دأبت حركة حماس على استعراض قوتها العسكرية عقب كل مواجهة مع إسرائيل، وهي بذلك توجه رسائل تحذيرية بأنها على أهبة الاستعداد لأي مغامرة قادمة. وتدرك إسرائيل القدرة القتالية لحماس من دون مبالغات تحاول الحركة ترويجها عن ترسانتها.
غزة – تسعى حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة لتجنب الدخول في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل أملا في الحفاظ على زخم خطة إعادة الإعمار التي ترعاها مصر في القطاع المدمر، إلا أن ذلك لا يمنعها من توجيه رسائل تحذيرية لإسرائيل التي تخوض معارك مع الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية.
ويرى مراقبون أن حماس تهدف من وراء استعراض القوة إلى توجيه رسالة لتل أبيب بأنها على أتم الاستعداد للدخول في مواجهة مفتوحة معها إذا قررت المغامرة، رغم أن القادة الأمنيين الإسرائيليين يريدون بدورهم المحافظة على هدوء جبهة غزة في ظل التوترات المتصاعدة في الضفة الغربية.
وزار المئات من الفلسطينيين في مدينة غزة منذ الجمعة أول معرض للأسلحة تنظمه كتائب عزالدين القسام الجناح المسلح لحركة حماس، التي دعت المواطنين إلى التقاط صور تذكارية.
ووجهت كتائب القسام دعوة عامة لزيارة المعرض جاء فيها “المقاومة صورة وتذكار، التقط لك ولأبنائك صورا تذكارية مع العديد من الأسلحة والصناعات القسّامية”. ولهذا الغرض، نُظمت ثلاثة معارض في مدينة غزة ووسط وشمال القطاع يومي الجمعة والسبت. وهذه المرة الأولى التي تسمح فيها حماس للمدنيين بالتقاط صور، إذ تمنع غالبا أي شخص من الاقتراب من مواقعها العسكرية المنتشرة في قطاع غزة وتصويرها.
وفي حديقة ميدان الجندي المجهول غرب مدينة غزة، عرضت كتائب القسام مجموعة من الصواريخ قالت إنها “محلية الصنع”، وأخرى من نوع كورنيت روسية الصنع، إلى جانب بنادق وقاذفات أرض – جو مضادة للطائرات، وطائرة “شهاب” المسيَّرة التي تقول إنها من صنعها في غزة.
وعلقت الكتائب يافطة كبيرة للترحيب بزوار المعرض حيث انتشر العشرات من عناصر القسام وهم ملثمون ويرتدون بزّات عسكرية، إلى جانب العشرات من نشطاء حماس يساعدون الزوار في حمل الأسلحة لالتقاط صور تذكارية.
وقال القيادي في حماس محمد أبوعسكر إن المعرض يأتي لتعريف الأجيال الفلسطينية بالصناعات العسكرية التي أنتجتها كتائب القسام في مراحل تطورها منذ انتفاضة الأقصى عام 2000 وحتى الآن. وأضاف أبوعسكر للأناضول أنها صنعت بدماء الشهداء وعرق المقاتلين، وأن مراكمة تلك القوة بكل صورها إنما هي استعداد لمعركة فاصلة قادمة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وتتصاعد أعمال العنف في الضفة الغربية التي شهدت نشوب اشتباكات دموية في جنين وإطلاق نار من فلسطينيين قرب مستوطنة يهودية أسقط قتلى، وهجمات نفذها مستوطنون غاضبون على قرى فلسطينية واستخدام إسرائيل للقوة الجوية ضد مسلحين في تحرك غير معهود.
وتجلت بوضوح هشاشة الأوضاع في الضفة الغربية بعد معركة بالأسلحة النارية وقعت الأسبوع الماضي قُتل فيها سبعة فلسطينيين وأُصيب أكثر من 90، تلاها بعد يوم واحد مقتل أربعة إسرائيليين وأعمال تخريب في القرى الفلسطينية نفذها مستوطنون إسرائيليون.
وكشفت هذه الأحداث الضعف الذي وصلت إليه السلطة الفلسطينية في مواجهة المئات من المسلحين الفلسطينيين في المدن المضطربة مثل جنين ونابلس، فيما يوجه توسع المستوطنات الإسرائيلية المزيد من الضربات لآمال الفلسطينيين في إقامة دولة على الأرض التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967.
وقتلت القوات الإسرائيلية حتى الآن هذا العام 174 فلسطينيا من بينهم مدنيون، لكن معظمهم من المسلحين. وفي الوقت نفسه قُتل 24 إسرائيليا وأجنبيا في هجمات شنها فلسطينيون في الضفة الغربية والقدس وفي بعض المدن الإسرائيلية.
والضفة الغربية في جوهر تطلعات الفلسطينيين لتأسيس دولة تشمل قطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية. لكن عملية السلام مصابة بالجمود التام منذ فترة طويلة. وبالنسبة إلى إسرائيل تشكل الضفة الغربية أهمية إستراتيجية ودينية. وهي معروفة في إسرائيل بيهودا والسامرة وبها مواقع ذكرت في التوراة وهو عامل جذب للاستيطان.
وتتزايد أنشطة حماس في الضفة الغربية. وفي حين أن وجودها لم يكن هو الشرارة التي أججت المواجهات المسلحة الأخيرة في المنطقة، استغلت حماس بمهارة الوضع الحالي لتوسيع نفوذها.
وخير مثال على ذلك هو دعمها الإعلامي والمالي لمجموعة “عرين الأسود”، وهي جماعة مسلحة ظهرت في نابلس في أواخر عام 2022 واكتسبت شعبية فلسطينية واسعة النطاق. وبالإضافة إلى قيام أعضاء حماس بترسيخ أنفسهم في هذا التنظيم المشكّل حديثًا، شهد نشاط جناحها العسكري كتائب القسام زيادة ملحوظة، خصوصًا في منطقة جنين.
◙ حماس تهدف من وراء استعراض القوة إلى توجيه رسالة لتل أبيب بأنها على أتم الاستعداد للدخول في مواجهة مفتوحة معها إذا قررت المغامرة
ومن المثير للاهتمام أن كتائب القسام بدأت تظهر علنا إلى جانب فصائل مسلحة أخرى أكثر نفوذًا في شمال الضفة الغربية، مثل كتائب الأقصى التابعة لفتح وأعضاء حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.
ونتيجة لذلك لعبت حماس مؤخرًا أيضًا دورًا فعالًا في التأثير على مجرى الأحداث في جميع أنحاء الضفة الغربية. ويقول الكاتب والمحلل الفلسطيني طلال عوكل إن “حماس موجودة بقوة في الضفة وهي جزء من حالة المقاومة ولديها إمكانيات كبيرة وعناصر مدربة”. ويضيف عوكل “تعرف حماس جيدا نتائج هذا العمل، وتريد أن تقول إنها موجودة كما سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في جنين، وكما عرين الأسود في نابلس، وهي عنصر عامل وقوي في المواجهة”.
ومنذ نهاية 2008 خاضت الفصائل المسلحة في القطاع مع إسرائيل أربع حروب، والعديد من المواجهات العسكرية. وشهد مايو الماضي تصعيدا دمويا بين الجانبين أسفر عن مقتل 34 فلسطينيا بينهم ستة من القادة العسكريين لحركة الجهاد الإسلامي، ومقاتلون من فصائل أخرى ومدنيون بينهم أطفال، بالإضافة إلى إسرائيلية.
وكانت المواجهات الأخيرة الأعنف بين غزة وإسرائيل منذ أغسطس 2022. وذكرت الأمم المتحدة نقلا عن مسؤولين محليين في قطاع غزة أن جولة التصعيد الأخيرة دمّرت نحو 103 منازل تدميرا كاملا فيما لحقت أضرار بالغة بنحو 140 منزلا. وتفرض إسرائيل حصارا مشدداً على قطاع غزة الفقير والمكتظ بسكانه البالغ عددهم أكثر من 2.3 مليون نسمة أكثر من ثلثيهم من اللاجئين الفقراء. ويعاني القطاع من بطالة تزيد عن 50 في المئة، بحسب بيانات للبنك الدولي.
العرب