نشرت صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية تحليلا لسوزان لينش وجاكوبو باريغازي، حول إمكانيات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
وجاء في التحليل تأكيد على أن عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لا تزال أمرا بعيد المنال، رغم ربط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بين هذا الأمر وموافقته على قبول عضوية السويد في حلف الناتو. غير أن الكاتبين شددا على أن قادة الاتحاد سينخرطون في بدائل مع أنقرة لمحاولة استرضائها، بينما لا يريدون التفريط في حليف بأهمية تركيا، لا سيما خلال هذه الفترة الحساسة.
ولفت الكاتبان إلى أن قادة ومسؤولي الاتحاد الأوروبي فوجئوا بطلب أردوغان إعادة فتح ملف انضمام بلاده للاتحاد مقابل الموافقة على عضوية السويد في الناتو، وهم يستكشفون الخيارات حول الأمر، لكن بالتأكيد لن يكون من بينها انضمام لأنقرة، على الأقل حاليا وفي المستقبل المنظور.
وأشار الكاتبان إلى أن أردوغان يعرف أن نفوذه في الناتو، ومكانته كوسيط بين روسيا وأوكرانيا يمنحانه نفوذا إضافيا في الغرب، لا سيما بعد تأكيد هيمنته على السياسة التركية بفوزه الأخير في الانتخابات.
قادة الاتحاد الأوروبي سينخرطون في بدائل مع أنقرة لمحاولة استرضائها، بينما لا يريدون التفريط في حليف بأهمية تركيا، لا سيما خلال هذه الفترة الحساسة.
وبادر مسؤولون آخرون إلى التحدث علنا حول رفضهم الربط بين ملف انضمام أنقرة للاتحاد وعضوية ستوكهولم في الناتو، مثل المستشار الألماني أولاف شولتس، والذي قال باقتضاب قبل مغادرته القمة السنوية لحلف الناتو في ليتوانيا: “هذه قضية وتلك قضية أخرى، وبالتالي أعتقد أنه لا ينبغي النظر إلى هذا على أنه مسألة ذات صلة”.
مزاعم الاتحاد الأوروبي لرفض عضوية تركيا
واستعرض الكاتبان مزاعم الاتحاد الأوروبي لرفض عضوية تركيا، حيث يتهم القادة الأوروبيون الرئيس التركي باتخاذ منعطف استبدادي، لا سيما خلال السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي يزعمون أنه تكرس بعد محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف 2016، بينما تقول أنقرة إن قيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لم تمس في البلاد، وإن التحركات ضد قادة الانقلاب ومموليه داخل البلاد تمت عبر أدوات قضائية وبعد تحقيقات شفافة.
وبحلول عام 2018، قال المجلس الأوروبي، في بيان، إن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد “وصلت إلى طريق مسدود”.
ومع ذلك، يعرف الاتحاد الأوروبي أنه يتعين عليه العمل مع تركيا، وهي جار حيوي وجسر مع روسيا وآسيا والشرق الأوسط.
تمتد محاولة تركيا للانضمام إلى النادي الأوروبي لما يقرب من 60 عامًا، وبالتحديد منذ عام 1959
وفي حين أن العضوية لا تزال غير مطروحة على الطاولة، يفكر المسؤولون الأوروبيون في الطريقة التي يمكن أن يتعاونوا فيها بشكل أكبر مع تركيا، يقول التقرير.
محاولة تركيا للانضمام إلى النادي الأوروبي لما يقرب من 60 عامًا
تمتد محاولة تركيا للانضمام إلى النادي الأوروبي لما يقرب من 60 عامًا، وبالتحديد منذ عام 1959 عندما تقدمت بطلب للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية، التي كانت مقدمة للاتحاد الأوروبي.
وفي عام 1999 تم منحها أخيرًا وضع “مرشح الاتحاد الأوروبي”، بعد فترة وجيزة من وصول أردوغان إلى السلطة.
ويرى مسؤول تركي أنه لولا الانقلابات العسكرية التي ضربت البلاد، لكانت أنقرة الآن عضوا في الاتحاد الأوروبي.
عقبة اليونان
ويشير التحليل إلى أن أزمة تركيا مع اليونان، والأخيرة عضو في الاتحاد الأوروبي، كانت إحدى الأزمات المحورية التي حالت دون انضمام أنقرة للكتلة الأوروبية.
فاليونان لديها مشكلات مع تركيا في شرق المتوسط وقبرص.
وأكد الكاتبان بأن هناك نقصا في الإرادة السياسية لبعض القادة الأوروبيين حيال مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا.
فعلى سبيل المثال، اعترف الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي عام 2011، بأن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي كانت أمرًا محظورًا بالنسبة لفرنسا.
شراكة الأمر الواقع
ويؤكد الكاتبان على “شراكة الأمر الواقع” التي جمعت بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، حينما استضافت الأولى آلاف اللاجئين مقابل تمويل أوروبي بمليارات اليوروهات، لكن هذا التعاون فشل في تغيير المضمون العام للعلاقة بين الجانبين.
ويشيران إلى تحرك أوروبي يتمثل في عقد محادثات، الأسبوع المقبل، على مستوى وزراء الخارجية، لمناقشة علاقات الكتلة مع تركيا وآفاقها المستقبلية.
وأكد الكاتبان أنهما حصلا على وثيقة دبلوماسية من الاتحاد الأوروبي، سيتم عرضها على الوزراء الأوروبيين، تقول إن محاولة انضمام أنقرة للاتحاد “تظل بلا حياة”، لكنها أقرت بأهمية أن يسعى الاتحاد لتأكيد مصالحه الاستراتيجية عبر علاقات جيدة مع تركيا.
هناك نقص في الإرادة السياسية لبعض القادة الأوروبيين حيال مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا.
وبحسب الوثيقة فعلى الرغم من الابتعاد التركي الأخير عن أوروبا وتوتر العلاقات، فإن أنقرة لا تزال تصر على أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هو “هدف استراتيجي”.
وتقترح الوثيقة على وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي النظر في كيفية “المساهمة بنشاط في الاستئناف السريع لمحادثات التسوية القبرصية” والتفكير في كيفية تعامل الاتحاد الأوروبي بشكل أفضل مع مصالح تركيا.
خيارات الاتحاد الأوروبي
ويؤكد الكاتبان أن أحد الخيارات التي يجري النظر فيها مبدئيًا هو تجديد الاتحاد
الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، والذي كان قائمًا منذ عام 1995، كما صرح بذلك مسؤولان مشاركان بشكل مركزي في سياسة الاتحاد الأوروبي وتركيا لـ “بوليتيكو”، دون الكشف عن هويتهما.
ويسهل الاتحاد الجمركي التجارة بين الشريكين، ولكنه في حاجة ماسة إلى التحديث ليعكس التغيرات في التكنولوجيا وسلاسل التوريد العالمية.
ويظل أحد أهم الأهداف لتركيا هو تحرير التأشيرة لمنح مواطنيها حرية السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي بدون تأشيرات لفترات طويلة.
ويبدو أن السويد قررت التحرك لدعم تركيا بفعالية في هذين الملفين (الاتحاد الجمركي وتحرير التأشيرة) بعد أن وافقت أنقرة على عضويتها في الناتو.
ويقول أعضاء في البرلمان الأوروبي إنهم منفتحون على تحديث حالة الاتحاد الجمركي التركي وفتح ملف تحرير التأشيرة – إذا قامت تركيا بدورها بالتزامات في ملف حقوق الإنسان.
يظل أحد أهم الأهداف لتركيا هو تحرير التأشيرة لمنح مواطنيها حرية السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي بدون تأشيرات لفترات طويلة.
الخيار الثاني لأوروبا هو التحرك لإحياء الحوار بين تركيا والاتحاد الأوروبي والذي توقف تماما عام 2021، بعد الغضب الأوروبي مما اعتبروه تجاهلا من أردوغان لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بعدم تخصيص مقعد لها بجوار رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، حيث شعرت بالإحراج وجلست على أريكة جانبية، ما أشعل اتهامات لأردوغان بالتحيز الجنسي ضد أورسولا فون دير لاين.
ويخلص التحليل إلى أن إعادة بدء مثل هذه الحوارات رفيعة المستوى قد تكون عملية بيع سهلة لقادة الاتحاد الأوروبي، مما يسمح لهم بفتح قنوات مع أردوغان دون المساس باحتمالية عضوية أنقرة في الاتحاد الأوروبي.
القدس العربي