واشنطن/الخرطوم – أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الأحد أن القوات الأميركية قامت بإجلاء موظفي سفارة الولايات المتحدة لدى الخرطوم وعائلاتهم، فيما بدأت دول غربية وعربية أيضا بإجلاء رعاياها مع دخول المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أسبوعها الثاني، في الوقت الذي تتسارع فيه التطورات وتحتدم فيه المعارك على أكثر من جبهة خاصة في العاصمة الخرطوم، بينما أعلن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان أنه متواجد في مقر القيادة العامة للجيش وأنه لن يغادر مكانه أو منصبه إلا على نعش، لكن لا يزال الغموض يسيطر على الموقف مع انقطاع كامل للانترنت في العاصمة السودانية.
وفي وقت مبكر اليوم الأحد قالت قوات الدعم السريع شبه العسكرية التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) إن الجيش الأميركي أجلى الدبلوماسيين الأميركيين وعائلاتهم من السودان، في الوقت الذي استمر فيه القتال بين الجانبين المتحاربين والذي أسفر عن مقتل المئات من المدنيين.
وأضافت أن عملية الإجلاء تمت بالتنسيق معها. وتخوض الدعم السريع قتالا ضد الجيش السوداني الذي يقوده البرهان بعد أن فتحت إجراءات اتخذها الأخير الباب لعودة رموز النظام السابق وسهلت عودة قيادات اخوانية للتسلل لمفاصل الدولة الغارقة في أسوأ أزمة سياسية واقتصادية إلى جانب انقلابه على الشركاء المدنيين في الحكم، ما عمّق الأزمة القائمة أصلا.
وكتبت قوات الدعم السريع في تغريدة على حسابها بتويتر قبل ساعات أنها “قامت فجر اليوم الأحد، بالتنسيق مع بعثة القوات الأميركية المكونة من 6 طائرات، بغرض إجلاء الدبلوماسيين وأسرهم”.
وقال دقلو في تغريدة على حسابه بتويتر “أدرت اليوم نقاشا شفافا وصريحا مع قائد أفريكوم الجنرال مايكل لانجلي حول الأزمة التي تعيشها بلادنا وتأثيرها على المواطنين والمقيمين من الجاليات الأجنبية بما في ذلك رعايا الولايات المتحدة الأميركية”.
وتابع “أكدت للجنرال لانجلي التزامنا بالهدنة المعلنة ووقف إطلاق النار والتعاون لدعم جهود واشنطن بشأن إجلاء رعاياها من السودان، وهذا الالتزام يشمل جميع رعايا الدول الشقيقة والصديقة والعاملين في المنظمات الإقليمية والدولية التي ترغب في تنفيذ عمليات إجلاء”.
ولم يتمكن آلاف الأجانب من بينهم موظفو سفارات وعمال إغاثة وطلاب من الخروج من الخرطوم ومناطق أخرى في السودان، ثالث أكبر دولة في أفريقيا، بسبب إغلاق المطار والمجال الجوي غير الآمن.
لكن قوات الدعم السريع قالت إنها مستعدة لفتح جميع مطارات السودان أمام حركة الملاحة جزئيا للسماح بعمليات الإجلاء. لكن الوضع في مطارات السودان ما زال غير واضح. وقال مطار الخرطوم على تويتر إن المجال الجوي السوداني سيظل مغلقا أمام حركة الملاحة.
وخلف القتال في السودان أكثر من 500 قتيل وآلاف الجرحى، بينما يحاول السودانيون التأقلم مع انقطاع الكهرباء ونقص المواد الغذائية وسط تقارير عن انقطاع للانترنت.
وقال بايدن في بيان صدر ليل السبت بتوقيت واشنطن “اليوم بناء على أوامري، نفذت القوات الأميركية عملية لإخراج موظفين حكوميين أميركيين من الخرطوم. أنا فخور بالالتزام غير العادي لموظفي سفارتنا في الخرطوم الذين أدوا واجبهم بشجاعة ومهنية”.
وشكر ما وصفها بـ”المهارة الفائقة لجنودنا الذين قاموا بنقلهم إلى بر الأمان”، مضيفا أن جيبوتي وإثيوبيا والسعودية ساعدت في هذه العملية. وأدان في البيان أعمال العنف الدامية داعيا إلى وقف فوري لإطلاق النار.
وفي بيان منفصل قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن وزارته “علقت العمليات مؤقتا” في السفارة بسبب “المخاطر الأمنية الرهيبة والمتنامية الناجمة عن النزاع”.
وأعلنت دول أجنبية أخرى أنها تستعد لإجلاء محتمل لآلاف من رعاياها، على الرغم من استمرار إغلاق المطار الرئيسي في السودان.
وكان أكثر من 150 شخصا من السعوديين ورعايا دول أخرى قد وصلوا بحرا إلى جدة السبت، في أول عملية إجلاء معلنة لمدنيين من السودان منذ اندلاع المعارك.
وأشارت الخارجية السعودية إلى أن الأجانب هم من 12 دولة هي الكويت وقطر والإمارات ومصر وتونس وباكستان والهند وبلغاريا وبنغلادش والفيليبين وكندا وبوركينا فاسو، وبينهم “دبلوماسيون ومسؤولون”.
ومع نقل القوات البحرية السعودية للرعايا المدنيين عبر البحر الأحمر من بور سودان إلى جدة، استؤنف القتال في الخرطوم بعد هدنة وجيزة شهدت وقفا لإطلاق النار في أول أيام عيد الفطر الجمعة.
وفي الخرطوم التي يبلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، قلب الصراع حياة المدنيين الذين يتملكهم الرعب داخل منازلهم من دون كهرباء في أجواء من الحرّ الشديد. ويجازف عدد منهم بالخروج للحصول على مواد غذائية على نحو عاجل أو للفرار من المدينة.
وقال أحد السكان يدعى عوض أحمد شريف “جميع الأهالي هنا يعانون من مشكلة المياه”، مضيفا “كما انقطعت عنا الكهرباء وأعيدت قبل ثلاثة أيام. كنا نعيش في العتمة وهذا غير طبيعي، أولا قُطعت المياه ثم قُطعت الكهرباء. ندعو الله لحمايتنا”.
ويضاف إلى تلك المتاعب “شبه انقطاع تام للانترنت” في أنحاء البلاد، بحسب منظمة نتبلوكس ومقرها في لندن المعنية برصد الشبكة العنكبوتية في أنحاء العالم.
خلال المعارك العنيفة في الخرطوم في الأيام الماضية، شنّت طائرات مقاتلة ضربات على مواقع عدة، بينما جابت دبابات الشوارع وأطلق الرصاص والمدفعية في مناطق مكتظة، لكن العنف امتد إلى أنحاء أخرى من البلاد أيضا.
ووقعت معارك في إقليم دارفور في غرب السودان حيث قالت منظمة أطباء بلا حدود في مدينة الفاشر إن الوضع “كارثي ولا يتوفر عدد كاف من الأسرّة لاستيعاب عدد الجرحى الهائل”، وبينهم عدد كبير من الأطفال.
والسبت سمع دوي إطلاق نار كثيف وانفجارات وأزيز طائرات حربية في مناطق كثيرة من العاصمة، وفق ما أفاد شهود.
وكان الجيش أعلن الجمعة أنه “وافق على وقف لإطلاق النار لمدة ثلاثة أيام” بمناسبة عيد الفطر. كما تم تجاهل وقف إطلاق نار لمدة 24 ساعة أُعلن في وقت سابق من الأسبوع.
وأكد قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان في بيان موافقته على “طلب عدد من الدول تسهيل وضمان تأمين إجلاء رعاياها وبعثاتها الدبلوماسية من البلاد وتقديم المساعدة اللازمة لتأمين ذلك”.
وشدّد في حديث لقناة “العربية” على أن “كل المطارات تحت سيطرة الجيش”، باستثناء مطار الخرطوم وآخر في نيالا بولاية جنوب دارفور.
وتقوم أطراف عدة بينها الاتحاد الأوروبي، بإعداد خطط لإجلاء رعاياها الأجانب، بينما نشرت كوريا الجنوبية واليابان قوات في دول مجاورة استعدادا لعمليات كهذه.
وذكرت مجلة “دير شبيغل” الألمانية أن وزيري الدفاع والخارجية عقدا اجتماعا طارئا السبت لمناقشة إمكانية القيام بعملية إجلاء بعدما اضطرت ثلاث طائرات عسكرية للعودة وعدم إكمال مهمتها الأربعاء.
واندلعت أعمال العنف في 15 أبريل بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن أكثر من 420 شخصا قتلوا وأصيب ما يزيد عن 3700 بجروح جراء القتال في جميع أنحاء السودان، لكن يُعتقد أن العدد الفعلي للقتلى أكبر من ذلك.
وقالت لجنة أطباء السودان إن أكثر من ثلثي المستشفيات في الخرطوم والولايات المجاورة “توقفت عن العمل”. وتعرضت أخرى للنهب وقُصفت أربعة مستشفيات على الأقل في ولاية شمال كردفان.
وقال برنامج الأغذية العالمي إن العنف قد يوقع ملايين آخرين في براثن الجوع في بلد يحتاج فيه 15 مليون شخص، أي ثلث السكان، إلى المساعدات.
ودعت مجموعة الأزمات الدولية إلى ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لوقف الانزلاق إلى “حرب أهلية شاملة”.
واندلع القتال على خلفية تباين بين القائدين العسكريين على طريقة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وهو شرط أساسي لاتفاق يهدف لاستعادة الانتقال الديمقراطي في السودان بعد إطاحة البشير في أبريل 2019 عقب تظاهرات حاشدة.
وكان الحليفان السابقان استوليا على السلطة كاملة في انقلاب في العام 2021 أطاحا خلاله بالمدنيين الذين كانوا يتقاسمون السلطة معهم، لكن الخلافات والصراع على السلطة ما لبثت أن بدأت بينهما وإن بقيت كامنة في فترة أولى.
بدأ بعض الرعايا الأجانب في مغادرة السودان من ميناء على البحر الأحمر اليوم السبت في الوقت الذي هزت فيه ضربات جوية العاصمة الخرطوم مجددا بعد أسبوع من بدء صراع أدى إلى مقتل مئات المدنيين في أنحاء البلاد.
وأدى القتال في المناطق الحضرية إلى محاصرة أعداد كبيرة في العاصمة. وجرى استهداف المطار بشكل متكرر ولم يتمكن العديد من السكان من مغادرة منازلهم أو الخروج من المدينة إلى مناطق أكثر أمانا.
وحثت الأمم المتحدة ودول أجنبية قائدي طرفي الصراع على احترام وقف إطلاق النار المعلن الذي تم تجاهله في كثير من الأحيان، وفتح ممرات آمنة للسماح للمدنيين بالفرار وإدخال مساعدات تشتد الحاجة إليها.
انزلاق مفاجئ
وقوض انزلاق السودان المفاجئ إلى الحرب خططا لاستعادة الحكم المدني ودفع البلد الذي يعاني من الفقر بالفعل إلى شفا كارثة إنسانية وهدد باندلاع حرب أشمل قد تجتذب قوى خارجية.
ولا توجد أي مؤشرات حتى الآن على أن أيا من الطرفين يستطيع تحقيق نصر سريع أو أنه مستعد للتراجع وإجراء حوار. ويملك الجيش قوات جوية لكن تنتشر قوات الدعم السريع بشكل كبير في المناطق الحضرية.
ومع ذلك قال البرهان السبت “يجب أن نجلس جميعا كسودانيين ونجد المخرج الملائم حتى نعيد الأمل ونعيد الحياة”. وهذه أكثر تعليقات تصالحية له منذ اندلاع القتال.
العرب