تونس – أطلقت السلطات الصحية في محافظة صفاقس المعروفة بعاصمة الجنوب التونسي صيحة فزع إثر تكدس نحو 180 جثة لمهاجرين غير شرعيين في قسم حفظ الموتى بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة، في انتظار إيجاد حلول لدفنها، وسط مخاوف من أزمة صحية.
وخلال الأيام الماضية، عثرت السلطات التونسية على عشرات جثث مهاجرين من دول الساحل والصحراء أغلبها متحللة ومتعفنة ومجهولة الهوية، بعدما لفظتها أمواج البحر على شواطئ صفاقس، كما انتشل خفر السواحل منذ نهاية الأسبوع المنقضي ما لا يقلّ عن 70 جثّة بعدما غرقت مراكبهم في عرض البحر أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا، وهي أعداد تفوق طاقة استيعاب قسم حفظ الموتى بالمستشفى الجامعي بالمحافظة الساحلية الذي لا يتجاوز 42 جثة.
وأكد المتحدث باسم المحكمة الابتدائية صفاقس 1 فوزي المصمودي، أن الوضع بالمستشفى الجامعي بصفاقس، مقلق وحرج جدا بعد أن فاق عدد جثث ضحايا الهجرة الغير نظامية، الذين تم انتشالهم من سواحل الجهة، طاقة استيعاب المستشفى.
وقال المصمودي في تصريح لإذاعة “شمس” المحلية الخاصة اليوم الثلاثاء “لم يتم التعرف على أغلب هويات الجثث، إلا أن أغلب الضحايا هم مجهولي هوية من جنسيات أفريقية مختلفة”.
وأضاف لا يمكن تحديد هويات بعض الجثث باعتبارها في حالة تحلل، إلا أن الثابت هو وجود مهاجرين من جنسية تونسية وجنسيات عربية أخرى.
وتأتي الخسارة في الأرواح بينما تشهد قوارب المهاجرين من تونس المتجهة نحو السواحل الإيطالية زيادة حادة في الآونة الأخيرة.
وأوضح المصمودي أن “المشارح بمشافي صفاقس تعاني ضغطا كبيرا، بسبب أعداد الجثث المرتفعة للمهاجرين، وهو أمر يهدد بمشاكل صحية”.
وصل لفظ سواحل جهة صفاقس لجثث غرقى الهجرة غير النظامية بشكل يفوق طاقة استيعاب منظومة الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة، يجري العمل حاليا على تهيئة مقبرة خاصة بالهالكين من المهاجرين غير النظاميين من غير التونسيين (الذين يتكفل أهاليهم بعملية دفنهم في مقابر البلديات)، وفق المدير الجهوي للصحة حاتم الشريف.
ووصف الشريف في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء عن هذا المسعى بـ”الحل الجذري لأزمة التصرف في جثث الغرقى بقسم الأموات”، التي تتزايد كل يوم مخاطر تداعياتها الصحية مع ارتفاع درجات الحرارة التي لا تحتمل البطء في المعالجة الطبية والشرعية للجثث، وأكّد تواصل جهود التنسيق بين السّلط الجهوية والمركزية لتهيئة مقبرة للغرض.
وأكد أنّ المنظومة وصلت على الصعيد الجهوي “إلى حالة إنهاك” مع الجهود المضنية والمتواصلة التي يبذلها مختلف المتدخلين من سلطة جهوية وقسم طب شرعي وبلديات وحرس بحري وجهاز قضائي وغيرهم، في عملية التكفل بجثث الغرقى من حيث النقل والحفظ والإجراءات المرتبطة بالطب الشرعي وأذون الدفن وتحضير المقابر وعمليات الدفن وغيرها.
وتواصل فرق الحرس البحري خلال الفترة المنقضية عمليات إخراج الجثث من سواحل صفاقس ولا سيما سواحل منطقة جبنيانة (شمال محافظة صفاقس)، كما تواصل جهودها في التصدي لرحلات الهجرة غير النظامية بحرا، ونجدة من تعطلت أو غرقت مراكبهم مع اتخاذ الإجراءات القانونية في شأنهم.
وتبقى أعداد الجثث التي يتلقاها قسم حفظ الموتى بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة أكثر بكثير من طاقة استيعابه القصوى، حيث تجاوز عددهم أضعاف الأضعاف، وتشير الإحصائيات إلى أنّ عدد الجثث التي تمت معالجتها ودفنها في مقابر مختلفة بولاية صفاقس خلال السنة الفارطة والسنة الجارية تجاوز الـ800 جثة من جنسيات مختلفة لبلدان أفريقيا جنوب الصحراء.
وازدادت حوادث الغرق قبالة تونس بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة، مخلفة العشرات بين قتيل ومفقود.
وأصبحت السواحل التونسية، خاصة صفاقس، نقطة انطلاق رئيسية للأشخاص الفارين من الفقر والصراع في أفريقيا والشرق الأوسط، على أمل حياة أفضل في أوروبا.
وسجلت المنظمة الدولية للهجرة 537 حالة وفاة أو اختفاء في وسط المتوسط – أخطر ممر عبور في العالم – منذ بداية العام.
وقال الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس الوطني العميد حسام الدين الجبابلي، في تصريح لإذاعة موزاييك” الخاصة اليوم الثلاثاء إنّه تمّ انتشال 58 جثّة خلال يومي 23 و24 أبريل الجاري، بسواحل صفاقس والمهدية (شرق) وجزيرة قرقنة، بالإضافة إلى العثور على جثّة آدمية لفتاة في شواطئ قابس مقطوعة الرأس والأطراف وهيكل عظمي لضحية أخرى لفضهما البحر.
وارتفع عدد عمليات الهجرة غير النظامية المُحبطة إلى 501 عملية في الثلاثي الأوّل من 2023، مقارنة بـ172 عملية خلال نفس الفترة من العام الماضي.
كما ارتفع عدد الأشخاص الذين تمّ منعهم من الإبحار باتجاه السواحل الأوروبية من 2530 في الثلاثي الأول من السنة الماضية إلى 15 ألف في العام الجاري، معظمهم من دول أفريقية جنوب الصحراء.
وأشار الجبابلي أنّ الوحدات البحرية تواجه صدّا من المشاركين في عمليات الهجرة غير النظامية، الذين يعمدون إلى منع ربان المراكب من الاستجابة إلى وحدات الحرس والاعتداء عليهم ودفعهم أحيانا في البحر.
ولفت إلى أنّ المنظمين والوسطاء في عمليات ”الحرقة” (الهجرة غير النظامية) مروا من مرحلة الإيواء والتسفير إلى الإعداد وصناعة مراكب حديدية لاستخدامها في الهجرة.
وتلجأ عصابات الإتجار بالبشر مؤخرا إلى استخدام كبير لهذه المراكب الحديدية التي انجرّت عنها أغلب المآسي التي شهدتها سواحل تونس والمتوسّط عموما في الفترة الأخيرة، وفق رمضان بن عمر الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأعلن الحرس الوطني البحري التونسي هذا الشهر، أن أكثر من 14 ألف مهاجر، معظمهم من أفريقيا جنوب الصحراء، تم اعتراضهم أو إنقاذهم في الأشهر الثلاثة الأولى من العام في أثناء محاولتهم العبور إلى أوروبا.
وأصبحت سواحل تونس، التي تبعد بعضها نحو 150 كيلومتراً عن لامبيدوزا الإيطالية، نقطة انطلاق للمهاجرين غير الشرعيين الحالمين بالوصول إلى أوروبا هرباً من الفقر والصراعات في بلدانهم.
العرب