية. وتجري الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان كل ست سنوات. وجرت آخر مرة في العام 2016، وكان من المفترض عقدها العام الماضي، إلا أن البرلمان أقرّ في مارس 2022 التمديد للمجالس البلدية لمدة عام، بسبب الأزمة المتواصلة منذ العام 2019.

وكما عند كل استحقاق في لبنان، تنقسم القوى السياسية بين مؤيد ومعارض، وتتبادل تحميل المسؤوليات، حتى إن بعض الكتل النيابية اعتبرت أن جلسة مجلس النواب الثلاثاء “غير دستورية”. ولم يشارك في الجلسة نواب تكتل “الجمهورية القوية” التابع لحزب “القوات اللبنانية”، وكذلك نواب حزب “الكتائب اللبنانية”، والنواب التغييريون، وأكّدوا أنهم سوف يقدمون الطعون في القوانين الصادرة عن المجلس النيابي لإبطالها.

ويأتي رفض بعض الكتل النيابية المشاركة في الجلسة التشريعية انطلاقا من رفض المشاركة في جلسات تشريعية في ظل الفراغ الرئاسي، باعتبار أن المجلس النيابي يتحول إلى هيئة ناخبة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولا يحق له القيام بأي عمل آخر استنادا إلى مواد من الدستور.

وتعد الجلسة التشريعية، التي عقدت الثلاثاء، هي الجلسة الأولى التي يعقدها المجلس النيابي في ظل الشغور الرئاسي. وانعقدت الجلسة برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبعد تأمين نصابها الذي يتطلب حضور 65 نائبا، بحضور رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي.

وتعهّد ميقاتي، الثلاثاء، بإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية بأسرع وقت. وقال في مداخلة له أثناء الجلسة التشريعية التي انعقدت بالمجلس النيابي “خلال الشهر الجاري كان هناك أكثر من عطلة رسمية، ما أعاق إمكان تقديم طلبات الترشح للانتخابات البلدية والاختيارية”.

◙ الخبراء يشددون على أهمية إجراء الانتخابات في موعدها، خاصة مع ما كشفته تقارير بشأن وجود 108 بلديات منحلة

وأشار إلى أن “مجلس الوزراء الذي سينعقد بعد ظهر اليوم (الثلاثاء) لديه حلّ ممكن متمثل في تعديل التواريخ التي سبق وأقرّها وزير الداخلية بسام المولوي، فيصبح الحادي والعشرون من مايو المقبل بديلا عن السابع، والسابع والعشرون بديلا عن يوم الرابع عشر”.

وأضاف “إن الحكومة تحمل حلولا ممكنة في ما يتعلق بموضوع القطاع العام، ولا يجب أن نلقي اللوم على بعضنا البعض، ولا يجب رمي المسؤولية على الحكومة باعتبارها مقصرة كما يفعل البعض الذي يقول إنها غير موجودة، وبالتالي هذا البعض يواجه ما هو غير موجود، الحكومة حاضرة خلافا لمزاعمهم”.

وردا على اتهام نائب للحكومة بأنها كذبت على اللبنانيين، قال ميقاتي “أنتم تكذبون على اللبنانيين والحكومة صادقة بوعدها بإجراء الانتخابات”. وكان المجلس النيابي أقرّ خلال الجلسة التمديد التقني للمجالس البلدية والاختيارية لمدة سنة كحد أقصى. وقال رئيس تكتل “لبنان القوي” النيابي جبران باسيل، الذي شارك مع كتلته في الجلسة التشريعية، في تصريح بعد انتهاء الجلسة، “حضرنا جلسة مجلس النواب من باب المسؤولية وبهدف منع الفراغ في البلديات والمخاتير”.

العرب