تجد الحكومة العراقية نفسها في موقف صعب مع عودة انقطاعات التيار الكهربائي بفعل إيقاف إيران لإمدادات الغاز بعد تعثر سداد ديون بغداد المستحقة لطهران نتيجة العقوبات الأميركية. وتخشى الحكومة ومن خلفها الإطار التنسيقي أن يؤدي هذا الوضع إلى ردود فعل في الشارع العراقي، لاسيما في ظل موجة الحرارة القياسية التي تشهدها بعض المحافظات.
بغداد – حمّل الإطار التنسيقي الذي يمثل القوى الشيعية الموالية لإيران في العراق، وهو صاحب الكتلة النيابية الأكبر، الولايات المتحدة مسؤولية عودة الانقطاعات في التيار الكهربائي في البلاد، برفضها الإفراج عن مستحقات مالية لطهران تدفعها بغداد مقابل الحصول على الغاز.
وزادت في الآونة الأخيرة شكاوى العراقيين من كثرة انقطاعات التيار الكهربائي والتي تصل إلى 16 ساعة يوميا في ظل ارتفاع كبير في درجات الحرارة بلغت مستويات قياسية في بعض المحافظات على الصعيد العالمي.
وعزت وزارة الكهرباء العراقية في وقت سابق عودة الانقطاعات إلى وقف إيران إمدادات الغاز التي تستخدم في توليد الطاقة الكهربائية نتيجة عدم تسديد العراق ديونا مستحقة لها.
وتشكل هذه الانقطاعات مصدر إحراج كبير لحكومة محمد شياع السوداني والمظلة السياسية الداعمة لها ولاسيما الإطار التنسيقي الذي يخشى من عودة الاحتجاجات إلى الشارع، في وقت لا يزال يحاول فيه لملمة جراح حراك تشرين.
وبفعل العقوبات الأميركية على طهران، لا يمكن لبغداد أن تدفع مستحقات استيراد الغاز من إيران مباشرةً، بل ينبغي أن تستخدم طهران تلك الأموال لشراء سلع غذائية أو صحية. لكن هذه الآلية معقدة وغالباً ما تكون هناك تأخيرات.
ولترغم بغداد على دفع تلك المستحقات، تقطع إيران مراراً الإمدادات الضرورية لتشغيل محطات الكهرباء وتغطية ثلث احتياجات البلد الغني بالموارد النفطية، من الغاز. وقال الإطار التنسيقي في بيان الأحد إن البلاد تشهد “أزمة باتت تثقل كاهل المواطن العراقي بسبب قلة التجهيز بساعات الكهرباء في ظل الظروف المناخية الصعبة وارتفاع درجات الحرارة”.
وطلب الإطار، وفق البيان، من “الحكومة العراقية من خلال وزارة الخارجية الاتصال بالجانب الأميركي وحمله على الإطلاق الفوري للمستحقات المالية المترتبة عن استيراد الغاز الإيراني دون تأخير أو مماطلة وعدم استخدام هذا الملف سياسيا لتلافي انعكاساته السلبية على المواطنين العراقيين”. ومن جهتها جددت وزارة الكهرباء العراقية الأحد، تأكيدها على أنها سددت جميع الديون المترتبة بذمتها من استيراد الغاز الإيراني لتغذية محطات التوليد.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى في تصريحات لوسائل إعلام محلية إن “وزارة الكهرباء غير معنية بتحويل الأموال إلى الجانب الإيراني عن استيراد الغاز، وأن مصرف التجارة العراقي هو المعني بتسديد الديون والحوالات المالية إلى الجانب الإيراني”. وأضاف موسى أن “الوزارة دفعت الأموال بشكل كامل إلى المصرف العراقي للتجارة عن قيمة الغاز المورد من إيران إلى العراق”.
بدوره أكد عضو لجنة الكهرباء النيابية كامل العكيلي لوكالة “شفق نيوز” أن “وفداً من لجنة الكهرباء النيابية زار وزارة الكهرباء واجتمع مع المسؤولين فيها للوقوف على أسباب تراجع ساعات تجهيز الطاقة الكهربائية وانخفاض الغاز المورد من إيران إلى العراق”.
وأوضح أن “الوزارة تقوم بتحويل الأموال المخصصة لتسديد تكاليف الغاز الإيراني إلى المصرف العراقي للتجارة، والمشكلة الرئيسية لأزمة الكهرباء يتحملها المصرف ومن أودع الأموال ووقع العقد مع المصرف”.
وأضاف العكيلي “الأموال التي أودعت من قبل وزارة الكهرباء لصالح إيران في المصرف تبلغ أكثر من ثلاثة مليارات دولار كديون للغاز المورد للسنوات الثلاث الماضية، وإيران خفضت نسبة الغاز المورد بسبب عدم استلام الديون السابقة”.
ولفت إلى أن “المصرف ملتزم بتعليمات الحظر المفروض على إيران المتعلق بعدم التعامل التجاري معها ولذلك لا يستطيع تحويل أو إيصال أموال الغاز الإيراني المورد إلى طهران”. وأواخر يونيو أكّد الناطق باسم وزارة الكهرباء العراقية أن المبلغ المستحق لإيران “يبلغ 11 مليار دولار”.
وبسبب العقوبات الأميركية على إيران، ينبغي أن يتم التصريح بدفع تلك الأموال عبر استثناء أميركي. وفي 13 يونيو أكدت الولايات المتحدة التي نادرا ما تتحدّث عن هذا الموضوع، أنها صرّحت بدفع جزء من الأموال، بدون أن تكشف عن المبلغ.
◙ لتقليل اعتمادها على الغاز الإيراني تدرس السلطات العراقية تنويع مصادرها من الغاز والطاقة، كالاستيراد من الخليج لاسيما قطر
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في مؤتمر صحفي حينها “وافقنا على تحويل مالي مطابق للتحويلات المالية التي تمت الموافقة عليها سابقاً، للسماح لإيران بالوصول إلى الأموال المحجوزة في حسابات في العراق”.
ويعدّ ملف الغاز والكهرباء حساساً بالنسبة إلى العراق حيث تضرب درجات حرارة شديدة الارتفاع معظم مناطقه خلال الصيف وتزداد الأمور سوءاً بسبب الانقطاع المتكرر اليومي للكهرباء، ما يزيد من غضب الشارع ويثير أحياناً تظاهرات في بلد بنيته التحتية متهالكة بفعل عقود من النزاعات والفساد المستشري.
ولتقليل اعتمادها على الغاز الإيراني، تدرس السلطات العراقية تنويع مصادرها من الغاز والطاقة، كالاستيراد من الخليج لاسيما قطر، ومحلياً عبر استغلال الغاز المصاحب لإنتاج النفط والذي يجري حرقه ويشكّل مصدراً كبيراً للتلوث، لكن دخول مثل هذه الخيارات حيز التنفيذ قد يحتاج إلى سنوات، لدوافع فنية وعلى الأغلب سياسية، ما يعني أن العراق سيبقى رهين الغاز الإيراني على المدى المنظور.
العرب