أوكرانيا: «الإبادة البيئية» كبديل عن القصف النووي؟

أوكرانيا: «الإبادة البيئية» كبديل عن القصف النووي؟

في الثانية صباحا من يوم أول أمس الثلاثاء تم تفجير محطة الطاقة الهيدروليكية لسدّ كاخوفكا في منطقة واقعة تحت السيطرة الروسية، غير أن عمدة البلدة صرّح في السادسة صباحا إنه ليس هناك تفجير وأنه لا يعرف لماذا تفيض المياه، وبعدها صرّحت جهة تابعة للمخابرات الروسية أن منطقة صغيرة من السد تم تدميرها مما اضطر عمدة المنطقة لتعديل تصريحاته والقول إن ما حصل ليس تفجيرا ولكنه كان بسبب قصف أوكراني.
تفاعل ناشطون على وسائط التواصل المرتبطة بالجيش الروسي مع الأمر معتبرين أن الفيضان أضعف مواقع القوات الأوكرانية، وأن تلك القوات بدأت بإخلاء عناصرها والانسحاب، وأن القوات الروسية بدأت بقصف القوات المتراجعة، لكن الآلة الإعلامية الروسية بدأت بملاحظة أن ما حصل هو كارثة بيئية بمقاييس كبرى، وبدأوا بتعديل التصريحات بشكل دراماتيكي، متهمين الطرف الأوكراني بالتحريض ضد الكرملين وبأن السد سقط لوحده، وبعد ذلك توحدت الآراء الروسية خلف فكرة أن ما حصل هو تخريب أوكراني لسد أوكراني مع اتفاق أغلب الآراء، بما فيها تصريحات مسؤولين روس، بأن ذلك سيكون في غير صالح القوات الأوكرانية.
وصف الرئيس فولوديمير زيلينسكي ما حصل بـ«جريمة الحرب» ورجّح وزير خارجيته أنه «سيتسبب في أكبر كارثة تقنية في أوروبا منذ عقود ويعرض حياة آلاف المدنيين للخطر» ورد عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واصفا ما حصل بـ«عمل همجي» ارتكبته كييف.
على المستوى الإنساني، فقد أثر تخريب السدّ على قرابة 40 ألف شخص يسكنون في المناطق القريبة منه، وأدى ذلك إلى إجلاء آلاف المدنيين من تلك المناطق، سواء منها الواقعة تحت السيطرة الروسية أو الأوكرانية، فعلى الجانب الروسي قالت السلطات إنها أجلت 1272 شخصا، فيما قامت أوكرانيا بإجلاء 1700 وستضطر لإجلاء أكثر من 17 ألفا آخرين، كما غادر عدد غير معروف من المدنيين المناطق المغمورة بمفردهم.
يقع السدّ على نهر دنيبرو، وهو الحاجز الجغرافي الكبير الذي يفصل بين القوات الأوكرانية والروسية، وقد أدى تخريب السدّ، وأثر الفيضان على البنى التحتية، وغمرها المناطق، على الجانبين، بالماء، إلى صعوبات تقنية كبيرة تعترض خطط الهجوم الأوكراني المضاد الذي كان متوقعا، لكنّه أثّر أيضا على المواقع التي يحتلها الجيش الروسي والموالون له في المناطق المتضررة من الطرف الآخر من النهر، ودفعها إلى إخلاء مواقعها، كما أن التفجير أثّر على قناة توفّر المياه لشبه جزيرة القرم التي يسيطر عليها الروس، كما أن مياه النهر توفّر المياه لتبريد محطة زاباروجيا النووية التي تسيطر عليها القوات الروسية، وهو ما يعني أن التخريب أثّر على قدرات الطرفين في الهجوم والدفاع، كما أنه خلق مخاطر كبيرة على سكان وقوات شبه جزيرة القرم، وعلى المحطة النووية.
في الحسابات الدبلوماسية، فإن هذه الواقعة ستؤدي إلى مزيد من العزلة الدولية لموسكو، وهو ما يفسّر أن الاتصال الأول الذي قام به بوتين بعد الواقعة كان مع الرئيس التركي المنتخب حديثا، رجب طيب اردوغان، في محاولة لإظهار نوع من التضامن الإقليمي مع رواية روسيا للحادثة، من خارج دائرة الموالين المقربين للكرملين، مثل بيلاروسيا أو سوريا.
تحضر في الواقعة عناصر الدمار الفظيعة التي تكتنف الحروب، من تجاهل معاناة المدنيين، إلى تخريب البنى التحتية الخطيرة الأثر، كما أنها تشير، بشكل أو آخر، إلى أخطار انفلات الطاقة النووية التي هدّدت روسيا، أكثر من مرة، باستخدامها، أو بتأمين حيازتها، كسلاح رادع، لمن يلتحق بركبها من الدول.
أحد مؤرخي الثقافة والتاريخ الروسي اعتبر ما حصل إشارة إلى أن لدى روسيا الكثير من الطرق لتدمير أوكرانيا والأوكرانيين من دون استخدام الأسلحة النووية، لكن ربما تكون الخلاصة أن ما جرى هو طور جديد من الحرب الأوكرانية، وأنه لا يلغي، بالضرورة، الاحتمالات «القيامية» لاستخدام أشكال أخرى من التدمير الشامل لم يتم وضعها في الخدمة بعد.

القدس العربي