أجرى وزير الخارجية الأميركي جون كيري اتصالا هاتفيا بديان فينستاين رئيسة اللجنة المنتخبة المعنية بشؤون الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ، مؤخرا، ليطلب منها إرجاء الإصدار الوشيك لتقرير اللجنة حول أعمال التعذيب وإجراءات التسليم التي اتبعتها وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، في ظل إدارة جورج دبليو بوش، تبعا لما أفاد به مسؤولون بالإدارة والكونغرس.
ولم يأتِ موقف كيري بمعزل عن باقي مسؤولي الإدارة، ذلك أن مكالمته جاءت في أعقاب مشاورات بين مختلف الوكالات المعنية، خلصت إلى أن إصدار التقرير، مطلع الأسبوع المقبل، مثلما كانت تنوي فينستاين، بإمكانه تعقيد العلاقات مع دول أجنبية، في وقت حساس، ويخلق مخاطرة غير مقبولة لمواطني ومنشآت الولايات المتحدة بالخارج.
وأخبر كيري فينستاين أنه لا يزال داعما لفكرة إصدار التقرير، لكنه فقط يرى أن الوقت الآن غير مناسب لذلك.
وقد أخبرني مسؤول بالإدارة أن «ما أثاره كيري هو توقيت إصدار التقرير، لأن العالم يعج بالكثير من الأحداث، بما في ذلك مناطق من العالم تتسم بقدر خاص من التعقيد، وأبدى رغبته في الانتباه للاعتبارات الخاصة بالسياسة الخارجية عند تحديد التوقيت».
ولا تعد هذه المخاوف بالأمر الجديد، ولا شك أن الجهود التي بذلها كيري على مدار 11 ساعة لضمان إرجاء إصدار التقرير وضعت فينستاين بموقف صعب، حيث أصبح لزاما عليها اتخاذ قرار بخصوص ما إذا كانت ستنحي مخاوف الإدارة جانبا وتقبل المخاطرة، أو تذعن لإرجاء إعلان نتائج التحقيق التي حاربت سنوات للحفاظ عليها.
من جانبهم، رأى مسؤولو «كابيتول هيل» وأنصار حقوق الإنسان في دعوة كيري تحولا صادما من جانب إدارة دعمت علانية إصدار التقرير طوال شهور. وبالنسبة لأعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين، الذين حذروا من التداعيات المحتملة لنشر التقرير منذ أكثر من عام، فإن الإدارة أخيرا اتفقت مع وجهة نظرهم.
في هذا الصدد، أعرب ميك أويانغ المسؤول السابق بلجنة الاستخبارات، عن اعتقاده بأن «ردود فعل الإدارة حيال السيناتور فينستاين جاءت مثيرة للدهشة، وتوحي بوجود قوى متنافسة داخل السلطة التنفيذية مع غياب توجه استراتيجي موحد. أخيرا، من المقرر أن تلقي فينستاين خطابا حول التقرير بعد غد خلال احتفالية تستضيفها منظمة «هيومان رايتس فيرست»، التي من المقرر أن تمنحها هي والسيناتور جون ماكين «جائزة المنارة» نظرا لـ«قيادتهما جهود إنهاء استخدام التعذيب وأنماط أخرى من المعاملة القاسية للسجناء من قبل الولايات المتحدة».
وقد قال كل من الرئيس أوباما ونائبه جو بايدن إنهما يرغبان في إصدار موجز في قرابة 500 صفحة للتقرير المكون من 6700 صفحة، الذي من المعتقد أنه يحمل اتهامات لـ«سي آي إيه» باستخدام أساليب قاسية في التحقيقات من دون موافقة البيت الأبيض، مما تسبب في تضليل البيت الأبيض والكونغرس بخصوص إجراءات التسليم السرية للإرهابيين المشتبه بهم، وإحباط محاولات اللجنة في التحقيق.
وقد تمكنت فينستاين من ضمان أن يتضمن التقرير النهائي معلومات حول الدول التي عاونت «سي آي إيه» سرا في إخفاء وإساءة معاملة السجناء، رغم أن هذه الدول لن يتم ذكر أسمائها مباشرة. يذكر أن المسؤول الاستخباراتي البارز لدى وزارة الخارجية، فيليب غولدبرغ، كتب إلى الكونغرس، العام الماضي، محذرا من أن نشر مثل هذه المعلومات قد يضر بعلاقات واشنطن ويخلق مخاطر أمام مواطنيها ومصالحها بالخارج. وأوضحت المذكرة الصادرة عن وزارة الخارجية أن «أميركا بمقدورها تزعم قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان حول العالم، ليس لأننا مثاليون، وإنما لأن باستطاعتنا القول إن نظامنا الديمقراطي يمكّننا من مواجهة وحل مشكلاتنا عبر نقاش مفتوح وصادق. وحال اندلاع عنف في أعقاب إصدار التقرير، فإن الإدارة وفرت لنفسها الآن غطاء سياسيا، بينما هذا لم يحدث مع فينستاين. في المقابل، فإنه حال خضوع فينستاين وإرجائها إصدار التقرير، فإنها لا تكون بذلك قد خسرت جهودا كبرى بذلتها كرئيسة للجنة فحسب، وإنما تخاطر أيضا بإنهاء الجدال حول ما فعلته «سي آي إيه»، خلال تلك السنوات المصيرية من دون محاسبة حقيقية.
حجب تقرير التعذيب الخاص بـ«سي آي إيه»؟
جوش روغين: صحفي أميركي
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط
http://goo.gl/ePZs2I