لماذا لن يكون هناك بديل لترمب داخل الحزب الجمهوري؟

لماذا لن يكون هناك بديل لترمب داخل الحزب الجمهوري؟

مع توجيه اتهامات فيدرالية إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب تستند إلى قانون التجسس، سبقتها اتهامات أخرى في نيويورك بدفع أموال إلى ممثلة إباحية بشكل مخالف للقانون، إضافة إلى انتظار محاكمته في قضايا أخرى في واشنطن وولاية جورجيا، قد يبدو نظرياً أن هناك متسعاً من الوقت لظهور بديل لترمب داخل الحزب الجمهوري يمكن أن يختاره الناخبون ويرشحه الحزب قبل موعد الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، لكن واقعياً، تبدو المسألة أعقد من ذلك بكثير، فما الذي يجعل وجود بديل لترمب أمراً معقداً وربما مستحيلاً؟

دعم جمهوري صلب

لم يكن مثيراً للدهشة أن ينكر الرئيس السابق دونالد ترمب التهم المنسوبة إليه من الادعاء الفيدرالي بانتهاك قانون التجسس وتعريض أمن الولايات المتحدة للخطر في تعامله مع الوثائق السرية، فقد كان هذا متوقعاً من البداية كونه يتهم إدارة الرئيس جو بايدن بالتدخل في الانتخابات من خلال استخدام وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي سلاحاً ضده، وهو خطاب لم يقتصر عليه بل ردده الإعلام اليميني بما في ذلك شبكة “فوكس نيوز”، كما تبناه أيضاً أعضاء بارزون في الحزب الجمهوري، بمن فيهم رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي، وأيضاً خصومه الرئيسون في الانتخابات التمهيدية، مثل حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، الذين اعتنقوا بشكل واسع تقريباً الخطاب السائد بين غالبية الجمهوريين بأن لائحة الاتهام تمثل هجوماً سياسياً بحتاً من بايدن على أحد المتنافسين الرئيسين على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة.

وإذا كان أبرز القادة الجمهوريين إما يدافعون عن الرئيس السابق وإما يلوذون بالصمت ويبتعدون عن الأنظار فذلك لأن ترمب لا يزال يتمتع بشعبية واسعة بين الناخبين اليمينيين، ويتصدر استطلاعات الرأي بين الناخبين الذين يعتزمون التصويت في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري بأكثر من 50 في المئة، متقدماً على أبرز منافسيه ديسانتيس بأكثر من 30 نقطة، بينما تستمر هذه الفجوة في الاتساع، حتى داخل ولاية فلوريدا التي أعادت انتخاب ديسانتيس حاكماً بغالبية ساحقة في الخريف الماضي عام 2022.

لا تأثير سلبياً

ومن غير المرجح أن تؤثر لائحة الاتهام الجديدة بشكل سلبي في دعم الناخبين الجمهوريين للرئيس السابق، بل يمكن أن تعززها، بخاصة أن ترمب حتى حال إدانته في أي من القضايا العديدة التي تواجهه سيظل قادراً على خوض الانتخابات إلى نهايتها، ولا يوجد ما يحول دون ذلك إلا في حالة واحدة فقط نص عليها الدستور في التعديل الـ14 وهي إدانته بالتمرد عبر تشجيع أنصاره المتظاهرين على اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 لتعطيل الخطوة الأخيرة لاعتماد بايدن رئيساً للولايات المتحدة.

ومن الناحية النظرية يمكنه إدارة حملته الانتخابية من السجن، كما فعل مرشح آخر هو يوجين دبس عام 1920، ويمكن لترمب إذا فاز بالانتخابات عام 2024 أن يعفو عن نفسه على الفور وفقاً لصلاحياته الرئاسية (على رغم أن هذه نقطة خلافية بين فقهاء الدستور وقد تجد طريقها إلى المحكمة العليا لأنه لم يسبق أن حدثت في أي وقت عبر التاريخ الأميركي).

هل من بديل؟

وعلى رغم كل هذا الدعم الجمهوري الواسع فلا يزال بعض رافضي الرئيس السابق ومنهم شريحة من الجمهوريين وبعض قادة الحزب يتساءلون حول كيف يمكن لشخص أنكر خسارته الانتخابات الرئاسية عام 2020، وحرض على الهجوم على مبنى الكابيتول في 2021، ووجهت إليه اتهامات مرتين عام 2023 ودين بالاعتداء الجنسي أخيراً في قضية أخرى في نيويورك، وما زال يخضع لتحقيقات قضائية عديدة بما في ذلك التدخل في الانتخابات في جورجيا، أن يظل مهيمناً على الحزب الجمهوري؟

بالنسبة إلى هؤلاء الذين يحدوهم الأمل في تغير الظروف بمرور الزمن يبدو من الناحية النظرية أن متسعاً من الوقت ما زال قائماً لظهور بديل يمكن له الفوز على ترمب داخل الحزب قبل نهاية صيف العام المقبل، بخاصة بعد النتائج المخيبة للآمال التي حاقت بالجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، حين لم يتمكنوا من استعادة السيطرة على مجلس الشيوخ، وسيطروا بفارق ضئيل جداً على مجلس النواب على خلاف التوقعات السابقة التي تحدثت عن موجة جمهورية حمراء ستعصف بالديمقراطيين.

ومن الناحية الواقعية فإن المتحمسين جداً لترمب من الجمهوريين المعروفين بفريق “ماغا” (اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) يمثلون أقلية في الحزب. وأشارت دراسة نشرت عام 2022 إلى أنهم يمثلون نحو ثلث الجمهوريين (30 إلى 37 في المئة) أو ما يقرب من 15 في المئة من الناخبين الأميركيين، وهو رقم أكده استطلاع حديث لشبكة “أن بي سي”.

مشكلات وتحديات

غير أن المشكلة التي تواجه رافضي ترمب تتمثل في أنه بعيداً من قاعدة “ماغا” المتجانسة والموحدة حول الرئيس السابق فإن الجزء الآخر من الجمهوريين منقسم، إذ إن أولئك الذين يبدون استعداداً لاختيار مرشح آخر غير الرئيس السابق لديهم دوافع بدرجات متفاوتة ولأسباب مختلفة، بينما ما يقرب من 20 في المئة من الناخبين الجمهوريين لم يجدوا مرشحاً بديلاً يؤيدونه، بالتالي يقولون إنهم مستعدون للالتفاف حول ترمب ودعمه في الانتخابات.

ويبدو أن التحدي الذي يواجه أياً من منافسي ترمب لا يتمثل فقط في حشد نسبة كبيرة من الناخبين الجمهوريين تحت الراية نفسها، ولكن أيضاً في تقديم كل منهم نفسه كوريث ومنافس لدونالد ترمب في الوقت ذاته، وهو أمر يسعى إليه بقوة رون ديسانتيس الذي يسدد له الرئيس السابق لكماته باستمرار لأنه يعتبره تهديداً ماثلاً له.

ترمب المستفيد

وإضافة إلى ذلك، يستفيد ترمب من تكاثر المرشحين الأساسيين بما يفتت أصوات منافسيه في نظام يسمح بفوز المرشح الحاصل على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات التمهيدية في معظم الولايات، ومن المرجح أن يسهم هذا النظام كثيراً في جعل الأفضلية تذهب إلى الرئيس السابق الذي يعتمد على قاعدته الانتخابية القوية، بخاصة أن المرشحين الأساسيين الذين وصل عددهم إلى نحو 12 لا يبدو أن أياً منهم ظهر كبديل مكافئ يتمتع بشعبية وغير موال لترمب، إذ إن حاكم ولاية نيو جيرسي السابق كريس كريستي، ونائب الرئيس السابق مايك بنس، وهما ليسا مواليين لترمب حتى قبل دخولهما السباق، لا يتمتعان بشعبية منافسة، في حين تجنب المرشحون الآخرون إلى حد كبير مهاجمة ترمب، وفضلوا حفظ ضرباتهم لديسانتيس الذي يسير على نهج ترمب في خطابه الشعبوي ومغازلة الإنجيليين ومعارضة الإجهاض ومناهضة سياسات اليسار.

أكثر راديكالية وأقل كاريزماتية

وإذا كان البعض ما زال يراهن على حاكم فلوريدا رون ديسانتيس كبديل محتمل لترمب، إلا أن الاستراتيجية التي اعتمدها في القيام بحملة إلى يمين ترمب يصورها الإعلام الليبرالي بأنها أكثر راديكالية في شأن موضوعات الحرب الثقافية، مثل مناهضة سياسة الاستيقاظ ومكافحة الإجهاض ورفض المتحولين جنسياً والمثليين، وهي استراتيجية تحاول اجتذاب شريحة من الناخبين تشبه إلى حد بعيد شريحة ترمب، في حين أن ديسانتيس الذي وصفته صحيفة “فايننشيال تايمز” بأنه “دونالد ترمب صاحب العقل والدراما”، معروف بافتقاره إلى الكاريزما، ويواجه حالياً مشكلة من نوع آخر، وهي أنه بعد أن أشاد بترمب كثيراً يتعين عليه الآن مهاجمته من دون أن يناقض نفسه أو أن يبدو وكأنه خائن لقاعدته.

الاستياء العنصري كعامل موحد

وهناك عوامل أخرى تعمل لصالح ترمب أكثر من غيره، فكلما وقع الرئيس السابق في مأزق تتجمع الغالبية العظمى (70 في المئة) من المتعاطفين الجمهوريين خلفه، وتبدو فكرة توجيه الاتهام دائماً بالنسبة إليهم ذات دوافع سياسية، ولا تزال الغالبية من الجمهوريين تعتقد أن انتخابات 2020 قد سرقت منهم، على رغم إدراك جزء كبير منهم بعدم ظهور أي دليل على الإطلاق يثبت صحة هذا الادعاء.

ويوضح هذا الشك الدائم ليس فقط أن الإدراك مهم أكثر من الواقع، ولكن أيضاً أن هناك شكلاً من أشكال جنون العظمة من أعراض أزمة الهوية المتجذرة في القلق الاقتصادي والاستياء العرقي بحسب ما تشير إليه صحيفة “واشنطن بوست”، فقد أشارت أبحاث عديدة منها دراسة نشرتها جامعة “كامبريدج” إلى أن ناخبي ترمب هم في الغالب من البيض والإنجيليين والطبقة الوسطى وغير الحاصلين على مؤهل جامعي، وأن مسألة الهوية كانت في أول اهتماماتهم ودوافعهم التصويتية بخاصة في ما يتعلق بالعرق والدين ونوع الجنس أكثر من اهتمامهم بالاقتصاد، وهذا ما منح ترمب القوة في انتخابات عام 2016.

ويعود هذا التصويت بالنسبة إلى جزء من الناخبين الأميركيين البيض بحسب صحيفة “ذا أتلانتيك” إلى ما يسميه عالم الاجتماع آرلي هوشيلد “تاريخاً عميقاً” يتحدث فيه عن أن البيض من الطبقة الوسطى يشعرون بأن الأقليات تنبذهم، وتتخلى عنهم الحكومة، ويتعرضون للتضحية بهم ويعاملون بازدراء من قبل النخبة اليسارية، وينبع استياؤهم جزئياً من تغير التركيبة السكانية في المجتمع الأميركي، فقد انخفضت حصة الناخبين البيض من 69 في المئة في عام 1980 إلى 39 في المئة فقط عام 2020، ومن المتوقع أن تنخفض إلى 30 في المئة بحلول عام 2032 وفقاً لمركز السياسات في جامعة “فيرجينيا”.

استراتيجية ترمب العاطفية

وينبع نجاح الرئيس السابق من جاذبيته وقدرته على الاستفادة من خوف هؤلاء البيض واستيائهم وشعورهم بالإذلال عبر ما يسمى التاريخ العميق، كما أن ترمب نفسه لديه استياؤه الخاص تجاه النخبة في نيويورك، وتجاه الرجال السود الناجحين مثل باراك أوباما الذي يراه غير مؤهل أو مذنب، لأنه نجح في استقطاب السياسة الأميركية حول قضية العرق خلال فترة حكمه، وفقاً لصحيفة “بوليتيكو”.

الأمر اللافت للنظر، وربما غير البديهي، هو أن هذه الرواية عن الاستياء العرقي تتبناها في بعض الأحيان الأقليات التي تشعر بالكراهية تجاه أقليات أخرى، إذ تظهر دراسة حديثة نشرها موقع “بيكون” أن عدداً متزايداً من اللاتينيين والأشخاص الملونين منخرطون في حركة تفوق العرق الأبيض، كما تمكن ترمب أيضاً من الاستفادة من خوف المسيحيين الإنجيليين البيض، إذ يقدم لهم سرداً عما يوصف بـ”المذبحة الأميركية” التي يتردد صداها في معتقداتهم عن الآخرة بالتراجع والدمار لأميركا في نهاية الزمان.

الشهيد والبطل الخارق

نجح ترمب ببناء قصة حول نفسه لتتعرف إليه قاعدته كضحية، وحتى كشهيد، إذ وفي الوقت نفسه يرونه كبطل خارق يمكن لقاعدته أن تجسد نفسها فيه من جهة أخرى، وعلى سبيل المثال قال ترمب عشية انتخابات عام 2016 إنه “صوت المنسيين”، وقبل الانتخابات التمهيدية عام 2024 قدم نفسه على أنه “المحارب” وممثل “العدالة”، واعداً بأن يكون “القصاص” لمن تعرضوا للظلم والخيانة.

وفي مثل هذا السياق لا يبدو أن بديلاً جاهزاً يمكن أن يظهر خلال الأشهر المقبلة، وحتى لو ظهر فإن سؤالاً آخر يطفو على السطح بشكل مشروع، وهو ما سيحدث إذا خسر ترمب الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، ويتوقعون أن يرفض ترمب النتائج ويدعي أنها مزورة كما فعل في عام 2020، وإذا قرر أن يترشح حينها مستقلاً، فإن ما يقرب من 30 في المئة من الناخبين الجمهوريين سيكونون مستعدين لدعمه، حتى لو كان التاريخ والأبحاث تشير إلى أنه لن يكون لديه أي فرصة تقريباً للفوز، لكنه إن فعل ذلك فسوف يفجر الحزب الجمهوري، وهو احتمال يقوي هيمنته على الحزب الذي يبدو غير قادر على إعادة تعريف نفسه على أساس خطوط أيديولوجية وفكرية واضحة بحسب ما يقول الخبير السياسي جيروم غودفروي.

اندبندت عربي