قطاع الكهرباء العراقي يصارع نقص الغاز الإيراني

قطاع الكهرباء العراقي يصارع نقص الغاز الإيراني

شذى خليل*

يجد قطاع الكهرباء في العراق نفسه في خضم أزمة جديدة حيث يعاني وقف تدفق الغاز الإيراني الضروري لتزويد المنطقة الجنوبية بالطاقة ، وهذا الانقطاع المؤسف أدى إلى تقييد القدرات في محطات توليد كهرباء الجنوب والفرات الأوسط،، وأوصل البلاد إلى هذا العجز الكبير والذي تجاوز 1000 ميغاوات في إمدادات الكهرباء، حيث أعلنت وزارة الكهرباء العراقية، انحسار إمدادات الغاز المورّد للمنطقة الجنوبية، وقالت إنه في الوقت الذي تحاول فيه زيادة إنتاج الكهرباء في العراق، وإعلان جاهزية وحدات التوليد بمحطاتها لتواكب استقرار ساعات تجهيز الكهرباء للمواطنين مع ذروة الأحمال الصيفية، توقفت إمدادات الغاز الإيراني، بحسب مصادر رسمية في البلاد .

على مدار أعوام والحكومات العراقية المتعاقبة تواجه انتقادات بسبب سوء إدارتها لموارد الطاقة في البلاد ، فلم تحل مشكلة حرق أكثر من نصف الغاز الطبيعي العراقي، مما اضطر بغداد حتى وقت قريب إلى تعويض ذلك باستيراد نحو 49 مليون متر مكعب من الغاز يومياً من طهران.
تعد إيران مساهمًا كبيرًا في شبكة الكهرباء في العراق ، حيث توفر حوالي 1.2 جيجاوات من الكهرباء ، والتي تمثل ما يقرب من 7 ٪ من إجمالي احتياجات الكهرباء في العراق البالغة 18.4 جيجاوات، وتأتي مساهمة إيران في شكل صادرات من الغاز الطبيعي الى العراق .

ورغم ان العراق يعد من الدول الغنية بهذا القطاع، إلا أن تدهور البنية التحتية وسوء إدارة استثمار الغاز الطبيعي في محطات الطاقة فاقمت هذا المشكلة، مما يجعل إيران المتحكم بكمية الطاقة التي تباع الى العراق وبأسعار تعد الأغلى في العالم كما صرحت وزارة الكهرباء العراقية، حيث إن سعر المليون وحده حرارية (وحدة القياس) بالبورصة العالمية يبلغ نحو 2.5 دولار، لكن السعر في الاتفاقية الموقعة بين العراق وإيران يصل إلى 11.23 دولاراً، أي أضعاف السعر .
قررت وزارة الطاقة الإيرانية مؤخرًا خفض إمدادات الغاز إلى مناطق العراق الوسطى والجنوبية من 49 مليونًا إلى 8 ملايين متر مكعب يوميًا، مما أدى الى خسارة حوالي 5500 ميغاواط لشبكة الكهرباء الوطنية العراقية، وبالتزامن مع القرار الإيراني أعلنت شركة توتال الفرنسية عن اتفاقيات طاقة مع العراق بقيمة 10 مليارات دولار. حيث تهدف هذه الاتفاقيات إلى تنمية الموارد الطبيعية العراقية وتحسين إمدادات الكهرباء في البلاد.

هدر الطاقة العراقية:
يهدر العراق أكثر من نصف غازه الطبيعي بسبب عدم كفاية البنية التحتية والمعدات اللازمة لجمع واستخدام الغاز من حقوله النفطية لتوليد الكهرباء. ووفقًا للبنك الدولي، يحرق العراق حوالي 18 مليار متر مكعب من الغاز المرتبط بالنفط سنويًا، مما يجعله ثاني أعلى معدل في العالم بعد روسيا، ويساهم هذا الهدر في القضايا البيئية والصحية، بما في ذلك الاحتباس الحراري وأمراض مثل الربو والسرطان وارتفاع ضغط الدم.
تضغط الولايات المتحدة وبعض الدول العربية على العراق لتنويع مصادر طاقته وتقليل اعتماده على إيران. وترى واشنطن أن تعاون إيران في مجال الطاقة مع العراق بمثابة تحايل على العقوبات. وبينما منحت الولايات المتحدة إعفاءات تسمح للعراق باستيراد الطاقة من إيران ، فإنها تؤكد على أهمية تحقيق العراق للاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات الإيرانية.
عرضت المملكة العربية السعودية التعاون لتوفير الكهرباء للعراق كجزء من الجهود الأمريكية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. حيث تواصل إدارة بايدن فرض العقوبات التي فُرضت في عهد ترامب ، الأمر الذي يعقد من قدرة العراق على سداد ديونه لإيران المقدرة بنحو 6 مليارات دولار.

قد تشير الاتفاقات الأخيرة بين الحكومة العراقية وشركة “توتال” الفرنسية إلى تحول محتمل في نهج بغداد للتعاون في مجال الطاقة مع إيران ، مما يشير إلى احتمال الابتعاد عن مجال الطاقة الإيراني.
إن توفر الغاز الإيراني أمر حاسم لاستقرار قطاع الطاقة في العراق. وبدون هذه الواردات ، ستتأثر قدرة العراق على توليد الطاقة بشكل كبير ، مما يؤدي إلى نقص الكهرباء وانقطاع التيار الكهربائي والاضطرابات في مختلف القطاعات. وتعتبر محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز ذات أهمية خاصة خلال فترات ذروة الطلب ، مثل أشهر الصيف الحارة عندما يرتفع استهلاك الكهرباء بسبب زيادة استخدام تكييف الهواء.
ان الاعتماد على واردات الغاز الإيراني تمثل تحديات أيضًا. إذ يمكن أن تتسبب أعمال الصيانة أو الانقطاعات في خط أنابيب الغاز بين البلدين في تأخير أو انخفاض في إمدادات الغاز ، كما هو موضح في الحالة المذكورة حيث تأخر وصول الغاز بسبب صيانة خط الأنابيب. ويمكن أن تؤدي هذه الانقطاعات إلى إجهاد قطاع الكهرباء في العراق وتتطلب تدابير بديلة لضمان استقرار إمدادات الكهرباء.
ختاما يجب على بلد نفطي غني مثل العراق أن ينوع مصادر طاقته ويستثمر ويعيد بناء البنى التحتية بأفضل الشركات لتحقيق الاستقلال الاقتصادي والمادي والسياسي ، وتهدف هذه الجهود إلى تعزيز أمن الطاقة في العراق وتقليل تعرضه لانقطاع الإمداد من مصادر خارجية.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية