ملامح حكومة مدنية تتشكل في السودان بتأييد من الدعم السريع

ملامح حكومة مدنية تتشكل في السودان بتأييد من الدعم السريع

الخرطوم– شددت قوات الدعم السريع على أن لديها خيارات عسكرية عديدة للتعامل مع الحرب الراهنة في السودان، ما مكنها من الصمود طويلا أمام الجيش، ولن تعدم الخيارات المدنية أيضا للضغط على قيادته لوقف الحرب بلا شروط مسبقة.

وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن قوات الدعم السريع قد تجد نفسها في موضع يدفعها إلى تأييد تشكيل حكومة مدنية قادرة على التعامل مع الوضع الراهن بعد أن فقد مجلس السيادة صلاحياته بجر البلاد إلى حرب تخدم أهداف فلول النظام السابق.

وأشارت المصادر ذاتها إلى وجود تقديرات سياسية قالت إن انسداد أفق وقف إطلاق النار وتعمد الجيش عرقلة المبادرات يمكن أن يقودا قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى التموضع في إقليم دارفور ودعم عملية تشكيل إدارة مدنية له بعد حوارات يجريها مع قوى سياسية وحركات مسلحة، إذا فشل سيناريو تشكيل حكومة مركزية في الخرطوم.

حميدتي يمنح أولوية للحل بتشكيل حكومة مركزية في الخرطوم تبدأ بمعالجة المشكلات المزمنة التي أدت إلى الحرب

واستدعى مسؤولون كبار في تشاد قيادات مختلفة في الحركات المسلحة الناشطة في إقليم دارفور إلى إنجامينا مؤخرا للتباحث حول توفير الأمن والاستقرار في الإقليم، وقيل إن نائب قائد الدعم السريع الفريق عبدالرحيم دقلو أجرى لقاءات في الوقت نفسه مع مسؤولين في دولة تشاد.

ولم يتأكد ما إذا كان عبدالرحيم دقلو التقى سرا قيادات في الحركات المسلحة أم لا، بعد أن نفى بعضها رعاية تشاد لأي اجتماع بين هذه القيادات ودقلو، لكن تزامن الزيارات وفّر فرصة للحديث عن مستقبل إقليم دارفور بعد اندلاع حرب لا أحد يعلم متى تتوقف.

ويرى مراقبون أن “استسلام” قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان لتوجهات محسوبين على نظام الرئيس السابق عمر البشير، تقضي بعدم وقف الحرب، ورغبتهم في التخلص من قوات الدعم السريع وإنهاء أي مستقبل لها سوف يجر البلاد إلى التقسيم.

وأعلن حميدتي السبت في بيان عن تشكيل لجنة اتصال مع قوى سياسية سودانية وحركات مسلحة برئاسة مستشاره يوسف عزت للتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة.

ويقول مراقبون إن حميدتي يتحرك كزعيم سياسي يؤسس لفعل يتجاوز الفعل العسكري، بينما البرهان يتراجع إلى تفاصيل عسكرية صغيرة ثبت فشلها في تغيير المشهد على الأرض.

وتشير تحركات قائد الدعم السريع إلى تعامله مع المعطيات بطريقة عملية خشية أن تطول الحرب ولذلك يرى أن إنهاء القتال يقتضي “إجراء مشاورات واسعة النطاق بغية معالجة جذور الأزمة الوطنية المتراكمة”.

وقال المحلل السياسي السوداني محمد تورشين إن بيان حميدتي هدف إلى تبرير تواصل قوات الدعم السريع مع المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير وشرعنة ذلك في خضم المعارك الراهنة، وقد كشف تشكيل لجنة للتواصل السياسي عن التعاون بين الجانبين، ويفسح المجال أمام عملية ضم قوى أخرى للمساهمة في إيجاد حل.

وأضاف لـ”العرب” أن “دخول قوى أخرى هو عملية صعبة سياسيا، لأن غالبيتها لديها مواقف مسبقة وداعمة للجيش وغير منسجمة مع مرامي قوات الدعم السريع، ما يعني عدم وجود استجابة فعلية من قبل هذه القوى الأخرى لعملية التواصل في الفترة المقبلة”.

وشدد على أن الإعلان عن اللجنة المقترحة يعزز حصد المكاسب السياسية لحميدتي، لأن تشكيل حكومة مركزية في الخرطوم أو التفكير في حكومة مدنية بدارفور مرتبطان بالأجندة التفاوضية وإلى من ستعود تبعية قوات الدعم السريع، إلى الحكومة أم إلى رئيسها أم إلى الجيش أم إلى غيرهم؟ حيث غيّرت الحرب المعادلات والتصورات السابقة.

ويمنح بيان حميدتي أولوية للحل عبر تشكيل حكومة مركزية في الخرطوم مدعومة من قواته، تنطلق من عملية سياسية تعالج المشكلات المزمنة التي أدت إلى الحرب.

وقد يمهد بيان حميدتي لتشكيل إدارة مدنية مستقلة في دارفور إذا فشل خيار الحكومة المركزية، وهو تهديد مبطن للجيش بأن سياساته تقود إلى تفتيت البلاد.

ويبدو أن تصريح نائب قائد الجيش الفريق أول شمس الدين كبّاشي بشأن الحوار الشامل والقبول بعملية سياسية جاء استباقا لتحويل سيناريو الحكومة المركزية أو خيار دارفور إلى واقع، ويفيد بأن الجيش لا يمانع في دخول مفاوضات حول الحل الشامل.

وأعلن كبّاشي أن الجيش منفتح على أي مبادرة لوقف الحرب، وقال “ندعم الحوار السياسي الموسع والشامل والمبادرة السعودية – الأميركية متقدمة؛ الجيش يدعم الحوار الذي يفضي إلى تشكيل حكومة مدنية تقود المرحلة الانتقالية تهيئةً للانتخابات”.

وجاء حديث البرهان حول وضع شروط للقبول بوقف إطلاق النار ليؤكد وجود انقسام داخل الجيش وتصوراته حول مآلات الحرب الراهنة، وزاد الموقف التباسا مع صدور بيان منسوب إلى حزب المؤتمر الوطني (المنحل) يعترض على كلام كباشي ويستغرب مضمونه، لافتا إلى أن الكتائب الإسلاموية أوشكت على حسم المعركة.

وأوضحت أستاذة العلوم السياسية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب أن الوقت لم يحن بعد للحديث عن اتصال سياسي مباشر بين طرفي الحرب بعد أن أصبحت أكثر عنفا.

وأشارت لـ”العرب” إلى “ضرورة تحديد قوات الدعم السريع لطبيعة القوى السياسية المستهدفة، والحركات المسلحة المقصودة هل هي من الموالين لحميدتي أم للبرهان، إذا كانت موالية للجيش فليست هناك مشكلة لأنها قد تفضي إلى خطوات منتجة لحل الأزمة”.

ولفتت إلى أن الخلافات بين قيادات الجيش محتدمة قبل الحرب حول قوات الدعم السريع ودمجها، وقد تتزايد بسبب الحديث المتواتر عن إشعال الحرب من قبل الحركة الإسلامية ومنتسبي المؤتمر الوطني داخل الجيش، وهو ما نفاه البرهان أكثر من مرة، وما فهم من تصريحات كباشي يشير إلى إمكانية قبول الجيش بالتفاوض ووجود محاولات غير معلنة لوقف الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع الرئيس الكيني وليم روتو أبدى البرهان استعداد الحكومة السودانية لوقف إطلاق النار “إذا تم إخلاء مساكن المواطنين ومراكز خدمات المياه والكهرباء والطاقة والمقرات الحكومية من قبل متمردي الدعم السريع”.

وعلى وقع استمرار الاشتباكات ودخول الحرب شهرها الرابع يعود طرفا الصراع في السودان إلى طاولة المفاوضات في جدة بعد شهر ونصف الشهر من توقفها، عقب صدور بيان سعودي – أميركي تعهد فيه البلدان بالتزامهما المشترك بإنهاء الصراع.

العرب