القاهرة- صدم قرار الحكومة المصرية -قبيل الثانية من فجر اليوم الخميس- برفع سعر السولار قطاعات اقتصادية مختلفة على رأسها النقل والزراعة، بما يهدد بموجة غلاء إضافية تتزامن مع تنفيذ شروط “إصلاح قاسية” فرضها صندوق النقد الدولي، تمهيدا لصرف الدفعة الثانية من القرض الذي أثار جدلا متزايدا.
وأعلنت الحكومة أن القرار جاء “في ضوء زيادة الأسعار العالمية للزيت الخام والمنتجات البترولية وسعر صرف الجنيه أمام الدولار”، وقررت اللجنة الحكومية المعنية زيادة سعر السولار بمقدار جنيه واحد للتر، ليصبح سعر البيع في السوق المحلي 8.25 جنيهات للتر الواحد (الدولار يساوي 31 جنيها تقريبا).
كما قررت اللجنة تثبيت أسعار البنزين بأنواعه عند 8.75 جنيهات للتر البنزين 80، و10.25 جنيهات للتر البنزين 92، و11.50 جنيها للتر البنزين 95، وكذلك تثبيت سعر بيع طن المازوت لغير استخدامات الكهرباء والصناعات الغذائية عند 6 آلاف جنيه للطن.
ويصف الخبير الاقتصادي بمركز دراسات الشرق الأوسط علي الجبالي الزيادة بأنها صادمة، ويوضح للجزيرة نت أن سعر السولار زاد بنسبة 13.8%، وهذا يعني تلقائيا -كما يقول- زيادة تعرفة المواصلات العامة، وارتفاع تكلفة إنتاج المحاصيل الزراعية، وربما زيادة فواتير الكهرباء في وقت لاحق.
ويشير الجبالي إلى أن السولار هو الوقود الرئيسي لكثير من وسائل النقل العام ومحطات توليد الكهرباء وأدوات الإنتاج الزراعي ونقل الركاب ومختلف المنتجات والمخابز والصناعات.
ويربط أستاذ الاقتصاد بجامعة بني سويف نعيم لمعي القرار باقتراب مصر من الحصول على الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي التي قدرها 347 مليون دولار، ويتوقع في حديثه للجزيرة نت أن تكون الخطوة القادمة رفع سعر الفائدة في البنوك مع تخفيض جديد في قيمة الجنيه، أما عن خصخصة الشركات العامة فهي تسير بخطوات متسارعة، على حد تعبيره.
وظهر الارتباك مبكرا على قطاع الدواء، فغرد النقيب العام لصيادلة مصر محيي الدين عبيد غاضبا واعتبر أن أي تحريك لأسعار الوقود في هذا التوقيت قرار خاطئ، ووصف الحكومة بأنها بهذا القرار “تؤكد أنها منفصلة عن الواقع الذي يعيشه المصريون وحالة الغليان بسبب لهيب الأسعار”.
يقول الباحث الاقتصادي محمد زكي للجزيرة نت إن رفع سعر السولار يشدد الخناق على رقاب المصريين، نظرا لأنه يرتبط بكل قطاعات وشرايين الاقتصاد وحركة الحياة، ولا يرى زكي ضرورة في الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي معتبرا أن قيمة الشريحة الثانية من القرض لا تستحق فتح الباب لموجة غلاء طاحن.
وفي السياق ذاته، توقع المحلل بمركز دراسات الشرق الأوسط علاء عبد السيد ارتفاعا أكثر في معدلات التضخم التي بلغت مؤخرا معدلا قياسيا اقترب من 33% حسب التقديرات الرسمية، لكنه يشدد على أن الغلاء المرتبط بزيادة سعر السولار يهدد بعرقلة أي نمو في قطاعات الإنتاج والصناعة والزراعة، مشيرا إلى أن هذه القطاعات تعتمد على السولار بشكل أساسي.
وعلى الفور، أعلنت سيارات النقل العام الحكومي رفع تعرفة الركوب بنسبة 10%، بينما قررت أجهزة الإدارة المحلية في مختلف المحافظات رفع درجة الاستعداد القصوى و تفعيل غرف العمليات لمتابعة انتظام عمل مواقف السيارات والالتزام التام بتطبيق التعرفة الجديدة التي قالت إنها لن تتجاوز الـ10%.
كما أعلنت عن تحرك لمتابعة سير عمل محطات الوقود بعد أنباء عن توقف بعضها في محافظة البحيرة.
وفي الساعات الأولى من صباح اليوم الخميس وبعد ساعات من تطبيق القرار، خيّمت حالة من الارتباك على الحركة في مواقف النقل الجماعي في منطقة الحصري بمدينة 6 أكتوبر، وكذلك على طول الطريق في اتجاه ميدان رمسيس (وسط القاهرة)، بسبب قرار حكومي باعتبار اليوم الخميس إجازة رسمية، بدلا من إجازة عيد العمال التي ألغيت الأحد الماضي.
وكانت جمالات حسين -موظفة في القطاع الحكومي- تلتقط أنفاسها بعد جدال بلا فائدة مع سائق الميكروباص بشأن تعرفة الركوب، وقالت للجزيرة نت إن “الوقت غير مناسب لإقرار أي زيادة في الأسعار”، وحذرت من موجة ارتفاع جديدة في باقي السلع والخدمات.
وتوقعت مروة السيد -ربة منزل- ارتفاعات وشيكة في أسعار الكهرباء والمياه وغاز المنازل، وأشارت إلى أن أولى معاركها ستبدأ حول رسوم حافلة المدرسة المتوقع رفع قيمتها.
وبرر جمال عبد الدايم -موظف في شركة سياحة- لجوء الحكومة إلى تحريك أسعار الوقود، وأشار إلى ارتفاعات عالمية في الأسعار وليس في مصر وحدها، لكنه يرى في الوقت نفسه أن الحكومة يجب ألا تخضع بشكل كامل لكل طلبات صندوق النقد الدولي، فحياة الناس تزداد صعوبة، على حد تعبيره.
ويشكو أبو إسلام -موظف بوزارة الصحة- من أن الكارثة ستحل على رأس المواطن فقط، ويوضح قائلا إن السائقين يضاعفون تعرفة الركوب على طريقتهم الخاصة، ويقسّمون “خط السير” إلى عدة مراحل، فيدفع الراكب أكثر من مرة للرحلة نفسها.
وعلى صعيد مختلف، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صفحات بعنوان “دفعت كم في منطقتك” لجمع معلومات عن سعر تعرفة الركوب في كل منطقة، وسط حالة من الجدل والغضب وعدم الوضوح.
ويتحدث سلامة مصطفى، سائق شاحنة، عن “غليان مكتوم” بين السائقين وأصحاب السيارات التي تنقل مواد البناء والمنتجات الغذائية ويقول إنها مهددة بالتوقف، وينفي أي تحرك للإضراب عن العمل بسبب ما قال إنها ضغوط أمنية.
ارتباك في المخابز
ولم يقف الارتباك عند حدود النقل، وإنما امتد إلى المخابز وسط مخاوف من انعكاسات سلبية على رغيف الخبز الذي تعرض مؤخرا لتقلبات سعرية متعددة.
ويقول علي ربيع، صاحب مخبز، بمنطقة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة إنه تحول مؤخرا إلى استخدام الغاز الطبيعي بدلا من السولار وإن الزيادة الأخيرة لن تؤثر على رغيف الخبز، لكنه أشار إلى أن المخابز التي تعمل بالسولار سوف تتأثر من دون شك.
بدورها، قالت وزارة التموين إنها تقوم بسداد صافي تكلفة تصنيع رغيف الخبز المنتج بالمخابز البلدية التي تعمل بوقود السولار، طبقا لما يتم إثباته من مبيعات الخبز على النظام بموجب البطاقة التموينية الذكية.
وأكد وزير التموين علي المصيلحي -في تصريحات نشرتها الصحف المحلية- أن المواطن يحصل على الخبز البلدي المدعم من خلال بطاقة التموين بسعر 5 قروش فقط، وشدد على استمرار تحمل الدولة فرق تكلفة الإنتاج وسدادها لأصحاب المخابز من خلال هيئة السلع التموينية.
ويعلق على ذلك الصيدلي ياسر الطيب قائلا إنه لا يجد أي صدى للدعم الحكومي، ويقول للجزيرة نت “إن القرار متسرع وجاهل بمصلحة المواطن، فمنذ شهرين تقريبا زاد سعر البنزين جنيها واحدا، ولم يزد سعر السولار، وظل الإعلام يعدد ويمدح حكمة قرار عدم زيادة سعر السولار، فماذا سيقول الآن”.
وفي الاتجاه نفسه، يرى خالد جمال، وهو طبيب حديث التخرج، أن الحكومة ليس أمامها حل إلا جيب المواطن، ويشير إلى أن الأمر سيدفع إلى زيادة جديدة في أسعار المستلزمات الطبية والعلاج.
ويأتي قرار رفع سعر الوقود تطبيقا لآلية تسعير اشترطها صندوق النقد الدولي الذي وافق، يوم 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، على تقديم قرض للحكومة المصرية بقيمة 3 مليارات دولار، وفق برنامج إصلاح مالي يمتد إلى نحو 4 سنوات، ويُتوقع -حسب البرنامج- الحصول على قروض بقيمة 14 مليار دولار من خلال شركاء دوليين وإقليميين.
وبينما يترقب السوق المصري صرف الشريحة الثانية للقرض، كان على الحكومة المصرية أن تواصل تحريك سعر الوقود والاستعداد لتعويم إضافي لعملتها، كما يشترط صندوق النقد الدولي تخارج الحكومة من المشاريع الاقتصادية، وفتح مساحة أكبر لـ”الخصخصة”، وتوقف عمليات الدعم المنفذة من قبل البنك المركزي المصري لدعم خطط الإقراض.
وحسب الأرقام الحكومية، فقد ارتفعت مخصصات دعم المواد البترولية إلى 66 مليار جنيه خلال النصف الأول من السنة المالية 2022-2023، بسبب تحرير سعر صرف الجنيه، بموازاة ارتفاع أسعار النفط العالمية.
وفي كل مرة تردد الحكومة المبررات نفسها وتدافع عن نفسها بالحديث عن دعم المواد البترولية، وتقول هذه المرة إنه ارتفع بنسبة 290%، مقارنة بالفترة عينها من السنة الماضية، حيث لم يتجاوز 17 مليار جنيه.
وتؤكد الحكومة أنها كانت تستهدف عدم تجاوز قيمة دعم المواد البترولية في ميزانية السنة المالية الحالية 2022-2023 مبلغ 28 مليار جنيه، في حين أن فاتورة دعم الوقود في الحساب الختامي لميزانية 2021-2022 بلغت 59 مليار جنيه، بزيادة 212% عن السنة المالية 2020-2021 التي سجلت 18.9 مليار جنيه.
وتستهلك مصر سنويا 13 مليون طن سولار ونحو 7 ملايين طن بنزين، حسب أحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وتتوقع مصارف ومؤسسات مال دولية أن مصر على أبواب تعويم رابع لعملتها ينذر بموجة غلاء جديدة ويخفض مستوى المعيشة ويفتح الباب لاضطرابات اجتماعية.
المصدر : الجزيرة