جاءت زيارة امير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني للعراق في الخامس عشر من حزيران 2023 في خضم العديد من التحولات الاستراتيجية في السياسة الدولية لمنطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وطبيعة التحالفات السياسية والتجاذبات الإقليمية والاتفاقيات الاقتصادية التي كانت إحدى الملامح الرئيسية التي تميزت بها المنطقة خلال الأشهر الماضية ومنها ما يتعلق بالبنية الاقتصادية للعراق وسعيه لجذب الاستثمارات المالية والشركات العالمية للعمل في قطاع الطاقة الذي يأخذ حيزا مهما في سياسة العراق الحالية والتي تتبع أسس وركائز تعتمد على التحول نحو استثمار الثروات الطبيعية في البلاد بشكل فعال والانتقال من الاقتصاد الأحادي المتمثل بتصدير النفط إلى استخدام الغاز السائل في تطوير الصناعات النفطية وتشغيل المحطات الكهربائية الرئيسية والاعتماد الذاتي على تحويل عملية التوليد والإنتاج للطاقة الكهربائية عبر وسائل وأدوات محلية .
من هنا جاء الاتفاق الرئيسي الذي وقعه السيد محمد شياع السوداني رئيس الوزراء مع المدير العام لشركة (توتال اينرجي ) الفرنسية باتريك بويانيه في الخامس من نيسان 2023 بعد أن تعثرت المفاوضات التي شهدت توقيع الاتفاق الأولي في شهر أيلول عام 2021 وبراسمال قدره 27 مليار دولار بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للعراق ، وأطلق على المشروع الاستثماري تسمية(مشروع نمو الغاز المتكامل ) والذي يتضمن انشاء أربع مشروعات للنفط والغاز المتجددة بمدى زمني يبلغ 25 عام .
وتتضمّن صفقة الـ27 مليار دولار 4 مشروعات ضخمة تتمثل في:
1.مدّ خط الأنبوب البحري الذي ينقل ماء البحر إلى الحقول النفطية، بطاقة تصميمية قدرها 7.5 مليون برميل مياه يوميًا، بهدف إدامة الإنتاج من الحقول النفطية.
تطوير حقل أرطاوي وزيادة الإنتاج من 80 ألف برميل يوميًا -حاليًا- إلى 200 ألف برميل يوميًا.
2.إنشاء مجمّع غاز أرطاوي بسعة 600 مليون قدم مكعبة قياسية، بغرض استثمار حرق الغاز من حقول النفط.
إنشاء محطة لتوليد الكهرباء تعتمد على الطاقة الشمسية بقدرة إجمالية تصل إلى 1000 میغاواط.
وأشارت توتال، في بيانها، إلى أن المشروع يهدف الى تنمية موارد العراق الطبيعية من أجل تحسين إمدادات الكهرباء في البلاد.
وأكدت الشركة الفرنسية أنه وبالاتفاق مع الحكومة العراقية دعت توتال إنرجي شركة قطر للطاقة إلى المشاركة بنسبة 25% في هذا المشروع.
وستكون ملكية المشروع موزعة على التحالف كالتالي: توتال إنرجي (45%)، وشركة نفط البصرة (30%)، وشركة قطر للطاقة (25%).
من جانبها، أعلنت قطر للطاقة موافقتها على تملك حصة تبلغ 25% في مشروع الغاز المتكامل، وهو مشروع بمليارات الدولارات يهدف إلى تطوير موارد الغاز الطبيعي في العراق.
وبغية تعزيز التعاون بين العراق وقطر وتنفيذ الاتفاق المبرم مع الشركة الفرنسية فإن لزيارة الشيخ تميم أبعاد مهمة واستراتيجية في العمل المشترك وتحقيق الأهداف والغايات للبلدين والتي أكدها حديث أمير قطر بأن هناك أحداث قادمة في المنطقة وهي إشارة واضحة للمتغيرات السياسية والاقتصادية التي ستحدث ويكون للدوحة دورا استراتيجيا فيها وبدعم من الإدارة الأمريكية التي ترى قطر حليف رئيسي في المنطقة وهذا ما أبداه المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي(آدم هودج) بتاريخ 16 حزيران 2023 بترحيبة بزيارة الشيخ تميم لبغداد والإشادة بالمشروع التاريخي وحسب وصفه والذي تم توقيعه مع شركة توتال للطاقة معتبره انه سيخدم احتياجات الشعب العراقي.
ان من أولويات السياسة الأمريكية الآن توفير الطاقة للقارة الأوربية من الغاز والنفط وستعتمد على ثلاث دول هي ( قطر والعراق وايران) وهذا ما نعتقد اننا سنراه قريبا في تحالف جديد يضم هذه الدول الثلاث بدعم أمريكي اوربي وحدوث انفراج في موضوع البرنامج النووي الإيراني، وهي أحداث فرضها النزاع الروسي _الأوكراني وتسبب في منع وصول الغاز الروسي إلى أوربا، وأي تحول مدعوم في المنطقة سيساهم في خدمة المصالح الدولية وسيحظى المشروع الاقتصادي للغاز العراق بدعم هذه الجهات، وأن القطريين سيعتبرون أن عملية الاستثمار في العراق باستخراج الغاز ودورهم القادم هو العصب الرئيسي لهم في العراق .
كما تتمتع زيارة الشيخ تميم بأهمية إقليمية انها ستساهم بشكل فعال في دعم مشروع التنمية العراقي الذي يربط محافظة البصرة بالأراضي التركية وصولا للبحر الابيض المتوسط والذي يلقى الدعم التام من الرئيس اردوغان وكان أول تصريح لرئيس البرلمان التركي الجديد نعمان كورتولموش قوله (ندعم بإخلاص حكومة السوداني ونتطلع للعمل الدقيق بطريق التنمية ) ، ويطمح العراق في الحصول على تأييد قطري لمشروع التنمية وعبر أنبوب الغاز الذي يصل إلى أوربا عبر الأراضي التركية والذي تحرص الدوحة على تنفيذه والذي سيجعل من العراق ممراً حيوياً بالنسبة للدول الاوربية عل صعيد الطاقة التي هي في امس الحاجة إليها لتأمين احتياجاتها بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وهذه إحدى النتائج الرئيسية لدخول شركة قطر للطاقة في مشروع استثمار الغاز العراقي واستخراجه بدعوة من شركة توتال انرجي، وقد أشار إلى أهمية هذا المشروع أيضا رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أثناء استقباله لوفد مجلس الأعمال العراقي الأمريكي بقوله ( ان العراق يتهيأ لإعلان جولة حقول الغاز السادسة وهو ما يحصل لأول مرة في البلاد على صعيد استثمار الغاز الطبيعي ) ، وهذا ما تزامن مع زيارة الامير تميم لبغداد.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة