دأب حزب الله على افتعال أزمات خارجية كلما ضاق عليه هامش المناورة داخليا. ويجد الحزب في مناوشة إسرائيل دون تخطي الخطوط الحمراء متنفسا لتحويل الأنظار.
بيروت – اتخذ حزب الله في لبنان من بعض الإجراءات الأمنية الإسرائيلية الجديدة في محيط بلدة الغجر مدخلا لإثارة أزمة بدل الانكباب على معالجة أزمات لبنان.
وعلى الرغم من أن الإجراءات الإسرائيلية تبدو روتينية بالنسبة إلى أراض ما تزال محتلة، إلا أن الحزب اختار أن يجعل منها قضية تستوجب إطلاق الصواريخ، بينما كان من الممكن معالجتها من خلال بعثة الأمم المتحدة “يونيفيل” المسؤولة عن مراقبة وقف إطلاق النار في المنطقة.
وقامت وحدة تابعة لحزب الله بإطلاق صاروخ من محلة بسطرة (بين كفرشوبا والماري) جنوباً باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى الإعلان عن شنّ هجمات على منطقة إطلاق الصاروخ.
واستهدف القصف الإسرائيلي المنطقة الواقعة بين كفرشوبا وحلتا وكفرحمام جنوب لبنان، وشمل إطلاق 15 قذيفة من عيار 155 ملم.
ووصف حزب الله الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة في القسم الشمالي اللبناني من بلدة الغجر الحدودية بـ”الخطيرة”، وقال في بيان إنها “تطال القسم اللبناني المعترف به من قبل الأمم المتحدة كجزء من الأراضي اللبنانية الذي لا نقاش فيه ولا نزاع حوله”.
وأشار إلى أن “هذه الإجراءات المتمثلة بإنشاء سياج شائك وبناء جدار إسمنتي حول كامل البلدة شبيه بما تقوم به على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، تفصل البلدة عن محيطها الطبيعي التاريخي داخل الأراضي اللبنانية”.
وقال إن “هذه الإجراءات الخطيرة والتطور الكبير هو احتلالٌ كاملٌ للقسم اللبناني من بلدة الغجر بقوة السلاح وفرض الأمر الواقع فيها، وهو ليس مجرد خرق روتيني مما اعتادته قوات الاحتلال بين الفينة والأخرى”.
وفي ما يشبه الدعوة إلى نسيان أزمة الفراغ الرئاسي، دعا الحزب “الدولة اللبنانية بمؤسساتها كافة، ولاسيما الحكومة، والشعب اللبناني بقواه كافة السياسية والأهلية، إلى التحرك لمنع تثبيت هذا الاحتلال، وإلغاء الإجراءات العدوانية التي أقدم عليها، والعمل على تحرير هذا الجزء من أرضنا وإعادته إلى الوطن”.
ويقول مراقبون إن حزب الله يحاول اختلاق معركة مع إسرائيل لأجل أن يعود فيظهر فيها وكأنه يدافع عن أرض لبنانية محتلة، بينما الهدف الحقيقي هو إطالة أمد أزمة الفراغ الرئاسي، ريثما تجد الأطراف اللبنانية الأخرى أن الأوضاع في البلاد باتت من السوء بحيث لا يوجد سوى مخرج واحد منها هو الرضوخ لمرشح الحزب. وهي لعبة نجح حزب الله في لعبها في السابق عندما أطال أمد الفراغ الرئاسي لعامين وخمسة أشهر، بدأت بانتهاء ولاية الرئيس الأسبق ميشال سليمان يوم 25 مايو 2014، وانتهت في 31 أكتوبر2016 بانتخاب الرئيس السابق ميشال عون، عندما رضخ المعارضون لإرادة الحزب خوفا من تداعيات الفراغ في البلاد.
وفي الرد على التصعيد الجديد، قال عضو تكتل الجمهورية القوية النائب غياث يزبك “يبدو أن ترسيم الحدود البحرية الذي أَوجد سلاماً غير معلن بين الدويلة (يقصد الدولة الموازية التي يقودها حزب الله) و’دولة’ إسرائيل، انسحب على الحدود البرية وصولاً إلى الغجر، وأسقط الأقنوم الثالث من معادلة ‘الجيش والشعب والمقاومة’. عندما يعلِن حزب الله الحروب لا يستشير اللبنانيين، فليبلِغهم، أقلّه، بسلامه المعقود مع العدو”.
وكان الحزب في سياق صنع الأزمة تعمّد إقامة خيام تتجاوز الخط الأزرق لأجل دفع إسرائيل إلى الرد، ومن ثم لكي يتطور الرد إلى تبادل للرسائل الصاروخية. وهي رسائل يقرأها اللبنانيون على نحو يقول: لا تنتظروا مخرجا قريبا من الأزمة السياسية.
وفي محاولة لاستعادة زمام المبادرة، وإعادة الأزمة إلى سياقاتها المعتادة، استقبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا ووفدا من قيادة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان بقيادة القائد العام الجنرال أرولدو لازارو. وتم خلال اللقاء التركيز على التزام لبنان بالقرارات الدولية وبالخط الأزرق وضرورة الحفاظ على الهدوء والاستقرار في الجنوب.
والتوتر حول بلدة الغجر قائم منذ عدة سنوات في سياق النزاع حول مزارع شبعا التي تعتبرها إسرائيل جزءا من الجولان تابعا لسوريا، ويعتبرها لبنان جزءا من أراضيه، إلا أن توقيت تبادل الصواريخ بين حزب الله وإسرائيل أثار تساؤلات عما إذا كان الطرفان يسعيان لخدمة بعضهما البعض بافتعال أزمة لكي تغطي على أزمة أخرى.
وكان لبنان ندد بمنع إسرائيل دخول مواطنيه إلى قرية الغجر واتهمها بمحاولة ضم وقضم للحقوق، ووصفت الخارجية هذه الخطوات بأنها “خرق واضح لقرار مجلس الأمن رقم 1701”.
وقال بيان للخارجية اللبنانية إن هذا الأمر يخلق واقعًا جديدا على الأرض، ودعا كافة الأطراف الدولية إلى التدخل من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين واستقرار الجنوب، مطالبا بالضغط على تل أبيب لوقف هذه الخطوات.
العرب