مصر تغامر بتفاقم التضخم في ظل زيادة المعروض النقدي

مصر تغامر بتفاقم التضخم في ظل زيادة المعروض النقدي

تغامر مصر بالتسبب في تفاقم التضخم القياسي إلى مستوى أكثر إزعاجا، ووضع المزيد من الضغط على الجنيه المنهار ما لم تبطئ وتيرة زيادة المعروض النقدي الذي يقول مصرفيون ومحللون إنه يُستخدم لسد العجز المتزايد في الميزانية السنوية.

القاهرة – تسارع نمو المعروض النقدي بالسوق المصرية بشكل حاد على مدى ثلاث سنوات تكشفت خلالها نقاط الضعف الأساسية في الاقتصاد بعد تعرضه لسلسلة من الصدمات بما في ذلك الجائحة والحرب في أوكرانيا.

وتظهر أرقام البنك المركزي أن المعروض النقدي، الذي يشمل العملة المحلية المتداولة والودائع تحت الطلب بالعملة المحلية، قفز 31.9 في المئة خلال عام حتى نهاية مايو الماضي.

وكان تسجيل هذا الرقم بعدما زاد 23.1 في المئة في السنة المالية المنتهية في نهاية يونيو الماضي و15.7 في المئة في السنة المالية 2020 – 2021.

وتتعرض المالية العامة للدولة لضغوط بسبب عجز مستمر في العملة الأجنبية، والديون المتزايدة التي تحتاج لإعادة تمويل أو سداد 20 مليار دولار منها خلال الإثني عشر شهر المقبلة.

في غضون ذلك، ارتفع الإنفاق بدرجة كبيرة مع سعي الدولة لتنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة تشمل مدنا جديدة وتوسعة كبيرة لشبكة الطرق بينما تحاول الاستمرار في تقديم بعض الدعم في ظل تدني مستويات المعيشة.

وتتوقع وزارة المالية أن يبلغ عجز الميزانية 824.4 مليار جنيه (26.7 مليار دولار) في السنة المالية الحالية التي بدأت مطلع يوليو الجاري، ارتفاعا من عجز تقديري قدره 723 مليار جنيه في السنية المالية الماضية و486.5 مليار جنيه في السنة التي قبلها.

كما تظهر بيانات الوزارة أنها تتوقع ارتفاع الإنفاق الإجمالي إلى نحو 2.07 تريليون جنيه هذا العام من حوالي 1.81 تريليون جنيه في العام المالي الماضي.

ويرى المحللون أن طباعة المزيد من الجنيهات بوتيرة سريعة قد يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة التضخم وزيادة ضعف العملة.

وقال باترك كوران كبير الاقتصاديين في شركة تيليمر لرويترز إنه “في ضوء القدرة المحدودة على الحصول على تمويل خارجي وتعرض القطاع المصرفي للديون الحكومية بنسبة كبيرة، فإن الإخفاق في كبح عجز الميزانية قد يؤدي إلى المزيد من التمويل”.

وأوضح أن ذلك سيتم من خلال زيادة المعروض النقدي في السوق المحلية الذي سيتسبب في تفاقم مشاكل التضخم والعملات الأجنبية في مصر.

وتسارع معدل التضخم في المدن المصرية إلى 35.7 في المئة في يونيو متجاوزا مستواه القياسي السابق المسجل في 2017 ومقارنة مع 30.6 في المئة في أبريل بينما قفز التضخم الأساسي لمستوى قياسي أيضا مسجلا 41 في المئة.

وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري رفع جي.بي مورغان توقعاته لمتوسط معدل التضخم في السنة المالية الجديدة التي تنتهي في يونيو 2024 إلى 22.7 في المئة من نحو 21.3 في المئة “نتيجة استمرار الضغوط (التضخمية) وبسبب مخاطر العملة الأجنبية”.

ومن المتوقع أن يبلغ متوسط التضخم الأساسي في السوق المصرية بحسب البنك الاستثماري الأميركي نحو 23.5 في المئة.

وتراجع سعر الصرف الرسمي للجنيه بواقع النصف أمام الدولار منذ مارس 2022 وبأكثر من ذلك في السوق السوداء. وتتوقع سوق العقود الآجلة للعملة أن يهبط الجنيه إلى 40 جنيها مقابل الدولار خلال العام المقبل من حوالي 30 جنيها حاليا.

ويرجع جزء كبير من العجز في الميزانية المصرية إلى ارتفاع أسعار الفائدة على الدين الداخلي والخارجي، الذي سجل زيادة كبيرة خلال الثماني سنوات الماضية.

وتفاقمت فاتورة الفوائد بعدما بدأ مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي (البنك المركز) رفع أسعار الفائدة في مطلع العام الماضي ومع تفادي المستثمرين لديون الأسواق الناشئة.

وترجّح وزارة المالية المصرية أن تستهلك مدفوعات خدمة الدين الداخلي والخارجي حوالي 52.3 في المئة من إيراداتها في السنة المالية الحالية.

ومن المقرر صرف قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي على مدى 46 شهرا بعد تأكيده في ديسمبر الماضي، غير أن المراجعة الأولى للبرنامج تأجلت وسط عدم تيقن بشأن تعهد مصر بالانتقال إلى سعر صرف مرن وبيع أصول مملوكة للدولة.

الديون السيادية تواجه خطر المزيد من خفض التصنيف الائتماني بسبب احتمال تخلف القاهرة عن السداد

ويقول مصرفيون ومحللون إن الطريقة الأساسية التي زاد بها البنك المركزي المعروض النقدي هي الإقراض المباشر للحكومة بما يشمل شراء سندات حكومية.

ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ما أعلنه البنك المركزي عن صافي المطالبات المستحقة على الحكومة الذي قفز إلى 1.48 تريليون جنيه بنهاية مايو الماضي من 1.06 تريليون جنيه بنهاية يونيو 2022، وذلك بحسب البيانات الرسمية.

وثمة احتمال أن ترتفع فاتورة الفائدة على الدين المحلي أكثر بعد رفع الفائدة لأجل ليلة بمقدار ألف نقطة أساس منذ مارس 2022.

وقفز سعر الفائدة على أذون الخزانة لأجل عام واحد إلى 24.07 في المئة في أحدث مزاد في السادس من يوليو الحالي من 14.09 في المئة قبل عام.

وعلى مدى الأشهر الخمسة المنقضية، خفضت وكالات التصنيف الائتماني موديز وستاندرد آند بورز وفيتش تصنيف الدين السيادي لمصر.

وفي مايو الماضي وضعت موديز القاهرة قيد المراجعة، التي تستغرق في العادة ثلاثة أشهر، من أجل خفض آخر محتمل وعزت ذلك لبطء التقدم في بيع الأصول.

ومن شأن تخفيض ائتماني آخر من موديز أن يجعل تصنيف مصر يتراجع من بي 3 إلى سي.أي.أي على الأقل بما يشير إلى “موقف ضعيف وتعرض لمخاطر ائتمانية مرتفعة”.

العرب