يعد مصدر التهديد الأساسي في منطقة الخليج من المنظور الإيراني الوجود الأميركي في المنطقة على طول الحدود الإيرانية في أفغانستان والعراق، وفي منطقة الخليج العربي حيث تعتبرها المجال الرئيس لحركتها السياسية وضمان أمنها.
ومن هذا المنطلق عملت إيران على إحداث توترات وخلق فوضى في المساحات التي وجدت بها القوات الأميركية، لتجبرها على الرحيل، وجعل وجودها غير آمن. ومن ثم تعاملت طهران مع الوجود الأميركي في العراق وأفغانستان باعتباره يمنحها فرصاً تستغلها لمصالحها، ومن جهة أخرى تعاملت معه باعتباره تهديداً أمنياً لها.
في عام 2003 وبعد الغزو الأميركي للعراق، عملت طهران على زيادة نفوذها بالمنطقة، وشهدت إدارة جورج بوش الابن تعاوناً خلال تلك الفترة بين الولايات المتحدة وإيران في أفغانستان والعراق، على رغم الخطاب العدائي المتبادل بينهما حينها.
شهدت تلك الفترة تقارباً بين طهران وواشنطن، وفتحت قنوات اتصال بشأن الوضع في أفغانستان، في حين أن الإدارة الأميركية تجاهلتها عند التعامل مع الوضع بالعراق، فشهد الغزو الأميركي لأفغانستان تعاون إيران وفتح مفاوضات بناءة بين الطرفين، وتواصلاً على مدى 18 شهراً حول أفغانستان لحفظ الاستقرار بعد حكومة طالبان.
كما عرضت طهران مرات عدة المشاركة في برنامج تدريبي بقيادة الولايات المتحدة للجيش الأفغاني، وإطلاق حوار حول مكافحة الإرهاب مع واشنطن. وفي الجهة الأخرى عملت طهران على خلق فوضى تتحكم بها في العراق لخلخلة الوجود الأميركي بالعراق.
ومن ثم نجد تصريحات المرشد الإيراني منذ أيام في ما يخص الوجود الأميركي في العراق، فخلال اجتماعه مع الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد في طهران قال “إن وجود حتى أميركي واحد في العراق أكثر من اللازم”. وفي المقابل قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن “بالنظر إلى المستقبل، فإن القوات الأميركية مستعدة للبقاء في العراق بدعوة من الحكومة العراقية”.
حديث أوستن يوضح أن واشنطن لن تترك العراق ساحة تنفرد بها إيران، وتصريح خامنئي يوضح أن طهران ستظل تعمل على زعزعة الوجود الأميركي بالعراق، بما يعني أن العراق ما زال معرضاً ليكون ساحة التجاذبات والصدامات الإيرانية – الأميركية.
تؤكد تلك الاحتمالات ما نشرته وكالة “تسنيم” الإيرانية من أن متحدث حركة النجباء العراقية، التي تدعمها إيران، نصير شمري قال على “تويتر”، “إن قوات الاحتلال هدف مشروع في العراق وفي كل منطقة غرب آسيا حتى خروج آخر جندي أميركي محتل من أرض العراق، وأن حركة النجباء غير ملزمة بأي اتفاق سياسي يتضمن هدنة أو تهدئة مع قوات الاحتلال الأميركي، أياً كانت الأطراف القائمة على مثل هذه الأمور”.
أما أفغانستان فعقدت قمة في أوزباكستان، جمعت بين الصين وروسيا وإيران، لمناقشة الفراغ الذي خلفه رحيل الولايات المتحدة عن أفغانستان، وشدد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان على التعاون الإقليمي في إعادة السلام إلى أفغانستان، وقال إن ما تحتاجه أفغانستان هو “حلول إقليمية وليس تدخلاً غربياً”، وجرى إلقاء اللوم على الولايات المتحدة في الإخفاقات الأمنية بأفغانستان.
تحاول إيران في إطار سعيها للنفوذ التخلص من وجود أية قوات أجنبية يمكن أن تعرقل سياساتها، فحينما تسعى قوى ما إلى الهيمنة والسيطرة يظل وجود القوى العظمى داخل إقليمها أهم كوابح مشروعها. لذا فإنه بفرض تقاربت المصالح الأميركية والإيرانية في بعض المساحات ونجح الطرفان في التنسيق والتعاون بما تفرضه المصالح ستظل طهران تعمل على ضمان عدم وجود أميركي في جوارها الإقليمي، وستستمر في خلق فوضى محكومة من قبلها تجاه تلك القوات مع استمرار تقديم حلول للأزمات الأمنية لدول الجوار من وجهة النظر الإيرانية.
ان