توفر الهدنة التي تتخللها اشتباكات مسلحة فرصة قصيرة الأمد للسودانيين؛ سواء أكان ذلك لقضاء حاجياتهم بعد أكثر من شهر من المكوث في بيوتهم بسبب القتال المستمر رغم الإعلان المتكرر عن الهدنات أم للنزوح أو الهجرة إلى دول مجاورة.
الخرطوم – مع إكمالها 40 يوما ما زالت اشتباكات السودان تحصد أرواح المدنيين وتخرب ممتلكاتهم وتقذف بهم في أتون رحلات فرار قاسية تتوزع بين نزوح من مدن المعارك الملتهبة إلى أخرى أكثر أمانا، ولجوء إلى دول الجوار يسهم في المزيد من تردي الأوضاع على الحدود.
وخلفت الاشتباكات التي نشبت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل الماضي حالة إنسانية مأساوية داخل المدن وخاصة العاصمة الخرطوم (وسط)، لاسيما بعد تدمير عدد من المستشفيات وخروج العشرات منها عن الخدمة، وبروز أزمات في الإمداد الدوائي والغذائي.
وبعد ساعات من هدنة هشة تخللتها الكثير من الاشتباكات المسلحة، وجد بعض مواطني الخرطوم فرصة “قصيرة الأمد” للخروج من المنازل وشراء حاجياتهم الأساسية، وهالهم حجم الدمار الذي طال مدينتهم التي فضلوا البقاء فيها رغم استمرار المعارك.
غير أن آخرين قالوا إنهم وجدوا في ساعات الهدوء القليلة بعد إعلان الهدنة فرصة سانحة لمغادرة المدينة المنكوبة إلى بقية المدن الآمنة شمالا أو جنوبا.
ولاية النيل الأبيض تستضيف أكبر عدد من النازحين بنسبة 25 في المئة، بحسب آخر إحصائية لمنظمة الهجرة
والأحد أعلنت الرياض وواشنطن أن هدنة جديدة في السودان ستدخل حيز التنفيذ مساء الاثنين وتستمر أسبوعا، فضلا عن استمرار محادثات طرفي النزاع في جدة للتوصل إلى وقف دائم للقتال وحل النزاع بالحوار، بيد أن الهدنة شابتها الكثير من “الانتهاكات”، وفق تقارير مراقبي وقف إطلاق النار.
أيمن عبدالمنعم (أحد سكان أحياء جنوبي الخرطوم) قال “في اليوم الأول من الهدنة خرجت إلى الشارع الرئيسي لأول مرة منذ اندلاع الحرب ورأيت سيارات النقل محمّلة بالمغادرين وحقائبهم”.
وأضاف عبدالمنعم “طوال الأيام الماضية كنت أشتري حاجياتي من المحلات الصغرى داخل الحي، لكني اليوم (اليوم الأول من الهدنة) خرجت إلى الشارع الرئيسي لأجد العشرات يغادرون جنوبا في اتجاه ولاية النيل الأبيض (جنوب)”.
ومنذ اندلاع القتال في منتصف أبريل الماضي نزح عشرات الآلاف إلى الولايات المتاخمة للخرطوم: النيل الأبيض (جنوب) والجزيرة (وسط) ونهر النيل (شمال)، بينما سلك آخرون طريقهم إلى ولايات بعيدة نسبيا عن العاصمة؛ جنوبا نحو ولاية شمال كردفان، وشرقا نحو ولايات كسلا والقضارف والبحر الأحمر، وآخرون نزحوا إلى ولاية سنار والدمازين (جنوب شرق)، و”الولاية الشمالية” في أقصى شمال السودان.
أما أبوبكر إبراهيم فيسكن منطقة شرق النيل (شرقي العاصمة)، وهو أحد سكان الخرطوم الذين فضلوا البقاء في بيوتهم على أن يرحلوا منها.
وقال إبراهيم “مازالت الكثير من المحلات التجارية مغلقة ومعظم سكان الحي غادروا بسبب الاشتباكات إلى مناطق آمنة تتوفر فيها الاحتياجات الأساسية من دون عناء كما في الخرطوم”.
وأشار إلى أن “الفوضى والسرقة وانعدام الأمن أمور قللت من حركة السكان خشية أن يتعرضوا للنهب بشكل عنيف”.
ويسلك معظم النازحين الطرق التي توصلهم إلى ولايتي النيل الأبيض والجزيرة المتاخمة للعاصمة نظرا إلى قربها من الخرطوم.
وتستضيف ولاية النيل الأبيض (جنوب) أكبر عدد من النازحين داخليا بنسبة تصل إلى 25 في المئة، بحسب آخر إحصائية لمنظمة الهجرة الدولية.
والثلاثاء قال طارق عبدالرحمن، رئيس اللجنة الحكومية لاستقبال وإيواء الضيوف (النازحين) بولاية الجزيرة، إن ولايته تستضيف 9 آلاف و949 مواطنا بمراكز الإيواء، وأكثر من 10 آلاف بالمدارس، إضافة إلى عدد غير محدد من المستضافين بالمنازل، وفق وكالة الأنباء السودانية الرسمية.
وفي تقرير لها الأربعاء أعلنت منظمة الهجرة الدولية أن عدد النازحين داخل السودان بلغ نحو مليون شخص منذ بداية الاشتباكات في منتصف أبريل الماضي.
بجانب حالات النزوح الداخلي هربا من عدم الأمان، استمرت حركة اللجوء إلى الخارج وعبر الكثير من السودانيين إلى دول الجوار (إثيوبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وتشاد ومصر).
سائق الحافلة عمر التجاني، الذي ينقل الركاب من مدينة ود مدني وسط البلاد إلى بورتسودان شرقي البلاد، قال إن رحلاتهم أصبحت يومية لنقل المسافرين إلى بورتسودان، حيث يستطيعون السفر منها عبر مينائها ومطارها الدوليين. وأوضح التجاني أن “أناسا كثيرين ما زالوا في مدني يريدون الذهاب إلى بورتسودان بعد أن انقلبت حياتهم رأسا على عقب وصار الهروب من مناطق الحرب مصيرهم المحتوم”.
والأربعاء أعلنت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين عن فرار أكثر من 300 ألف سوداني إلى الدول المجاورة.
وقال المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيلبو غراندي في تغريدة إن “أكثر من 300 ألف شخص اضطروا إلى الفرار من السودان نحو البلدان المجاورة…، الكثير منهم عبروا الحدود إلى تشاد ومصر خلال الأيام القليلة الماضية”.
وفي 17 مايو الجاري ذكرت الأمم المتحدة أن “نحو 25 مليون شخص يمثلون أكثر من نصف سكان السودان بحاجة إلى المساعدات الإنسانية”، محذرة من أن “الوضع في السودان يتحوّل إلى أزمة إقليمية بوتيرة سريعة”، وتوقعت أن “يبلغ عدد الفارين من السودان مليون لاجئ هذا العام”.
ولمواجهة ذلك أعلنت الأمم المتحدة عن “الحاجة إلى 2.56 مليار دولار لتقديم المساعدات إلى اللاجئين بسبب الأزمة السودانية”، مشيرة إلى أن “220 ألف سوداني أصبحوا لاجئين في مصر وتشاد وجنوب السودان جراء الاقتتال”.
العرب