“ناشطون” حركة سياسية جديدة ترفع تحدي تشكيل إقليم البصرة

“ناشطون” حركة سياسية جديدة ترفع تحدي تشكيل إقليم البصرة

البصرة (العراق) – تشهد محافظة البصرة في أقصى جنوب العراق زخما سياسيا لافتا هذه الأيام توّج بالإعلان عن تأسيس حركة جديدة أطلق عليها “ناشطون” للدفاع عن مشروع طموح لطالما سعى إليه أبناء المحافظة، وهو إقامة إقليم في المحافظة الغنية بالنفط والمهمشة من قبل الحكومة المركزية.

ويرى متابعون أن تأسيس حركة “ناشطون” هو محاولة جديدة تبدو أكثر تنظيما للدفع قدما باتجاه فرض إقليم في البصرة، لاسيما وأن المحاولات السابقة بدت مشتّتة، وليس لها أي حامل سياسي قوي يحتضنها، الأمر الذي كان يسهل على القوى الرافضة وأدها.

وقال أعضاء الحركة في تدوينات نشروها صباح الأحد على صفحات التواصل الاجتماعي إنه “ضمن سعي ناشطي البصرة لتشكيل كيان سياسي يدعو إلى إقليم والعمل على تحقيقه، تمكن ثلة من الكفاءات البصرية المستقلة والمخلصة من إقامة المؤتمر التأسيسي الأول لحركة ‘ناشطون’ المستقلة والتصويت على أعضاء المجلس السياسي للحركة وبحضور ممثلين عن المفوضية المستقلة للانتخابات”.

وأعرب الأعضاء عن أملهم في أن “تستوعب الحركة كل بصري مخلص يدعو إلى مشروع إقليم البصرة للقضاء على دكتاتورية المركز المقيتة”، بحسب وصفهم. وانعقد المؤتمر التأسيسي الأول لحركة “ناشطون” مساء السبت في قاعة اتحاد رجال الأعمال في البصرة. وذكرت وسائل إعلام محلية أن القائمين على الحركة أشخاص وناشطون معروفون، إذ طالبوا على مدار السنوات السابقة بتشكيل إقليم البصرة على غرار إقليم كردستان.

◙ تأسيس حركة “ناشطون” هو محاولة جديدة تبدو أكثر تنظيما للدفع قدما باتجاه فرض إقليم في البصرة لاسيما وأن المحاولات السابقة بدت مشتّتة

ومن الأهداف المعلنة للحركة الوليدة خوض غمار انتخابات مجالس المحافظات في العراق المقرر إجراؤها في نهاية العام الجاري، حيث ستكون تلك الانتخابات بمثابة استفتاء غير مباشر للأهالي في المحافظة الجنوبية بشأن دعم الحركة لأطروحة الإقليم.

ويعد تشكيل إقليم مطلبا قديما في البصرة التي تعاني منذ عقود من التهميش، رغم أنها تمثل الشريان الحيوي الذي يغذي الاقتصاد العراقي، حيث أنها تطفو على بحيرة من النفط، فضلا عن كونها مركزا للصناعات التحويلية والزراعة والإنتاج الحيواني.

وتمثل المحافظة الجنوبية رئة العراق البحرية حيث تطل على الخليج العربي بساحل يمتد على 58 كيلومترا من رأس البيشة وحتى ميناء أم قصر جنوبا، ويجري عبرها تصدير أكثر من 90 في المئة من النفط.

ويقول نشطاء إنه وبالرغم من كل ما تزخر به البصرة من ثروات ومقومات، لكنها رغم ذلك تعاني من التهميش، سواء في العهود السابقة وحتى العهد الحالي، الأمر الذي يجعل من تشكيل إقليم الخيار الواقعي لإنهاء حالة البؤس التي يعاني منها الأهالي في المحافظة.

وتصاعدت المطالبات بإقليم في البصرة منذ العام 2003 أي بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وقد جرت بعض المحاولات لكنها فشلت بسبب معارضة المنظومة السياسية المتنفذة لهذا التوجه.

وانطلقت أولى المحاولات في العام 2008 وقادها المحافظ الأسبق وائل عبداللطيف وبدعم من حزب الفضيلة الإسلامي الذي كان يسيطر على مجلس المحافظة حينها. وتم إجراء استفتاء فشل في الوصول إلى النسبة المخولة قانونا، فيما اتهم المؤيدون لهذا الخيار المفوضية العليا للانتخابات بإجهاض الاستفتاء من خلال عرقلة الناخبين عن الوصول إلى مكاتب الاقتراع.

وتجددت المحاولة في العام 2010، حيث قدم عدد من أعضاء مجلس محافظة البصرة طلبا إلى الحكومة لإجراء استفتاء شعبي، لكن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي تجاهل الطلب.

وفي العام 2014 برزت حملة شعبية لإقامة إقليم البصرة، وبدا أن الأمور تتجه إلى الحلحلة بالنسبة إلى الداعمين، لكن سرعان ما نجحت الحكومة مجددا في احتواء الأمر من خلال الدفع بقانون “إعلان البصرة عاصمة اقتصادية للعراق”، الأمر الذي جعل تلك الحملة تخفت ولا تلقى التأييد اللازم من قبل الأهالي.

وأعاد البصريون طرح مشروع الإقليم خلال الاحتجاجات غير المسبوقة التي عرفها العراق في العام 2019، لكنها ظلت مجرد شعارات، حيث أنه لم يتوفر لها الدعم السياسي فضلا عن كونه تم حل مجالس المحافظات.

ويرى مراقبون أن دوافع عديدة تقود المنظومة السياسية المتنفذة في العراق إلى رفض إقليم في البصرة، أولها أنها تخشى من أن تقود هذه الخطوة إلى فقدان زمام السيطرة على محافظة تمثل ركيزة أساسية في رفد خزينة البلاد، وثانيا هناك تخوف من أن تنسج محافظات أخرى على ذات المنوال بينها المحافظات ذات الغالبية السنية، التي تبرز فيها بين الحين والآخر دعوات تطالب بإقليم.

◙ الحركة الوليدة مهددة بالتعرض لمضايقات من قبل القوى المتنفذة، لكن التحدي الأكبر أمامها هو خلق حالة التفاف شعبي حولها للدفاع عن مشروعها

ويرجح المراقبون أن تتعرض حركة “ناشطون” الوليدة إلى مضايقات من قبل القوى المتنفذة، لكن التحدي الأكبر أمامها هو خلق حالة التفاف شعبي حولها للدفاع عن مشروعها.

ويلفت المراقبون إلى أن ما يخدم الحركة اليوم هو شعور البصريين بالإحباط من عدم التزام الحكومات المتعاقبة بوعودها لناحية تحسين وضع المحافظة، وبات الأهالي على قناعة بأن تلك الوعود لم تكن سوى محاولات التفافية على مطلب الإقليم.

وكان نواب في البرلمان العراقي عن محافظة البصرة هددوا الشهر الماضي بتوجه القوى السياسية في المحافظة نحو إعلان الإقليم إذا لم تنصف في الموازنة، مشيرين إلى أن البصرة عانت كثيرا طيلة السنوات الماضية.

وقال النائب ضرغام المالكي في تصريحات صحفية إن “لجوءنا إلى إعلان إقليم البصرة يأتي نتيجة عدم إعطاء تخصيصات كافية للمحافظة في موازنة 2023”. وأضاف المالكي أن “البصرة لديها حقوق بذمة السلطة الاتحادية ينبغي عليها توفيرها لاسيما وأن 90 في المئة من إيرادات الموازنة هي من خيرات المحافظة”.

وصرح النائب أسعد محمد علي أن إقليم البصرة سيكون الخيار الأخير والأسلم لمواجهة التهميش، مشيرا إلى أن المطالبة بإقليم البصرة مشروعة إذا لم تحل جميع مشاكل المحافظة الأساسية.

وينص الدستور العراقي أنه من حق “كل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه”. وتتم العملية بإحدى الطريقتين “طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات، أو طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم”.

العرب