تمثل أعداد اللاجئين السودانيين المتوافدين على مصر تحديا اقتصاديا كبيرا لها، في ظل الأزمة الفعلية المستمرة في البلد، لذلك وجه النظام المصري بوصلته نحو المجتمع الدولي حيث كثف اتصالاته ليدفع نحو تعزيز الدعم الدولي لجهوده وتثمينها وتجنب التعامل معها على أنها أمر عادي، فالقاهرة التي تئن تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة ستحتاج بالضرورة إلى حشد الكثير من المساعدات لتخفيف حدة الأوضاع حتى معرفة ما ستؤول إليه الأوضاع في السودان الشقيق.
القاهرة – دفعت تحذيرات مصرية من صعوبة استقبال المزيد من اللاجئين السودانيين مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للتحرك بحثًا عن حشد الدعم الدولي لتقديم مساعدات مالية ولوجيستية تضمن استيعاب أعداد كبيرة للفارين من الصراع الدائر في السودان، ما يشي بوجود قلق من عدم قدرة القاهرة أو أيّ من دول الجوار على استقبال أعداد كبيرة من المتوقع فرارها حال استمرت الحرب فترة طويلة.
والتقى المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو جراندي الاثنين بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، ضمن زيارة يقوم بها إلى القاهرة استمرت ثلاثة أيام، اطلع خلالها على طبيعة توافد الآلاف من السودانيين عبر المعابر البرية على الحدود المصرية – السودانية.
ودعا جراندي القاهرة لمواصلة فتح أبوابها أمام اللاجئين الفارين من الصراع الدائر في السودان، وتحرك المانحين الدوليين لتقديم الدعم العاجل لجهود الإغاثة التي تقدمها السلطات المصرية ومنظمات المجتمع المدني ووكالات الإغاثة للأشخاص الفارين.
وعبرت زيارة المبعوث الأممي عن مخاوف أممية من اتخاذ دول جوار السودان قرارات من شأنها الحد من تدفق اللاجئين ما يقود إلى أزمات إنسانية أكبر، وهو ما يظهر من خلال زيارة معبر قسطل (جنوب مصر) والمناطق الحدودية للتعرف على طبيعة الأوضاع هناك، والتأكد إذا كان الوضع يسمح بأن تستمر مصر في استيعاب مئات الآلاف من الفارين أم أنها مرغمة على اتخاذ إجراءات تحد من توافدهم.
وأعلنت مصر قبل أيام أنها استقبلت نحو 150 ألف سوداني منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي.
وجاءت مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى القاهرة بعد أيام من زيارة سابقة قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى جينيف التقي فيها بوكيل سكرتير عام الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، والمفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر ترك، والمديرة العامة الجديدة للمنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب.
وقالت مصادر دبلوماسية مطلعة لـ”العرب” إن القاهرة وجهت رسائل تحذيرية قوية بشأن عدم قدرتها على تحمل مئات الآلاف من اللاجئين منتظر قدومهم للأراضي المصرية في غضون فترات قصيرة، وقدمت معلومات مهمة بشأن الصعوبات التي تعترضها تجاه الالتزام بمقتضيات دعم اللاجئين، وما يترتب على ذلك من اضطرارها لتضييق حركة اللاجئين إليها، وهو ما أسفر عن تحرك جهات إنسانية ودولية عديدة لطلب الدعم اللازم لتمويل المساعدات المقدمة للحكومات التي تستقبل اللاجئين.
وتخشى القاهرة أن يتعامل المجتمع الدولي مع فتح الباب أمام استقبال الملايين من المهاجرين على أنه سلوك طبيعي، ما يوجد حالة من التراخي تجاه تقديم الدعم اللازم لها لاستقبال السودانيين، وتعمل على أن تصل تحذيراتها إلى دوائر إقليمية ودولية عدة للتأكيد على حاجتها الملحة للدعم في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تمر بها.
ويرى مراقبون أن عبارات الثناء الدولي على الدور المصري في استقبال اللاجئين ورعايتهم غير كافية، وأن القاهرة تنتظر دعمًا حقيقًيا يساعدها في الوفاء بمتطلبات هؤلاء، بما لا ينعكس بشكل سلبي وكبير على أوضاعها الداخلية.
وبدأت تظهر حالات من التململ الشعبي في مناطق مصرية عديدة من توافد اللاجئين والنازحين عليها بسبب تردي الخدمات العامة المقدمة، وفي ظل ضغط شديد يواجهه المواطنون مع ارتفاع أسعار العقارات وغيرها من الخدمات الأخرى.
القاهرة تهدف إلى إرسال إشارات عاجلة مفادها أن ما يحدث في السودان ستكون له تأثيرات سلبية على كل دول الجوار
وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن لـ”العرب” إن زيارة سامح شكري إلى جنيف حملت شرحًا تفصيليا للأوضاع التي تمر بها مصر جراء الضغط عليها مع زيادة توافد الفارين من الصراع في السودان، وتخوف القاهرة ينطلق من كونها لن تستطيع توفير فرص عمل لأعداد هائلة من المهاجرين.
وأوضح أن زيارة جراندي إلى القاهرة تستهدف الاستماع لما تحتاجه القاهرة ومتابعة حركة اللاجئين لمصر على أرض الواقع، وحث المجتمع الدولي على تقديم الدعم اللازم، وأن مفوضية اللاجئين تفهمت الأوضاع التي تعاني منها مصر وتيقنت من عدم توفر بنود إضافية تكفي الأعداد الهائلة من اللاجئين.
وشدد المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على أهمية حشد الدعم لمصر التي استقبلت أكبر عدد من الوافدين من السودان، حيث دخلها نحو 160 ألف وافد من السودان، بينهم 153 ألف مواطن سوداني، وأن زيارته إلى القاهرة جاءت لتسليط الضوء على احتياجات النازحين قسرا إلى مصر بسبب الصراع في السودان.
ودعت الأمم المتحدة لتوفير 470 مليون دولار ضمن خطة الاستجابة الإقليمية للاجئين الخاصة بالسودان، ومن المقرر منح ربع تلك الأموال للقاهرة، غير أن الواقع يشير إلى صعوبة توفير هذا الدعم خلال فترة وجيزة، ما يجعل القاهرة أكثر إلحاحًا في مسألة التأكيد على حاجتها الماسة للدعم المادي في هذا التوقيت.
ولفت السفير رخا أحمد حسن في تصريح لـ”العرب” إلى أن المبالغ المقررة للدعم جزء من خطط تمويل أكبر تطمح إليها القاهرة، لكن من الصعب أن تغير مواقفها بشأن السماح بتدفق اللاجئين إليها، حال لم يتم توفيرها، وتعمل بشكل مستمر على شرح طبيعة الأوضاع لديها، مع التأكيد على أن اللاجئين لا يشكلون فقط عبئًا عليها لكن الأمر يتعلق بالدول المجاورة للسودان، وما يترتب على ذلك من نتائج سلبية.
وتهدف القاهرة إلى إرسال إشارات عاجلة مفادها أن ما يحدث في السودان ستكون له تأثيرات سلبية على كل دول الجوار، بما يسمح بتمدد المناطق الرخوة أمنيًا نتيجة حالة السيولة التي تعانيها الحدود البرية والصحارى الشاسعة.
وتلمح الحكومة المصرية من وقت إلى آخر لوجود أخطار أمنية على المنطقة إلى جانب المشكلات الاقتصادية التي هي في حاجة إلى دعم مادي، والتأكيد على أن دولا أوروبية لن تكون بمعزل عن هذه الأخطار بسبب توافد مراكب الهجرة غير الشرعية إليها.
وأكد الرئيس السيسي خلال لقائه مع جراندي على أهمية التعامل مع ظاهرة تدفقات اللاجئين وكافة أشكال النزوح عبر مقاربة شاملة تستهدف جذور الأزمات المتعلقة بتسوية النزاعات، وتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي والتنمية المستدامة والشاملة.
وتتركز جهود الأمم المتحدة على نحو أكبر تجاه توفير الخدمات المقدمة للنازحين فور دخولهم إلى الأراضي المصرية بالتعاون مع الهلال الأحمر، ودائما ما تهتم بالخدمات الطبية والعلاجية قبل تحرك الفارين إلى محافظات ومدن مصرية عديدة، وتقتصر الخدمات المستمرة فقط على 293 ألف لاجئ من 56 جنسية مختلفة من المسجلين لدى المفوضية على الأراضي المصرية، بخلاف الملايين من المهاجرين الآخرين.
العرب