لم يكن هناك ما يكفي من أشجار النخيل، فكر الجنرال السوفياتي في قرارة نفسه. كان ذلك في يوليو (تموز) 1962، وآنذاك وجد إيغور ستاتسينكو، قائد فرقة الصواريخ في الجيش الأحمر البالغ من العمر 43 سنة والأوكراني الأصل، نفسه على متن طائرة هليكوبتر، تحلق فوق وسط كوبا وغربها. وشاهد من الأعلى مناظر طبيعية وعرة، تتخللها بعض الطرق والغابات الصغيرة. قبل سبعة أسابيع، كان رئيسه، قائد قوات الصواريخ الاستراتيجية السوفياتية سيرغي بيريوزوف، قد سافر إلى كوبا متظاهراً بأنه خبير زراعي. والتقى بيريوزوف هناك رئيس الوزراء، فيدل كاسترو، وأطلعه على اقتراح استثنائي من زعيم الاتحاد السوفياتي، نيكيتا خروتشوف، بنشر صواريخ نووية باليستية على الأراضي الكوبية، ثم عاد بيريوزوف، الذي كان يعرف معلومات قليلة عن الصواريخ من تدريب سابق على سلاح المدفعية، إلى الاتحاد السوفياتي ليخبر خروتشوف أن الصواريخ يمكن إخفاؤها بأمان تحت أوراق أشجار النخيل الوفيرة في الجزيرة.
لكن حينما أجرى ستاتسينكو، وهو رجل محترف يتسم بالجدية والمنطق، مسحاً للمواقع الكوبية من الجو، أدرك أن الفكرة كانت مجرد كلام فارغ. فعرض ستاتسينكو والضباط العسكريون السوفيات الآخرون في فريق الاستطلاع تلك المشكلة على الفور على رؤسائهم. وأشاروا إلى أنه في المناطق التي كان من المفترض أن تتمركز فيها قواعد الصواريخ، كانت أشجار النخيل تبعد عن بعضها بعضاً مسافة 40 إلى 50 قدماً ولا تغطي سوى نسبة واحد على ستة عشر من الأرض. وبالتالي، لن تكون هناك طريقة لإخفاء الأسلحة عن القوة العظمى القابعة على بعد 90 ميلاً إلى الشمال [أي الولايات المتحدة].
لكن يبدو أن هذه الأنباء لم تصل إلى خروتشوف، الذي مضى قدماً في مخططه معتقداً أن العملية ستبقى سرية حتى يتم نصب الصواريخ في مكانها. وقد كان ذلك وهماً مشؤوماً. في أكتوبر (تشرين الأول)، رصدت طائرة استطلاع أميركية على ارتفاعات عالية من طراز “يو-2” U-2 مواقع الإطلاق، وبدأ ما أصبح يعرف لا حقاً باسم “أزمة الصواريخ الكوبية”. على مدى أسبوع، بقيت المناقشات قائمة سراً بين رئيس الولايات المتحدة جون كينيدي ومستشاريه حول كيفية الرد. في النهاية، اختار كينيدي عدم شن هجوم استباقي لتدمير المواقع السوفياتية وأعلن عوضاً عن ذلك حصاراً بحرياً على كوبا، مانحاً موسكو فرصة للتراجع. وطوال فترة 13 يوماً عم خلالها الرعب، وقف العالم على شفا حرب نووية، إذ إن كينيدي وخروتشوف واجها بعضهما “وجهاً لوجه وعيناً بعين”، وفق الكلمات الخالدة التي وردت على لسان وزير الخارجية دين راسك. وانتهت الأزمة عندما استسلم خروتشوف وسحب الصواريخ من كوبا مقابل وعد كينيدي العلني بعدم غزو الجزيرة واتفاق سري اقتضى سحب الصواريخ الأميركية التي تحمل رؤوساً نووية من تركيا.
لقد سلطت الوثائق ضوءاً جديداً على أكثر أزمات الحرب الباردة إثارة للقشعريرة، متحدية كثيراً من الافتراضات حول الدافع الذي كان وراء العملية السوفياتية الضخمة في كوبا ولماذا فشلت فشلاً ذريعاً. في وقت تتصاعد فيه التوترات مع زعيم متهور آخر في الكرملين، توجه قصة الأزمة رسالة تقشعر لها الأبدان حول أخطار سياسة حافة الهاوية، وتوضح أيضاً كيف أن الصدفة البحتة، لا الاستراتيجيات المدروسة، هي التي تحدد غالباً ما إذا كانت ستحصل كارثة أم سيعم سلام.
وتظهر الأدلة أن فكرة خروتشوف بأن يرسلوا صواريخ إلى كوبا كانت مجازفة غير مدروسة على الإطلاق، اعتمد نجاحها على الحظ الطيب، على رغم أنه كان من المستبعد أن يحالفهم الحظ في وضع مماثل. وبعيداً من كونها حركة شطرنج جريئة مدفوعة بسياسة واقعية عديمة الرحمة، نفذت العملية السوفياتية نتيجة استياء خروتشوف من نفوذ الولايات المتحدة في أوروبا وخوفه من أن يوجه كينيدي أوامر بغزو كوبا، وإطاحة كاسترو وإذلال موسكو بسبب فعلته تلك. وبعيداً من كونها عرضاً مدهشاً للقوة والمكر السوفياتيين، فقد عانت العملية نقصاً عميقاً في فهم الظروف على الأرض في كوبا. وكان الفشل الذريع الذي واجهته خطة شجرة النخيل مجرد حماقة واحدة من بين حماقات كثيرة ارتكبها السوفيات طوال صيف وخريف عام 1962.
قال خروتشوف: “كانت عمليتنا برمتها ترمي إلى ردع الولايات المتحدة”.
وتحظى هذه المكاشفات بوقع خاص في الوقت الذي ينخرط فيه مرة أخرى زعيم في الكرملين في مجازفة خارجية محفوفة بالأخطار، مواجهاً الغرب فيما يختبئ شبح الحرب النووية في الظلال متربصاً. الآن، كما كان الحال آنذاك، فإن محرك عملية صنع القرار في روسيا هو الغطرسة والشعور بالإذلال. واليوم، كما في الماضي، يلتزم الضباط العسكريون في موسكو الصمت في شأن الفجوة الهائلة بين العملية التي تصورها القائد في ذهنه وواقع تنفيذها على الأرض.
في جلسة أسئلة وأجوبة عقدها في أكتوبر، سئل بوتين عن أوجه التشابه بين الأزمة الحالية وتلك التي واجهتها موسكو قبل 60 عاماً. فكانت إجابته غامضة. قال “لا أستطيع أن أتخيل نفسي في موقف خروتشوف. مستحيل”. لكن إذا لم يستطع بوتين رؤية أوجه التشابه بين مأزق خروتشوف والمأزق الذي يواجهه الآن، فهو بحق مجرد هاو مبتدئ في مجال التاريخ. ويبدو أن روسيا لم تتعلم بعد الدرس المستفاد من أزمة الصواريخ الكوبية: إن نزوات الحاكم الأوتوقراطي يمكن أن تقود بلاده إلى طريق مسدود جيوسياسياً، والعالم إلى حافة الكارثة.
في عام 1962، غير خروتشوف النهج المتبع ووجد مخرجاً. واليوم، ينتظر من بوتين أن يحذو حذوه.
اقتراح متواضع
في 22 أكتوبر 1962، بعد أن علم من السفارة السوفياتية في واشنطن أن كينيدي كان على وشك مخاطبة الشعب الأميركي، قال خروتشوف لكبار قادته السياسيين والعسكريين: “كان الهدف من عمليتنا برمتها ردع الولايات المتحدة حتى لا تهاجم كوبا”. في الواقع، كانت كلمات خروتشوف محفوظة في محاضر الاجتماع التفصيلية، التي رفعت عنها السرية أخيراً في أرشيف الحزب الشيوعي السوفياتي. وكانت الولايات المتحدة تمتلك صواريخ نووية في تركيا وإيطاليا. إذاً لماذا لم يستطع الاتحاد السوفياتي أن ينشر صواريخ له في كوبا؟ وتابع خروتشوف: “في زمنها، فعلت الولايات المتحدة الشيء نفسه، وطوقت بلادنا آنذاك بقواعد صاروخية. وهذا شكل رادعاً بالنسبة إلينا”. لذا، توقع خروتشوف أن تتحمل الولايات المتحدة ببساطة الردع السوفياتي، تماماً مثلما تحمل هوالردع الأميركي.
كانت فكرة إرسال صواريخ إلى كوبا قد خطرت على بال خروتشوف قبل ذلك بأشهر، في مايو، عندما خلص إلى أن عملية “غزو خليج الخنازير” الفاشلة التي شنتها وكالة الاستخبارات المركزية في أبريل (نيسان) 1961 كانت مجرد تجربة. واعترف بأن استيلاء أميركا على كوبا سيوجه ضربة خطرة لصدقية الزعيم السوفياتي ويعرضه لاتهامات بعدم الكفاءة في موسكو، ولكن كما يوضح محضر اجتماع 22 أكتوبر، كانت هناك عوامل أخرى وراء قرار خروتشوف غير مخاوفه في شأن كوبا. في الحقيقة، استاء خروتشوف بشدة مما اعتبره عدم مساواة في المعاملة من جانب الولايات المتحدة. وخلافاً للأخبار التي تم تناقلها، كان قلقاً أيضاً في شأن الصين، إذ خشي أن تستغل هزيمته في كوبا لتتحدى مطالبته بتولي قيادة الحركة الشيوعية العالمية.
عهد خروتشوف بتنفيذ فكرته الجريئة إلى ثلاثة من كبار القادة العسكريين، بيريوزوف، وروديون مالينوفسكي (وزير الدفاع)، وماتفي زاخاروف (رئيس الأركان العامة)، وخططت مجموعة من الضباط في هيئة الأركان العامة للعملية بأكملها في سرية تامة. إحدى الوثائق الرئيسة التي نشرت حديثاً هي اقتراح رسمي للعملية أعده الجيش ووقعه مالينوفسكي وزاخاروف. يعود تاريخه إلى 24 مايو 1962، أي بعد ثلاثة أيام فحسب من فكرة نصب الصواريخ في كوبا التي طرحها خروتشوف أمام مجلس الدفاع، الهيئة العسكرية السياسية العليا التي يرأسها.
ووفقاً للاقتراح، كان على الجيش السوفياتي أن يرسل إلى كوبا فرقة الصواريخ 51، المكونة من خمسة أفواج: كان جميع ضباط وجنود المجموعة، الذين يبلغ عددهم نحو ثمانية آلاف رجل، سيغادرون قاعدتهم في غرب أوكرانيا ويتمركزون بشكل دائم في كوبا، حاملين معهم 60 صاروخاً باليستياً: 36 صاروخاً متوسط المدى من طراز “آر-12” R-12 و24 صاروخاً متوسط المدى من طراز “آر-14” R-14. كانت صواريخ R-14 تمثل تحدياً خاصاً، إذ بلغ طولها 80 قدماً ووزنها 86 طناً مترياً، مما تطلب مجموعة من المهندسين وفنيي البناء، إضافة إلى عشرات الحافلات والرافعات والجرافات والحفارات وخلاطات الأسمنت لتثبيتها على منصات الإطلاق في كوبا. وكان سينضم إلى قوات فرقة الصواريخ عدد من الجنود والمعدات الأخرى في كوبا: فرقتان مضادتان للطائرات، وفوج قاذفات قنابل من طراز “إيل-28” Il-28، وسرب واحد تابع لسلاح الجو مؤلف من مقاتلات ميغ MiG، وثلاثة أفواج تتضمن طائرات هليكوبتر وصواريخ كروز، وأربعة أفواج مشاة مزودين بدبابات، إضافة إلى قوات الدعم واللوجيستيات. ملأت قائمة تلك الوحدات خمس صفحات من الاقتراح في 24 مايو: 44 ألف رجل يرتدون الزي العسكري، إضافة إلى 1800 رجل متخصص في البناء والهندسة.
لم يسبق للجنرالات السوفيات أن نشروا فرقة صاروخية كاملة وهذا العدد الكبير من القوات عن طريق البحر، وفي ذلك الوقت كان يتعين عليهم إرسالهم إلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية. برباطة جأش، أطلق المخططون العسكريون على العملية الاسم الرمزي “أنادير”، على اسم النهر في القطب الشمالي، الذي يصب في أحد خلجان بحر بيرينغ قبالة ألاسكا، وهو توجيه جغرافي خاطئ يهدف إلى إرباك الاستخبارات الأميركية.
في أعلى وثيقة الاقتراح، كتب خروتشوف كلمة “موافق” ووقع اسمه. وفي أسفل اسمه بقليل ظهرت تواقيع 15 من القادة الكبار الآخرين. أراد خروتشوف الحرص على ألا يتمكن أي من الأعضاء الآخرين في القيادة من التملص من المسؤولية في حال فشلت العملية. لقد نجح في إجبار زملائه على التوقيع على مخططه الشجاع. وبعد 60 عاماً، تكرر مشهد مشابه للغاية، عندما أجبر بوتين أعضاء مجلس الأمن في روسيا، واحداً تلو الآخر، على التحدث بصوت عال وتأييد “عمليته العسكرية الخاصة” في اجتماع متلفز، قبل أيام من غزو أوكرانيا.
في 29 مايو 1962، وصل بيريوزوف إلى كوبا مع وفد سوفياتي وتظاهر بأنه مهندس زراعي اسمه بيتروف. عندما نقل اقتراح خروتشوف إلى كاسترو، توهجت عينا الزعيم الكوبي حماسة. قبل كاسترو الحصول على الصواريخ السوفياتية كخدمة للمعسكر الاشتراكي بأكمله، ومساهمة كوبية في النضال ضد الإمبريالية الأميركية. في خلال تلك الرحلة بالتحديد، توصل بيريوزوف أيضاً إلى استنتاجه المصيري بأن أشجار النخيل يمكن أن تشكل تمويهاً للصواريخ.
في يونيو (حزيران)، عندما اجتمع خروتشوف بالجيش مرة أخرى، كان أليكسي ديمنتييف، وهو مستشار عسكري سوفياتي في كوبا تم استدعاؤه إلى موسكو، الصوت الوحيد الداعي إلى الحيطة والحذر. عندما بدأ يقول إنه كان من المستحيل إخفاء الصواريخ عن طائرات “يو 2” الأميركية، ركل مالينوفسكي مرؤوسه من تحت الطاولة لإجباره على الصمت. فالقرار بتنفيذ العملية كان قد اتخذ بالفعل، وقد فات الأوان للاعتراض عليه، ناهيك بفعل ذلك مباشرة أمام خروتشوف. في تلك المرحلة، لم يكن من الممكن إيقاف عملية أنادير. في أواخر يونيو، أرسل كاسترو شقيقه راؤول، وزير الدفاع، إلى موسكو من أجل مناقشة اتفاقية دفاع مشترك من شأنها إضفاء الشرعية على الانتشار العسكري السوفياتي في كوبا. في لقائه مع راؤول، كان حديث خروتشوف مليئاً بالكلام الطنان والمنمق، حتى إنه وعد بإرسال أسطول عسكري إلى كوبا من أجل إظهار العزم السوفياتي في جوار الولايات المتحدة. تفاخر بأن كينيدي لن يفعل شيئاً، ولكن خلف التبجح والثرثرة المعتادة كان هناك خوف كامن. أراد خروتشوف إبقاء عملية أنادير سرية لأطول فترة ممكنة، لئلا تتدخل الولايات المتحدة وتقضي على خططه الطموحة. لذا، لم تنشر الاتفاقية العسكرية السوفياتية الكوبية قط.
كذلك، أراد كبار القادة السوفيات إخفاء الهدف الحقيقي وراء عملية أنادير، حتى عن قسم كبير من بقية الجيش السوفياتي. أشارت الوثائق الرسمية، التي تشكل جزءاً من مجموعة مستندات قيمة رفعت عنها السرية أخيراً، إلى العملية على أنها “تدريب”. وهكذا، فإن أكبر مجازفة في التاريخ النووي قدمت لبقية العسكريين على أنها تدريب روتيني. وفي تشابه صارخ، وصفت مغامرة بوتين السيئة في أوكرانيا بأنها “تمرين”، وبقي الأمر مخفياً عن القادة على مستوى الوحدات حتى اللحظة الأخيرة.
كان على فريق الاستطلاع أن يتلقى دروساً مكثفة للمبتدئين في اللغة الإسبانية.
بدأت عملية أنادير بشكل جدي في يوليو. في السابع من يوليو، أبلغ مالينوفسكي خروتشوف أن جميع الصواريخ والعناصر جاهزون للتوجه إلى كوبا. وأطلق على الحملة اسم “مجموعة القوات السوفياتية في كوبا”، وكان قائدها هو عيسى بلييف، جنرالاً مخضرماً في سلاح الفرسان يبلغ من العمر 59 سنة، وهو من قدامى المحاربين في كل من الحرب الأهلية الروسية والحرب العالمية الثانية. في اليوم ذاته، اجتمع به خروتشوف، وستاتسينكو، و60 من الجنرالات وكبار الضباط وقادة الوحدات فيما كانوا يستعدون للمغادرة. كانت مهمتهم هي السفر إلى كوبا للاستطلاع من أجل إعداد كل شيء لوصول الأسطول الذي يحمل الصواريخ والقوات في الأشهر التالية. في 12 يوليو، وصلت المجموعة إلى كوبا على متن طائرة ركاب تابعة لخطوط إيروفلوت. وبعد أسبوع، وصل 100 ضابط إضافي في رحلتين أخريين.
وكانت تلك الرحلة المتسرعة مليئة بالحوادث والمشكلات. في الواقع، أفشلت بقية الجهات الرسمية السوفياتية الرواية التي استعملت كغطاء لمجموعة الاستطلاع: في الصحف، كان يطلق على ركاب طائرات إيروفلوت “متخصصون في الطيران المدني”، على رغم أنهم وصفوا في كوبا بأنهم “متخصصون في الزراعة”. عندما هبطت إحدى الرحلات في هافانا، لم يستقبل الركاب أي أحد، لذلك تجول الضباط في أرجاء المطار لمدة ثلاث ساعات قبل أن يتم نقلهم في النهاية بعيداً. كذلك، واجهت رحلة أخرى عواصف مما اضطرها إلى تحويل مسارها إلى ناسو، في جزر الباهاما، حيث التقط السياح الأميركيون الفضوليون صوراً للطائرة السوفياتية وركابها.
وصل ستاتسينكو في 12 يوليو. من 21 إلى 25 يوليو، جاب برفقة ضباط سوفيات آخرين في أنحاء الجزيرة، مرتدين زي الجيش الكوبي ويرافقهم حراس كاسترو الشخصيون. وفتشوا المواقع التي تم اختيارها لنشر أفواج الصواريخ الخمسة، كلها في غرب ووسط كوبا تماشياً مع تقرير بيريوزوف المتفائل. لم يكن ستاتسينكو منزعجاً من ندرة أشجار النخيل فحسب، بل اشتكى لاحقاً في تقرير، وثيقة أخرى تم نشرها أخيراً، بأن الفريق السوفياتي كان يفتقر حتى إلى أبسط المعلومات حول الأوضاع في كوبا. لم يزودهم أحد بموجزات وتقارير عن الجغرافيا والمناخ والظروف الاقتصادية في تلك الجزيرة الاستوائية. ولم يكن في حوزتهم أي خرائط حتى، إذ كان من المقرر أن تصل إليهم الخرائط في وقت لاحق عن طريق السفن. ولقد تسببت الحرارة والرطوبة بضرر شديد للفريق. وكان كاسترو قد أرسل عدداً قليلاً من ضباط فريقه للمساعدة في عمليات التفتيش، لكن لم يكن هناك مترجمون فوريون، لذلك كان على فريق الاستطلاع أن يتلقى دورة مكثفة للمبتدئين في اللغة الإسبانية. وتلك المعرفة الضئيلة باللغة التي اكتسبها الضباط في غضون أيام قليلة لم تحدث أي فرق.
على اليسار: وثيقة اقتراح 24 مايو لإرسال صواريخ نووية إلى كوبا، تحمل في الأعلى توقيع خروتشوف، تليه تواقيع 15 من كبار القادة الآخرين، على اليمين: تعليمات الجيش السوفياتي حول طريقة إخفاء المعدات على متن السفن المتجهة إلى كوبا
وبما أن المواقع الأولية المختارة لنصب الصواريخ كانت مكشوفة بشكل ميؤوس منه، وجه بلييف، الرجل المسؤول، أوامر لفرق الاستطلاع بالعثور على مواقع أفضل، في المناطق النائية التي تغطيها التلال والغابات (وفقاً لتعليمات كاسترو، كان عليهم أيضاً العثور على مواقع لا تتطلب مغادرة أعداد كبيرة من الفلاحين). مرتين، سأل بلييف هيئة الأركان العامة في موسكو عما إذا كان بإمكانه نقل بعض مواقع الصواريخ إلى مناطق أكثر ملاءمة. وفي المرتين، رفضت موسكو المبادرة. كذلك، لم توافق على نقل الصواريخ إلى بعض المناطق الجديدة لأنها “كانت تقع ضمن منطقة الرحلات الجوية الدولية”، وهو إجراء احترازي منطقي لتجنب احتمال أن تسقط صواريخ أرض-جو السوفياتية طائرة مدنية عن طريق الخطأ. في المقابل، تم رفض مواقع أخرى لأنها “لا تتوافق مع توجيهات هيئة الأركان العامة”، بعبارة أخرى، لم يرغب المخططون في موسكو في تغيير ما سبق أن وافق عليه رؤساؤهم. في نهاية المطاف، نشرت الصواريخ في مناطق مكشوفة.
بصرف النظر عن الصعوبات غير المتوقعة في اختيار موقع مناسب للصواريخ، واجه السوفيات مفاجآت أخرى في كوبا. كان بلييف وجنرالات آخرون قد خططوا لحفر ملاجئ تحت الأرض تأوي القوات، بيد أن التربة الكوبية كانت صخرية للغاية. في الوقت نفسه كانت المعدات الكهربائية السوفياتية غير متوافقة مع إمدادات الكهرباء الكوبية، التي كانت تعمل وفقاً للمعيار المعتمد في أميركا الشمالية البالغ 120 فولت و60 هرتز. ولقد نسي المخططون السوفيات أيضاً التفكير في حالة الطقس: يمتد موسم الأعاصير في كوبا من يونيو إلى نوفمبر (تشرين الثاني)، أي تحديداً في الوقت الذي كان ينبغي فيه نشر الصواريخ والقوات، وأعاقت الأمطار المتواصلة عملية النقل والبناء. وسرعان ما صدئت الإلكترونيات والمحركات السوفياتية، المصممة للمناخات الباردة والمعتدلة في أوروبا، بسبب الرطوبة الشديدة. والجدير بالذكر أن هيئة الأركان لم ترسل تعليمات لتشغيل الأسلحة وصيانتها في الظروف الاستوائية إلا بحلول سبتمبر (أيلول)، أي بعد وقت طويل من بدء العملية.
بعد شهرين من انتهاء الأزمة، في مذكرته التي أظهرت درجة انزعاجه الكبيرة، قال ستاتسينكو لرؤسائه: “كان ينبغي معرفة كل هذه الأمور قبل بدء أعمال الاستطلاع”. وانتقد المخططين لأنهم لا يعرفون سوى القليل عن كوبا. “قبل العملية برمتها كان يتعين على أولئك الذين من المفترض أن ينفذوا المهمة أن يجروا في الأقل حداً أدنى من الدراسة ويكونوا ما يكفي من المعرفة حول القدرات الاقتصادية التي تتمتع بها الدولة، والظروف الجغرافية المحلية، والوضع العسكري والسياسي في البلاد”. لم يجرؤ على ذكر بيريوزوف بالاسم، ولكن على أي حال، كان من الواضح بالنسبة إلى الجميع أن المذنب الحقيقي هو خروتشوف، الذي لم يمنح جيشه أي وقت للاستعداد.
حمولة ثمينة
على رغم كل الصعوبات، اعتبرت عملية أنادير إنجازاً لوجيستياً كبيراً. كان حجم الشحنات المرسلة هائلاً، وفق ما توضحه الوثائق التي رفعت عنها السرية حديثاً. استعملت مئات القطارات في نقل القوات والصواريخ إلى ثمانية موانئ ومنافذ سوفياتية مخصصة للرحلات المغادرة، من بينها سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم، وبالتييسك في كالينينغراد، وليبايا في لاتفيا. واستخدمت نيكولايف على البحر الأسود، التي أصبح اسمها اليوم مدينة ميكولايف الأوكرانية، كمحور رئيس لشحن الصواريخ وذلك بسبب منشآتها المينائية العملاقة وخطوط السكك الحديدية الضخمة. نظراً إلى أن رافعات الميناء كانت صغيرة جداً، الأمر الذي يمنعها من تحميل الصواريخ الأكبر حجماً، تم إحضار رافعة عائمة تزن 100 طن للقيام بهذه المهمة. جرى التحميل ليلاً وكان يستغرق عادة يومين أو ثلاثة أيام لكل صاروخ. كانت هذه المرة الأولى التي تنفذ فيها أمور من هذا النوع، لذا كان على المهندسين السوفيات أن يجدوا حلولاً سريعة لمشكلات لا حصر لها. وجدوا طريقة لربط الصواريخ داخل السفن التي تستخدم عادة لنقل الحبوب أو الأسمنت وتخزين وقود الصواريخ السائل بأمان داخل المخزن. واستعانوا بـ256 عربة سكك حديدية من أجل تسليم 3810 أطنان مترية من الذخائر. ونقلت ثمانية آلاف شاحنة وسيارة و500 مقطورة و100 جرار، إضافة إلى 31 ألف طن متري من الوقود للسيارات والطائرات والسفن، وبالطبع الصواريخ. وأرسل الجيش 24 ألفاً و500 طن متري من الطعام. في الواقع، كان السوفيات قد خططوا للبقاء في كوبا لفترة طويلة.
من يوليو إلى أكتوبر، عمل الأسطول المكون من 85 سفينة على نقل الرجال والإمدادات من البحر الأسود، عابراً البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي. كان بإمكان أطقم السفن أن يلاحظوا أن سفنهم لم تمر من دون أن يراها أحد. بحسب ما كشفته تقارير النقباء والضباط العسكريين وضباط الاستخبارات السوفياتية (KGB) التي رفعت عنها السرية، حلقت طائرات، بعضها من دول الناتو والبعض الآخر غير معروف المصدر، فوق السفن أكثر من 50 مرة. ووفقاً لتقرير سوفياتي تم نشره، تحطمت إحدى الطائرات في البحر. كذلك، لاحقت البحرية الأميركية بعض السفن، وكانت كل سفينة سوفياتية مسلحة بمدفعين رشاشين ثقيلين بماسورة مزدوجة. وسمحت التعليمات السرية من موسكو للقوات الموجودة على متن السفينة بإطلاق النار إذا كان المهاجمون على وشك الصعود على متن السفينة، وفي حال كاد المهاجمون يستولون عليها، كان على القوات السوفياتية نقل جميع الرجال إلى عوامات، وتدمير جميع الوثائق، وإغراق السفينة بحمولتها، لكن حالة الطوارئ المحتملة كانت مجرد واحدة من مخاوف كثيرة. سافر بعض الجنود على متن سفينة ركاب، في أوضاع مريحة نسبياً، لكن معظمهم أبحر على متن سفن تجارية عينها السوفيات من أجل القيام بالعملية. خاض أولئك الجنود معاناة، إذ جمعوا في عنابر شحن ضيقة يتشاركونها مع المعدات والأجزاء المعدنية والأخشاب. في كثير من الأحيان، أصيبوا بالمرض، وتوفي بعض الرجال في طريقهم إلى كوبا ودفنوا في البحر.
كلف 300 جندي كوبي وحتى بعض “الصيادين الذين خاضوا اختباراً واختيروا خصيصاً للمهمة” بحماية الموانئ التي ستنقل الصواريخ إليها. طوق جيش كوبا وشرطتها الطرق لا بل فبركوا حوادث سير وهمية على طول الطريق من الميناء إلى مواقع الصواريخ من أجل إبعاد السكان المحليين. وكان من المستحيل إخفاء بقعة في غرب هافانا من المفترض أن تستخدم كموقع لإطلاق صواريخ R-14، لذلك قيل للشعب الكوبي إنها “موقع بناء لمركز تدريب عسكري كوبي”.
قلة قليلة من الكوبيين كانت على علم بهذه الصواريخ. في الواقع، لم يحصل على معلومات واضحة وكاملة عن هذه العملية سوى 14 مسؤولاً كوبياً: فيدل، وراؤول، والثوري الأرجنتيني تشي غيفارا (أحد كبار مستشاري فيدل آنذاك)، وبيدرو لويس رودريغيز (رئيس الاستخبارات العسكرية الكوبية)، و10 آخرين من كبار الضباط العسكريين.
كان نحو 42 ألف عسكري سوفياتي قد وصلوا إلى الأراضي الكوبية حينئذ. صب أولئك التابعون لفرقة الصواريخ بقيادة ستاتسينكو تركيزهم على بناء منصات إطلاق لصواريخ R-12. في المقابل، كان آخرون يهتمون بالقاذفات وصواريخ الأرض-جو والطائرات المقاتلة وغيرها من الأسلحة التي أرسلتها موسكو إلى الجزيرة، ولكن مرة أخرى، أبطأت الأحوال المناخية الاستوائية من تقدمهم. فتعرضت الأفواج القادمة للأمطار والرطوبة والبعوض. ونام الجنود في خيام مبللة. وتجاوزت درجات الحرارة 100 فهرنهايت. كذلك، ظل التمويه مشكلة غير قابلة للحل: بين أشجار النخيل القليلة المتفرقة، كان من المستحيل إخفاء الخيام، أو الصواريخ. وكشفت الوثائق الجديدة عن أن القادة غطوا المعدات بشباك للتمويه، بيد أن لون الشباك كان شبيهاً بلون أوراق الشجر الخضراء في روسيا وبرز بحدة في المناظر الطبيعية الكوبية التي سفعت الشمس خضرتها.
في صباح ذلك اليوم، مرت فوق بعض مواقع البناء طائرة تجسس أميركية من طراز U-2، محلقة على ارتفاع 72 ألفاً و500 قدم ومجهزة بكاميرا ذات تنسيق كبير [أي إن صورتها تغطي إطاراً كبيراً]. بعد يومين، كانت الصور على مكتب كينيدي.
وإذا ما التفتنا إلى الأمس واستعدنا أحداث الماضي، سنجد من اللافت للنظر أن الأميركيين استغرقوا وقتاً طويلاً لاكتشاف الصواريخ، نظراً إلى مقدار الأخطاء السوفياتية المرتكبة في كوبا. وقد لعب الحظ في ذلك دوراً كبيراً. فالعواصف التي أعاقت القوات السوفياتية أمنت لها في الوقت نفسه حماية من التجسس الأميركي لأن الغطاء السحابي الكثيف منع التصوير من الجو. وفي الحقيقة، ارتكبت وكالة الاستخبارات المركزية خطأً فادحاً من تلقاء نفسها. على رغم أنها اكتشفت وصول أسلحة سوفياتية مضادة للطائرات في أواخر أغسطس (آب)، فإنها فشلت في التوصل إلى استنتاج واضح حول الشيء الذي كانت القوات السوفياتية حريصة جداً على حمايته، وخلصت عوضاً عن ذلك إلى أن الأسلحة لم تكن سوى للدفاع التقليدي عن كوبا، على رغم الشكوك التي راودت مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون ماكون.
لأيام عدة، أجرى كينيدي مناقشات مع كبار مستشاريه في كيفية الرد على ما اعتبره فعلاً استفزازاً صارخاً. وفضل كثيرون في المجموعة، المعروفة باسم EXCOMM”اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي” (Executive Committee Of NSC)، هجوماً شاملاً على كوبا للقضاء على القواعد السوفياتية. اختار كينيدي عوضاً عن ذلك رداً أكثر حذراً: حصار بحري، أو عزل لكوبا. كان حذره مبرراً، إذ ما كان يمكن لأحد أن يضمن القضاء على جميع الصواريخ.
وقد كان هذا الحذر ناجماً جزئياً عن مصدر آخر من عوامل عدم اليقين: وهو ما إذا كان أي من الصواريخ جاهزاً. في الواقع، كما تكشف الوثائق التي رفعت عنها السرية حديثاً، لم يكن الموقع الأول جاهزاً للتشغيل إلا بتاريخ 20 أكتوبر، وهو موقع نصبت فيه ثماني قاذفات R-12. بحلول 25 أكتوبر، تم تجهيز موقعين آخرين، على رغم مواجهة ظروف غير مثالية من جديد: كان على الصواريخ أن تتشارك في استعمال معدات التزويد بالوقود، واضطر السوفيات إلى استخدام أفراد من الأفواج التي عينت في الأصل لتشغيل صواريخ R-14. بحلول ليلة 27 أكتوبر، جميع قاذفات R-12 البالغ عددها 24، ثماني قاذفات لكل فوج، أصبحت جاهزة، أو بالأحرى، شبه مهيأة.
في الواقع، كانت منشأة تخزين الرؤوس الحربية النووية الخاصة بصواريخ R-12 تقع على مسافة بعيدة عن مواقع الصواريخ: على بعد 70 ميلاً من أحد الأفواج، و90 ميلاً من فوج ثان، و300 ميل من فوج ثالث. وفي حال أصدرت موسكو أمراً بإطلاق الصواريخ على أهداف أميركية، كان القادة السوفيات في كوبا سيحتاجون إلى ما بين 14 و24 ساعة لشحن الرؤوس الحربية عبر أميال من التضاريس التي غالباً ما تكون شديدة الخطورة. وإدراكاً منه أن ذلك كان وقتاً طويلاً للغاية، أمر ستاتسينكو، في 27 أكتوبر، بنقل بعض الرؤوس الحربية إلى مكان قريب من أبعد فوج، مما قلص الفترة إلى 10 ساعات. لم يعلم كينيدي شيئاً عن هذه التحديات اللوجيستية، لكن وجود هذه التحديات يشير مرة أخرى إلى الدور الذي لعبه الحظ. لو علمت “اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي” بهذه الصعوبات، لحظي الصقور [المتشددون] بحجة أقوى لصالح توجيه ضربة شاملة لكوبا، وكان ذلك ليؤدي على الأرجح إلى تعطيل الصواريخ لكنه في الوقت نفسه كان من الممكن أن يشعل حرباً مع الاتحاد السوفياتي، سواء في كوبا أو في أوروبا.
ومن الواضح الآن أن القوات السوفياتية في كوبا لم يكن لديها تفويض مسبق بإطلاق صواريخ نووية على الولايات المتحدة، وأي أمر بإطلاق الصواريخ يجب أن يأتي من موسكو. ومن المشكوك فيه أيضاً أن السوفيات في كوبا كانوا يتمتعون بصلاحية استخدام أسلحة نووية تكتيكية قصيرة المدى في حالة حدوث غزو أميركي. وشملت تلك الأسلحة صواريخ كروز ساحلية مسلحة نووياً وصواريخ قصيرة المدى تم شحنها إلى كوبا مع فرقة ستاتسينكو. خلال اجتماع طويل في الكرملين بدأ مساء يوم 22 أكتوبر واستمر حتى الساعات الأولى من يوم 23 أكتوبر، ناقش القادة السوفيات ما إذا كان الأميركيون سيغزون كوبا، وإذا حصل ذلك، ما إذا كان ينبغي على القوات السوفياتية استخدام الأسلحة النووية التكتيكية من أجل صدهم. لم يعترف خروتشوف قط بأن العملية برمتها كانت حماقة، لكنه تحدث عن أخطاء جسيمة. وكانت نتيجة هذا الاجتماع، المتزامن مع خطاب كينيدي الذي أعلن فيه الحصار البحري، توجيه أوامر لبلييف بالامتناع عن استخدام أسلحة نووية استراتيجية أو تكتيكية إلا بإذن من موسكو.
لم يكن هناك غزو أميركي، والأمر بإطلاق الصواريخ لم يصدر يوماً، ولو صدر، كان ليتم تنفيذه حرفياً بالتأكيد. وأشار تقرير ستاتسينكو إلى أنه وأولئك الذين تحت إمرته “كانوا مستعدين للتضحية بأرواحهم وتنفيذ أي أمر صادر عن الحزب الشيوعي والحكومة السوفياتية بكل شرف”. تسلط كلماته الضوء على التصور الخاطئ بأن القادة العسكريين قد يكونون بمثابة مراقبين للقادة السياسيين العازمين على بدء حرب نووية: فالمسؤولون العسكريون في كوبا لم تكن لديهم أي نية على الاعتراض على أوامر السلطات السياسية في موسكو.
فقدان العقل
على رغم أن خروتشوف احتد وغضب في اليومين الأولين بعد إعلان كينيدي الحصار البحري، متهماً الولايات المتحدة بالازدواجية و”القرصنة السافرة”، فقد غير نبرته، في 25 أكتوبر. في ذلك اليوم، أملى رسالة إلى كينيدي وعد فيها بسحب الصواريخ مقابل تعهد أميركي بعدم التدخل في كوبا. بعد يومين، أضاف إلى قائمة رغباته إزالة صواريخ جوبيتر الأميركية من تركيا، مما أربك كينيدي وأدى إلى إطالة أمد الأزمة. في النهاية، قرر كينيدي قبول العرض. وطلب من شقيقه روبرت، المدعي العام الأميركي، لقاء السفير السوفياتي في واشنطن أناتولي دوبرينين.
في مساء يوم 27 أكتوبر، قدم روبرت كينيدي تعهداً غير رسمي بإزالة صواريخ جوبيتر من تركيا، لكنه أصر على أن هذا التنازل يجب أن يظل سراً. وفي ذلك الإطار، تظهر برقيات من موسكو إلى دوبرينين نشرت حديثاً كم كانت هذه الضمانة مهمة بالنسبة إلى خروتشوف. ووجهت تعليمات للسفير توصيه على وجه التحديد بانتزاع كلمة “اتفاق” من كينيدي، وذلك على الأرجح لكي يتمكن خروتشوف من إقناع دائرة المقربين منه بأن ذلك خنوع أميركي. فمن خلال خلق الانطباع بأن كينيدي قدم تنازلات أيضاً، كانت كلمة “اتفاق” ستساعد في إعادة تصنيف الاستسلام على أنه انتصار، يتمثل في مقايضة كوبا بتركيا.
بحلول تلك المرحلة، كان خروتشوف حريصاً على التوصل إلى صفقة، إذ شعر بالخوف بسبب سلسلة من الأحداث المزعجة. في صباح يوم 27، تم إسقاط طائرة أميركية من طراز U-2 فوق كوبا بصاروخ أرض-جو وفره الاتحاد السوفياتي بأوامر من كبار الضباط السوفيات في كوبا. لطالما افترض السوفيات في كوبا أنه سيكون هناك غزو أميركي، وألقوا باللوم على الكوبيين لفشلهم في اكتشاف رحلات الاستطلاع الأميركية قبل الأزمة. بناءً على ذلك، وفق ما تكشف عنه الملفات التي رفعت عنها السرية، كان التبرير الذي أعطاه مالينوفسكي لخروتشوف هو أن إسقاط طائرة U-2 كان إجراءً ضرورياً لمنع الأميركيين من التقاط مزيد من الصور للقواعد السوفياتية. في رسالته إلى خروتشوف، لم يذكر شيئاً عن معرفته بأن إسقاط الطائرة كان من الممكن أن يمهد لحرب عالمية ثالثة. واعتمد ستاتسينكو الأسلوب نفسه، عندما أبلغ لاحقاً عن حادثة إطلاق النار بشكل مباشر وواقعي، مصوراً تلك الواقعة أيضاً على أنها رد روتيني كان الجيش السوفياتي مدرباً عليه ومخولاً القيام به.
بالنسبة إلى خروتشوف، كانت العملية الكوبية بأكملها لعبة قمار كبيرة.
في منتصف اليوم، حصلت حادثة أخرى تتعلق بطائرة أميركية من طراز U-2: أرسلت طائرة إلى القطب الشمالي لأخذ عينات من الغلاف الجوي من أجل فحص نسبة الإشعاع وحلقت عن طريق الخطأ فوق المجال الجوي السوفياتي. ورسم الجيش السوفياتي تقدم الطائرة بدقة في الخرائط المنشورة اليوم التي أظهرت أيضاً عدد الساعات التي قد تحتاج إليها الطائرات الأميركية من أجل الوصول إلى أهداف في الأراضي السوفياتية.
وكان التطور الأكثر إثارة للقلق على الإطلاق هو مناشدة أرسلها كاسترو في وقت مبكر من صباح يوم 27 أكتوبر، بتوقيت هافانا، طلب فيها من خروتشوف شن ضربة نووية استباقية ضد الولايات المتحدة إذا تجرأ الأميركيون على غزو كوبا. لطالما كان المؤرخون على دراية بهذه المناشدة، لكن بفضل الوثائق الجديدة، أصبحنا الآن نعرف معلومات إضافية عن رأي خروتشوف فيها. فوفقاً للملاحظات التي كتبتها سكرتيره ورفعت السرية عنها، استشاط غضباً في 30 أكتوبر وقال “ما هذا، هل أصيب بجنون موقت أم فقد عقله؟”.
كان خروتشوف رجلاً انفعالياً، لكن في لحظة مواجهة الخطر الأعظم، تراجع عن شفير الهاوية. وبحسب الوثائق التي نشرت حديثاً، قال لزائر هندي في 26 أكتوبر “من خلال تجربتي في الحياة، أعلم أن الحرب تشبه لعبة الورق، لكنني لم ألعب الورق يوماً ولا أفعل ذلك بشكل عام”. هذا التصريح الأخير لم يكن صادقاً تماماً: بالنسبة إلى خروتشوف، كانت العملية الكوبية بأكملها لعبة قمار كبيرة، أعتقد أنه يمكنه الفوز فيها بالخداع، لكنه في الأقل عرف متى ينسحب. في 28 أكتوبر أعلن أنه سيفكك الصواريخ.
التعلم والنسيان
منذ عام 1962، أعاد المؤرخون وعلماء السياسة وعلماء نظرية الألعاب [المناورات] مناقشة أزمة الصواريخ الكوبية إلى ما لا نهاية. ونشرت مجلدات من الوثائق ونظم عدد لا يحصى من المؤتمرات والألعاب الحربية [المناورات الحربية]. في عام 1971، صدر كتاب كلاسيكي عن الأزمة من تأليف غراهام أليسون، بعنوان “جوهر القرار” Essence of Decision، وتم تحديثه في عام 1999 بمساعدة فيليب زيليكو. وأحد استنتاجات الكتاب الأساسية، الذي تم تضمينه أيضاً في النسخة المنقحة، ثبت صحته بمرور الزمن: شكلت الأزمة “الحدث الأبرز في العصر النووي وأخطر لحظة في التاريخ المسجل”.
لكن الوثائق السوفياتية التي رفعت عنها السرية أجرت بعض التصحيحات المهمة لوجهات النظر التقليدية، مما يسلط الضوء على نقطة ضعف [كعب أخيل] لا تزال قائمة حتى يومنا هذا في عملية صنع القرار في الكرملين: خلل في آلية الإدلاء بالرأي. كان لدى القادة العسكريين السوفيات خبرة قليلة في كوبا، وخدعوا أنفسهم في شأن قدرتهم على إخفاء عمليتهم، وتجاهلوا أخطار الاستطلاع الجوي الأميركي، وتغاضوا عن تحذيرات الخبراء. لقد رسمت مجموعة صغيرة من كبار المسؤولين الذين لا يعرفون شيئاً عن كوبا، ويتصرفون في سرية تامة، خطة غير محكمة لعملية محكوم عليها بالفشل ولم يسمحوا قط لأي شخص آخر بالتشكيك في افتراضاتهم.
في الواقع، كان فشل آلية الإدلاء بالرأي هو الذي أدى إلى سبب الأزمة المباشر، المتمثل في الصواريخ السيئة التمويه. وقد خلص أليسون وزيليكو إلى أن هذا الإغفال لم يكن نتيجة عدم الكفاءة بل نتيجة تنفيذ الجيش السوفياتي الإجراءات المتبعة بلا تفكير، على رغم أنها إجراءات “مصممة لأماكن لم يكن التمويه مطلوباً فيها”. ومن هذا المنظور، فشلت القوات السوفياتية في تمويه الصواريخ بشكل كاف لأنها ببساطة لم تفعل ذلك من قبل.
يعطي الدليل الجديد إجابة مختلفة. قدر السوفيات تماماً أهمية إخفاء الصواريخ، واستندت استراتيجية خروتشوف بأكملها في الواقع إلى الافتراض الخاطئ بأنهم سيكونون قادرين على فعل ذلك بالضبط. وكان الضباط العسكريون السوفيات الموجودون في كوبا أيضاً يدركون أهمية إخفاء الصواريخ. لقد أدركوا خطر الاستطلاع الجوي الأميركي، وحاولوا معالجته من خلال اقتراح مواقع أفضل، لكنهم فشلوا. كان جوهر المشكلة هو الإهمال الأولي وعدم كفاءة بيريوزوف. وقد تم التعامل مع استنتاجه القائم على التخمين بأن الصواريخ يمكن تخبئتها تحت أشجار النخيل كحقيقة لا يرقى إليها الشك. والجدير بالذكر أن بعض الخبراء العسكريين الأدنى منه رتبة بكثير في التسلسل الهرمي لاحظوا أن الصواريخ ستكون مكشوفة لطائرات U-2 المحلقة فوقها وأبلغوا عن المشكلة على النحو الواجب في التسلسل القيادي. على رغم ذلك، فإن المخططين في هيئة الأركان العامة لم يصححوا المشكلة مطلقاً، إذ كانوا غير راغبين في إزعاج رؤسائهم أو التشكيك في فكرة العملية برمتها. إذاً، فقد فشلت عملية أنادير ليس لأن القوات الصاروخية السوفياتية كانت شديدة الالتزام بتنفيذ الإجراءات المعيارية المتبعة بل لأن المركزية المفرطة للجيش حالت دون عمل آليات الإدلاء بالرأي بشكل صحيح.
في تقاريرهم الأولى التي حللت الأزمة، وشكلت جزءاً من مجموعة الوثائق القيمة الجديدة، انخرط القادة العسكريون السوفيات في لعبة تبادل اللوم والاتهامات. متجاهلاً ذنبه ومسؤوليته، أشار بيريوزوف بإصبع الاتهام إلى “المركزية المفرطة في العملية، مما جعل إدارتها في جميع مراحلها محصورة بهيئة الأركان العامة، وأدى بالتالي إلى تقييد روح المبادرة لدى العناصر الأقل رتبة وتقليل جودة اتخاذ القرار في شأن مسائل محددة” على أرض الواقع في كوبا. لم يعترف قط بأن الافتقار إلى التمويه هو العيب الرئيس في عملية أنادير، على رغم أن رؤساءه السياسيين أقروا هذا الأمر على الفور.
تحدث أناستاس ميكويان، عضو هيئة الرئاسة الذي أرسله خروتشوف إلى هافانا من أجل تنظيم عملية سحب الصواريخ، إلى الضباط السوفيات في كوبا في نوفمبر. حاول تحويل نقص التمويه إلى مزحة، فقال لبلييف ورفاقه: “لقد برزت الصواريخ السوفياتية بوضوح كما يحصل عادة أثناء الاستعراضات العسكرية في الساحة الحمراء، بيد أنها هذه المرة كانت منتصبة”. وتابع “يبدو أن رجال الصواريخ لدينا قرروا إعطاء الأميركيين الإصبع الأوسط بهذه الطريقة”. حتى إن ميكويان خفف من حسرتهم في شأن اكتشاف الصواريخ، قائلاً إن الاستخبارات الألمانية الغربية، وليس طائرة U-2، هي التي اكتشفت الصواريخ السوفياتية (في الواقع، كان الألمان الغربيون قد التقطوا بعض الأدلة ولكن بالكاد حصلوا على الدليل الدامغ الذي كشفت عنه رحلة U-2). وزعم أنه بمجرد اكتشاف وجود الصواريخ السوفياتية، لم تعد تصلح للردع، وهو ادعاء سخيف، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة كان يصعب ردعها بصواريخ لم تكن على علم بها. على رغم بذل ميكويان قصارى جهده، تلقى القادة والضباط السوفيات الأمر بمغادرة كوبا باعتباره انسحاباً مهيناً. كان على كثيرين منهم التعافي من الانهيار العصبي، فلجأوا إلى منتجعات البحر الأسود الموجودة في أماكن لا تبعد كثيراً عن الموانئ التي أبحروا منها إلى كوبا.
كان خروتشوف رجلاً انفعالياً، لكن في لحظة مواجهة الخطر الأعظم، تراجع عن شفير الهاوية.
كان خروتشوف حريصاً على تغطية انسحابه. وتعمد تجنب أي انتقاد لأداء الجيش السوفياتي في كوبا. على رغم أن الأخطاء في التخطيط كانت واضحة للعيان، كان الزعيم السوفياتي مهتماً بتصوير الكارثة على أنها نصر أكثر من اهتمامه بإلقاء اللوم وتحميل المسؤولية على الحوادث المؤسفة. وهنا، تداخلت مصالحه مع مصالح القيادة العليا السوفياتية، التي أرادت تجنب المسؤولية، وهكذا تم إبقاء الأخطاء السرية المرتكبة في عملية أنادير طي الكتمان. وتم تغليف المستندات الخاصة بالعملية وإرسالها في الأرشيف ليعلوها الغبار هناك، حيث بقيت مغلفة حتى العام الماضي. ونال بيريوزوف ترقية فاحتل منصب رئيس هيئة الأركان العامة، وظلت حياته المهنية بيضاء السمعة حتى وفاته في عام 1964، عندما لقي حتفه في حادثة تحطم طائرة بعد خمسة أيام من إطاحة خروتشوف من قبل زملائه في هيئة الرئاسة.
لم ينظر المسؤولون العسكريون السوفيات إلى عملية أنادير على أنها فشل ذريع، بل حيلة ماهرة كادت تنجح. وكانت الدروس التي تعلموها بسيطة: لو قام السوفيات بعمل أفضل في التعامل مع التحديات اللوجيستية الهائلة، أو لو بذلوا جهداً أكبر من أجل إخفاء الصواريخ، أو لو أنهم أسقطوا طائرات الاستطلاع الأميركية في وقت سابق، مع قليل من الحظ، كان من الممكن أن تنجح عملية أنادير بالفعل. وعلى رغم تبصره الكامل في هذه القضية، ركز ستاتسينكو على طائرات U-2 وأوصى في تقريره بأن يطور السوفيات على وجه السرعة تقنية – “أشعة غير مرئية” – من شأنها أن تسمح لهم “بتشويه” الصور التي التقطتها طائرات الاستطلاع أو ربما اكتشاف ما صورته. على ما يبدو، لم يخطر بباله مطلقاً أن العملية برمتها كانت فكرة سيئة منذ البداية. في الواقع، كان الهدف الكامل من تحليله هو استكشاف طرق لإرسال صواريخ استراتيجية “إلى أي مسافة كانت ونشرها في غضون مهلة قصيرة”، أي تكرار الأمر نفسه مجدداً، ولكن القيام به هذه المرة بشكل أفضل. ربما اعتبر ستاتسينكو أن رتبته لا تخوله التشكيك في الأفكار اللامعة التي اقترحها أصحاب الرتب الأعلى.
لم تظهر رؤية مختلفة للأزمة داخل الاتحاد السوفياتي إلا في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، خلال حقبة “التفكير الجديد” لميخائيل غورباتشوف. فأصبحت موسكو تنظر إلى الأزمة على أنها لحظة خطرة للغاية، وذلك بعد أن تأثرت بشدة بالأدب الأميركي حول هذه الواقعة، لكن مع انهيار الاتحاد السوفياتي، تراجعت المخاوف من نشوب صراع نووي، وبالنسبة إلى روسيا، فقدت أزمة الصواريخ الكوبية أهميتها السياسية المباشرة وأصبحت تاريخاً قديماً لا يثير الاهتمام. وتبنى قدامى المحاربين في الأزمة سرديات بطولية عن مآثرهم. وفي العقد الأول من هذا القرن، كتب أناتولي غريبكوف، الجنرال الذي ساعد في التخطيط لعملية أنادير، تقييماً للأزمة أعلن فيه أن أداء الجيش السوفياتي كان “مثالاً على أرقى الفنون العسكرية”. وأصبحت الإخفاقات المحرجة منسية في الغالب. أما كاسترو، الذي أرعب خروتشوف باقتراحه ضرب الولايات المتحدة بالسلاح النووي، فنفى في وقت لاحق قيامه بذلك نفياً قاطعاً، لكن الجميع اتفقوا على أن أزمة الصواريخ الكوبية لن تتكرر على الإطلاق.
لأن بوتين لم يواجه أي معارضة، فقد لجأ إلى وزير دفاعه سيرغي شويغو، ورئيس الأركان فاليري جيراسيموف، من أجل تنفيذ رغبته. وكان فشلهما أكبر حتى من ذاك الذي واجهه أسلافهما في عام 1962، بسبب العوائق الهيكلية نفسها التي دمرت عملية أنادير. من الواضح أن هيئة الأركان العامة لم تستوعب قط تلك التفاصيل المربكة والمحرجة في قصة فشل خروتشوف، حتى مع رفع السرية عن هذه المجموعة الجديدة من الوثائق.
وفيما كان ينظر بقلق وتوتر إلى كارثة نووية قاب قوسين أو أدنى، وجد خروتشوف وقتاً ليلعب دور الوسيط في الحرب الصينية الهندية التي اندلعت خلال أزمة الصواريخ الكوبية واستمرت لمدة شهر. وأوضح للزائر الهندي في 26 أكتوبر أن “التاريخ يخبرنا أنه من أجل وضع حد لصراع ما، ليس من المفترض أن نبدأ باستكشاف أسباب حدوثه بل أن نسعى إلى وقف إطلاق النار”، ثم أضاف “لا يهم البكاء على الموتى أو الانتقام لهم، بل إنقاذ أولئك الذين قد يموتون إذا استمر الصراع”. وربما كان يشير إلى مخاوفه الخاصة في شأن الأحداث التي كانت تختمر في ذاك اليوم في منطقة البحر الكاريبي.
بوتين مجازف مثل خروتشوف.
مرعوباً من هذه التطورات، أدرك خروتشوف أخيراً أن مجازفته المتهورة قد فشلت فأصدر أمراً بالتراجع. اختار كينيدي التوصل إلى تسوية أيضاً. وفي نهاية المطاف، لم يثبت أي من الزعيمين استعداده لاختبار خطوط الآخر الحمراء، ربما لأنهما لم يعرفا أين تقع تلك الخطوط بالضبط. إن غطرسة خروتشوف واستياءه أوصلاه إلى القيام بأسوأ مغامرة في حياته السياسية، لكن حذره، وحذر كينيدي، أديا إلى حل تفاوضي.
ينطوي حذرهما على عبرة مفيدة ليومنا هذا، في وقت يدعو فيه معلقون كثيرون في روسيا والغرب إلى تحقيق نصر حاسم لطرف أو آخر في أوكرانيا. ويفترض بعض الأميركيين والأوروبيين أن استخدام الأسلحة النووية في الأزمة الحالية غير وارد على الإطلاق، بالتالي يمكن للغرب أن يدفع الكرملين بأمان إلى الزاوية من خلال تحقيق نصر أوكراني شامل، لكن كثيراً من الناس في روسيا، لا سيما أولئك المحيطين ببوتين ومروجي البروباغندا، يقولون بلهجة التحدي إنه “لن يبقى هناك عالم من دون روسيا”، مما يعني أن موسكو قد تفضل أن تشن حرباً نووية شاملة ومهلكة على أن تتذوق طعم الهزيمة.
لو سادت هذه الأصوات في عام 1962، لكنا جميعاً في عداد الأموات.
اندبندت عربي