تحذيرات من طابور خامس وفتنة طائفية غداة مقتل مسيحيين شمال لبنان

تحذيرات من طابور خامس وفتنة طائفية غداة مقتل مسيحيين شمال لبنان

بيروت – هزّت منطقة القرنة السوداء شمال لبنان، حادثة أودت بحياة شابين مسيحيين برصاص مجهولين، في ظل علامات استفهام حول أبعادها وتوقيتها ومدى ارتباطها بافتعال فتنة طائفية بين بشري المارونية وبقاعصفرين السنية على خلفية الخلاف العقاري حول ملكية القرنة السوداء أو مدى ارتباطها بتوجيه رسالة سياسية إلى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على خلفية موقفه في الانتخابات الرئاسية.

غير أن الاتصالات الفورية التي سُجّلت، ساهمت في احتواء الغضب الذي عمّ بشري، ولعبت القوات اللبنانية دورا حاسما في ضبط النفس والتعقّل ومنع شباب البلدة من القيام بأي ردود فعل، حرصا على عدم الانجرار إلى أي فتنة بين المسيحيين والسنّة كي تبقى منطقة الشمال أرضا للعيش المشترك، وذلك بعد توجه بعض شبان بشري بمبادرة فردية بالسلاح إلى الجرود، حيث تواجهوا مع عناصر الجيش اللبناني، ما أدى إلى إطلاق نار تسبّب بوقوع جرحى بينهم منصور سكر، في وقت أوقفت استخبارات الجيش شبانا من منطقة الضنية يُشتبه بعلاقتهم بالحادثة.

والسبت، تعرّض شاب مسيحي من منطقة بشري لإطلاق نار في منطقة “القرنة السوداء” ما أدّى إلى مقتله، ولاحقا في اليوم نفسه قُتل شاب مسيحي آخر في المنطقة ذاتها، وفقا للجيش.

وأضاف الجيش، في بيان، أن عناصره نفذت انتشارا في المنطقة، وأوقفت عددا من الأشخاص وضبطت أسلحة وذخائر.

والشابان المقتولان من “آل طوق”، وهما هيثم طوق ومالك طوق، بحسب وسائل الإعلام المحلية.

ومن حين إلى آخر، تظهر نزاعات بين أهالي منطقتي الضنية وبشري حول ملكية أراضٍ ومراعٍ وتتطور إلى تعديات وإشكالات عادة ما يتدخل الجيش والقوى الأمنية لاحتوائها.

ولفتت إشارة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان إلى “طابور خامس يسعى إلى تسعير الفتنة والاصطياد بالماء العكر”، وهو أجرى اتصالا هاتفياً برئيس “تيار الكرامة” النائب فيصل كرامي، تناول خلاله الحادثة التي شهدتها القرنة السوداء، ودعاه إلى “المساهمة في تهدئة الأمور وإلى الإصرار على استخدام لغة العقل وتحكيم الوجدان الوطني”.

وكانت أنباء تحدثت عن اتصالات حصلت سابقا بين النائب كرامي، ومسؤول حزب الله في الشمال محمد صالح، الذي حثّ كرامي على فعل كل ما بوسعه بغية إعطاء ملكية القرنة السوداء لبلدية بقاعصفرين، ولو اضطره ذلك إلى الهيمنة عليها بكل الوسائل.

غير أن موقع “لبنان 24” أورد نقلا عن مصادر مطلعة، نفي حزب الله بشكل قاطع أي علاقة له بما حصل في القرنة السوداء، وأنه “اتخذ اجراءات احترازية لمنع تفلت الأمور وذلك لضبط أي احتكاك مع بيئته الحاضنة التي تقع على تماس في بعض الأماكن مع بشري”.

ولفتت المصادر إلى “أن الحزب الله سيعمل على ضبط الوضع، تخوفاً من تدحرج الأمور لأنها قد تنعكس سلباً على الاستقرار في الكثير من المناطق اللبنانية، وهذا خط أحمر لا يجب تجاوزه”.

على خط آخر، اتصل النائب اللواء أشرف ريفي برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وقال “هذه الجريمة مشبوهة، وقد سبقها منذ أشهر قطع كابلات التزلج، لذلك نخشى من فتنة مدبّرة، ونؤكد لأهلنا في بشري، أن شهيدهم هو شهيد جميع اللبنانيين، ونحن معهم لتوقيف القاتل ومحاكمته”.

وأضاف “أكدنا مسؤولية أجهزة الدولة في توقيف القاتل ومحاكمته، ومعالجة تداعيات الجريمة بحكمة. وأكدنا مع جعجع، أن الأولوية لتحقيق العدالة، وكلنا ثقة بأن الهدف من الجريمة حصول فتنة بين منطقتَي بشري والضنية، وهو ما سنواجهه لأن أهالي الضنية وبشري جيران وأهل. كما أكدنا سويةً أننا لن نستبق التحقيق قبل جلاء الأمر من خلال تحقيق سريع موضوعي وشفاف”.

وتلقى جعجع اتصالات من مفتي الجمهورية والنائبين فؤاد مخزومي وعبدالعزيز الصمد، الذين أبدوا استنكارهم الشديد وأسفهم لسقوط الضحايا، مقدمين التعازي لأهالي الضحايا خصوصاً، وأهالي بشري عموما، وشددوا على “ضرورة أن تجرى التحقيقات بسرعة لكشف المجرمين وسوقهم إلى العدالة في أقرب وقت ممكن”.

وأشعل هذا الحادث ردود فعل واسعة، فكشفت النائبة المسيحية عن قضاء بشري ستريدا جعجع، عبر بيان، أنها اتصلت بقائد الجيش العماد جوزيف عون وطلبت منه إرسال قوّة من الجيش بأسرع ما يكون إلى المنطقة، وشددت على ضرورة إجراء التحقيقات اللازمة واعتقال المجرمين وتقديمهم إلى العدالة.

ورأى النائب وليم طوق “أن هذه الجريمة الشنيعة لم ينفذها مسلحون مجهولون، بل قناصون غادرون يتربصون في نطاق أرضنا في “قمة الشهداء” بقصد الاستيلاء عليها. كما أن هذه الجريمة الشائنة ما كانت لتحصل لولا تراخي السلطات القضائية في حسم تثبيت الحدود منذ أكثر من سنتين”.

وقال إن “الدعوة إلى ضبط النفس لا تعني إطلاقا التساهل أو التفريط بدم الشهيد بل تعني الالتزام بقيمنا الاخلاقية والوطنية، والتمسك بتحصيل حقوقنا بأيدينا في حال تقاعس السلطات والأجهزة المعنية”.

وتابع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الحادث عبر سلسلة اتصالات أبرزها مع قائد الجيش والمراجع الأمنية والقضائية المختصة. وشدّد على أن “هذا الحادث مدان وستتم ملاحقة مرتكبيه وتوقيفهم ليأخذ القانون مجراه وليكونوا عبرة لغيرهم”.

ولفت خلال اتصال مع النائبة جعجع إلى “ضرورة تحلي الجميع بالحكمة وعدم الانجرار إلى أي ردود فعل خصوصاً في هذا الظرف الدقيق الذي نعيشه”.

وعلى خط احتواء الفتنة في مهدها، صدر بيان مشترك عن طرابلس والشمال اللبناني الشيخ محمد إمام ورئيس أساقفة الأبرشية المارونية بالمدينة المطران يوسف سويف جاء فيه أن دار الفتوى والمطرانية المارونية تهيبان بالأهالي “الذين يعيشون جنبا إلى جنب منذ مئات السنين في منطقتي بشري (مسيحية) والضنية (سنية) أن تزيدهم هذه الحادثة إصرارا على اللحمة الوطنية ووعيا وقدرة على احتواء هذا الألم المشترك”.

وحذر البيان المشترك أهالي المنطقتين من “الانجرار إلى أي فتنة طائفية أو مناطقية”، وشدد على ضرورة “السرعة القصوى للقبض على الفاعلين ومحاسبتهم، وأن يبذل الأهالي كل جهدهم للمساعدة في كشف الجناة وتقديمهم إلى المحاكمة العادلة”.

وحثّ الأجهزة القضائية المختصة على “سرعة البت بتحديد عقاري نهائي وواضح في هذه المنطقة وغيرها منعا لمثل هذه النزاعات حول الأراضي المتجاورة وتخومها، والتي تشكل عامل توتر بين أهالي المناطق وتذهب جراءها أرواح غالية”.

وكذلك، اتصل رئيس مجلس النواب نبيه بري بالنائب فيصل كرامي ودعاه إلى “توخّي الحكمة في التعامل مع الحادثة الأليمة التي أودت بحياة الشاب هيثم طوق”، كما دعا من خلاله “أهالي بقاعصفرين والضنية إلى عدم الانجرار وراء الاحكام المسبقة والشائعات بانتظار جلاء الحقيقة الكاملة”.

وأجرى رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان اتصالاً هاتفياً ظهر الأحد، بكل من رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، ورئيس تيّار الكرامة النائب فيصل كرامي والنائب وليام طوق، أعرب خلاله عن استنكاره الشديد للجريمة النكراء التي أودت بحياة الشابين هيثم ومالك طوق.

ودعا أرسلان، وفق بيان، أبناء الشمال عموما ومنطقة بشرّي على وجه الخصوص إلى التحلّي بالصبر وتحكيم لغة العقل والإحتكام إلى المؤسسة العسكرية والأجهزة القضائية والأمنية، والذين يقع عليهم واجب كشف ملابسات الحادثة الأليمة ومحاسبة الفاعلين بالسرعة القصوى.

وعبّر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عن ألمه لحادثة القرنة السوداء، وقال “نعوّل على الجيش لضبط الأمن لصالح الجميع كما على أهالي بشري ضبط النفس”.

من ناحيته، كتب رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية عبر تويتر “كل التعاطف مع ذوي الضحايا في بشري وعسى دماؤهم قرباناً على مذبح وحدة الوطن. وإننا إذ ندعو إلى التحلي بالحكمة قطعاً للطريق على أي فتنة، نناشد السلطات الأمنية والقضائية العمل وبسرعة لكشف الحقيقة وإحقاق العدالة”.

العرب