تكبدت الجزائر خسائر سياسية واقتصادية ضخمة بعد عدم تجديد الاتفاق بشأن خط أنبوب الغاز “المغاربي – الأوروبي” بسبب ما سمّته “الممارسات ذات الطابع العدواني من المملكة المغربية”، في المقابل باتت الرباط تحصل على كافة حاجياتها من الأنبوب.
الرباط – كشفت أرقام عمليات تصدير الغاز من إسبانيا إلى المغرب عبر الأنبوب “المغاربي – الأوروبي” الذي كان سابقا يُستعمل في نقل الغاز من الجزائر نحو إسبانيا والبرتغال عبر المغرب، أن التشغيل العكسي للأنبوب بلغ طاقته شبه الكاملة في الأشهر الأربعة الأخيرة.
ويأتي ذلك في الوقت الذي كان فيه النظام الجزائري يسعى لعدم تجديد اتفاقية تصدير الغاز نحو أوروبا عبر الأنبوب الذي يمر من المغرب، بهدف التضييق على الرباط اقتصاديا وسياسيا.
وأصبح المغرب يحصل على كافة حاجياته من هذا الأنبوب، ما يشكل خسارة سياسية واقتصادية للجزائر.
ووفق الأرقام التي أعلنت عنها شركة “إيناغاز” الإسبانية المكلفة بنقل الغاز من إسبانيا إلى المغرب، فإن شحنات الغاز في الأشهر الأخيرة بلغت 90 في المئة من طاقة استيعاب النقل عبر الأنبوب “المغاربي – الأوروبي”، بعد إيقاف اتفاقية نقل الغاز من الجزائر إلى إسبانيا عبر التراب المغربي.
وتصل قدرة الأنبوب إلى نقل 960 جيغاواط في الساعة، ما يعني أن عملية التشغيل العكسية اقتربت من الوصول إلى الطاقة القصوى، علما أنه تم في شهر مايو الماضي تسجيل نقل 864 جيغاواط في الساعة، وفي يونيو 840 جيغاواط.
وعاد خط أنبوب “الغاز المغاربي – الأوروبي” إلى العمل منذ أواخر يونيو 2022 بتدفق عكس ما كان عليه الحال قبل قرار الجزائر إيقاف تصدير الغاز عبره إلى إسبانيا في أكتوبر، وكان شاهدا على نقل أول شحنة تصدر عبر هذا الخط تم شراؤها من قبل المغرب في الأسواق الدولية وتفريغها في مصنع إعادة تحويل الغاز في إسبانيا.
وكان المغرب قد قلل من شأن قرار الجزائر عدم تجديد الاتفاق بشأن خط أنبوب الغاز، مؤكدا على أنه لن يكون له حالياً سوى تأثير ضئيل على أداء نظام الكهرباء الوطني.
وأفقد قرار غلق خط أنبوب الغاز “المغاربي – الأوروبي” بشكل أحادي منذ أواخر أكتوبر 2021 الجزائر منفذا لزيادة صادراتها من الغاز نحو أوروبا، وجعلها تعتمد على أنبوب “ميدغاز” نحو إسبانيا بطاقة منخفضة غير قادرة على تلبية كافة حاجيات البلدان المتعاقدة معها.
وأكد نبيل الأندلوسي الباحث في العلاقات الدولية أن “هذه المعطيات تؤكد أن الدبلوماسية الاقتصادية للمغرب نجحت في حماية أمن الطاقة الوطني الذي حاولت الجزائر تهديده بقطع إمداد الغاز عبر الأنبوب المغاربي، وذلك بعد قبول الحكومة الإسبانية استقبال السفن المحملة بالغاز المسال من أسواق دولية، وتحويله إلى طبيعته العادية وعكس ضخه عبر ذات الأنبوب إلى المغرب”.
وأضاف لـ”العرب” أن “نجاح المغرب في تجاوز ما كان يخطط له النظام الجزائري ضد مصالحه يتم في ظرفية دبلوماسية تتسم بتواتر النجاحات الدبلوماسية والسياسية في ملف الصحراء المغربية، ما يؤكد مصداقية المملكة ووزنها السياسي على المستويين الإقليمي والدولي والاحترام الذي تحظى به من إسبانيا”.
وأكد الأندلوسي أن “عكس ضخ الغاز نحو المغرب كان ضربة موجعة للنظام الجزائري، حيث خلف حرجا دبلوماسيا واقتصاديا وأيضا سياسيا بعدما تجاوزت الرباط التداعيات المفترضة لعدم تجديد الاتفاق بشأن خط أنبوب الغاز المغاربي – الأوروبي”. وتحصل إسبانيا على الوقود الجزائري من خط منفصل يعرف باسم “ميدغاز” وعبر سفن الغاز الطبيعي المسال.
وعمل المغرب على تنويع مصادر إنتاج الطاقة، وتتكون من 60 في المئة من البترول و25 في المئة من الفحم و10 في المئة من الطاقات المتجددة فيما يمثل الغاز فقط 5 في المئة من إنتاج الكهرباء بالمغرب.
وفي بداية إعادة فتح خط أنابيب الغاز، كانت الكميات المنقولة إلى المغرب قليلة جدًا، لكن في الأشهر الأخيرة ارتفعت الصادرات بشكل كبير، وفق موقع ”مغرب انتليجنس”.
ويرى خبراء في الاقتصاد أن الجزائر فشلت في مخططاتها غير المحسوبة جيدا بتخليها عن أنبوب الغاز عبر المغرب والذي كانت له تبعات مالية واقتصادية ضخمة، حيث أن الجزائر تعتمد بشكل كبير على عائدات الغاز بنسبة 87 في المئة، وهو ما يعني أن الاعتماد على أنبوب واحد سيؤثر على العائدات الاقتصادية.
وجاء قرار النظام الجزائري بعدم تجديد الاتفاق بشأن خط أنبوب الغاز “المغاربي – الأوروبي” تحت مبرر ما سمّاه بـ”الممارسات ذات الطابع العدواني من المملكة المغربية”، بهدف التضييق على الرباط وخلق أزمة طاقة في المدن المغربية، لكن يبدو أن هذا التوجه فشل، إذ لم يكن له سوى تأثير ضئيل على أداء النظام الكهربائي المحلي، بعدما تمّ اتّخاذ الترتيبات اللازمة لضمان استمراريّة إمداد البلاد بالكهرباء.
واعتبر الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن “الجزائر تدفع اليوم تكلفة قراراتها واختياراتها الخاطئة عندما فضلت الاستثمار في مجالات بعيدة عن الاقتصاد والطاقة من أجل إشباع رغبتها في ضرب مصالح المغرب”.
ولا يشكل الغاز الجزائري سوى 3.3 في المئة من الإنتاج المغربي للطاقة، وهي النسبة التي سيكون على المغرب اقتناؤها من مزود آخر بكلفة تبلغ كمتوسط سنوي حوالي 160 مليون دولار، وهو ما يشكل فقط 0.65 في المئة من الميزانية العامة للمغرب.
ويندرج عكس تدفق الخط المغاربي ضمن بدائل التوريد الأخرى التي اعتمدها المغرب، منها الغاز الذي سيحصل عليه المكتب الوطني للماء والكهرباء من الشركة البريطانية “ساوند إنيرجي” ويمثل نصف الإمدادات التي كان يوفرها العقد الذي قررت الجزائر عدم تمديده، وحوالي ثلث الغاز المستورد من قبل المملكة.
العرب