القاهرة- أثار انقطاع التيار الكهربائي بصورة متكررة في أماكن كثيرة سخطا كبيرا على الحكومة المصرية التي كانت تتفاخر دوما بامتلاك فائض يمكّنها من تصدير الكهرباء إلى دول مجاورة، واستبعدت حدوث أيّ أزمة في الكهرباء مستقبلا.
وربط مصريون بين ما يحدث من انقطاع غير مفهوم في الكهرباء وبين ما جرى في أواخر عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي عام 2013، حيث كان انقطاع الكهرباء باستمرار وقتها سببا بارزا في زيادة السخط الشعبي على نظام الإخوان في مصر.
ولم تتكشف أبعاد الأزمة بصورة نهائية في مصر، وما إذا كانت فنية أو توفيرا للغاز الذي يتم تصديره، بعد أن تحدثت الحكومة عن وفرة في إنتاج الكهرباء وعدم اقتناع شريحة من المواطنين بمبرراتها لتخفيف الأحمال.
مصريون يتهكمون على حديث الحكومة عن وجود فائض في الكهرباء وإنتاج الغاز بوفرة، لكنهم لم يلمسوا ذلك على أرض الواقع
وحذرت المصادر من خطورة تراكم الأزمات التي تمس أوجاع الناس مباشرة بعد أن تضاعفت ضغوطاتهم عقب اشتداد الأزمة الاقتصادية ومعاناتهم المعيشية وعدم قدرة الحكومة على تفكيك الكثير من المظاهر الناجمة عن عدد من المشكلات الحادة، وحاجتها إلى تحميل المواطنين جزءا كبيرا من تكاليفها الباهظة.
وقال محمد شاكر وزير الكهرباء المصري الخميس إن “وضع الشبكة القومية للكهرباء قوي بما يمكنها من مواجهة أيّ تحديات لتأمين التغذية الكهربائية للمواطنين في جميع أنحاء الدولة”، لافتا إلى أن أزمة الانقطاعات الحالية “مؤقتة بسبب نقص الوقود ولا يمكن مقارنتها بأزمة الانقطاعات التي كانت تعاني منها مصر قبل عام 2014”.
وأكد في تصريحات إعلامية وجود أزمة في إنتاج الكهرباء بسبب نقص الوقود ولا توجد أيّ مشكلة في الشبكة الكهربائية التي تستطيع توليد حتى 20 ألف ميغاواط زيادة عن استهلاك المواطنين الذي تجاوز 35 ألف ميغاواط أخيرا.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تهكم مصريون على حديث مقربين من الحكومة عن وجود فائض في الكهرباء وإنتاج الغاز بوفرة مؤخرا لأنهم لم يلمسوا ذلك على أرض الواقع.
وعقد هؤلاء مقارنات بين انقطاع الكهرباء في بعض الأماكن وحفلات الساحل الشمالي الذي يطلق على شريط ممتد على البحر المتوسط بين محافظتي الإسكندرية ومرسى مطروح غرب مصر، إذ تشهد الحفلات بذخا في الكهرباء ولا تنقطع عنها.
وتنتج مصر كميات جيدة من الغاز المستخدم في إنتاج الكهرباء وتستقبل كميات كبيرة من الغاز من دول مجاورة لإعادة تسييله في محطتي دمياط وأدكو على البحر المتوسط.
وتقوم القاهرة بتصدير جزء كبير من الغاز المصري المستخرج من حقل “ظهر” والغاز المسال، وتحصل بموجبهما على عملات أجنبية تساعد في التخفيف من حدة شح الدولار.
وترى الحكومة المصرية أن الحل الوحيد للخروج من أزمة الانقطاعات هو ترشيد استهلاك الكهرباء لخفض الضغط عن شبكة الغاز إلى حين عودتها بشكل قوي.
وبدأت الأزمة تتصاعد منذ الاثنين الماضي بعد أن ضربت البلاد موجة حر شديدة أدت إلى حدوث طفرة في استهلاك الطاقة الكهربائية، وبالتالي زيادة حجم استهلاك الغاز المستخدم في إنتاج الكهرباء والضغط على الشبكات الخاصة به، وانخفاض ضغوط الغاز في الشبكات الموصلة إلى محطات الكهرباء.
وكشف رئيس الحكومة مصطفى مدبولي أن الاستمرار في تخفيف الأحمال يتم بالتناوب بين الأماكن المختلفة حتى منتصف الأسبوع المقبل ثم تستعيد الشبكة ضغوطها العادية من الغاز.
وتزداد أزمة الانقطاعات حدة في الأماكن الريفية والنائية، وإذا لم تتمكن الحكومة من الوفاء بوعودها خلال الأيام المقبلة بشأن عودة انتظام تدفق الكهرباء في ظل ارتفاع درجات الحرارة، فقد تواجه ضغوطا شعبية مضاعفة لا أحد يعلم مساراتها.
لكن مصادر في القاهرة ألمحت إلى عدم استبعاد أن تكون هناك أياد خفية لما يسمى بالدولة العميقة تعبث بالكهرباء لزيادة الضغوط على نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، واستدعاء الصورة الذهنية السلبية السابقة وما تحمله من إسقاطات سياسية حاليا، خاصة أن البلاد تستعد لإجراء انتخابات رئاسية خلال الأشهر المقبلة.
ومن المتوقع أن يكون السيسي أبرز الوجوه التي تتنافس للفوز في الانتخابات مع أنه لم يعلن رسميا حتى الآن عن خوضها، ولا تزال الصورة غامضة في صفوف المعارضة التي طالبت بضمانات للنزاهة والشفافية للتعاطي مع استحقاق الانتخابات.
وخشيت المصادر ذاتها في تصريحها لـ”العرب” أن يكون الذين يعرفون بالعناصر “النائمة” للإخوان داخل قطاع الكهرباء لهم دور في هذا العبث، أو أن هناك جهات رسمية لها موقف سياسي معارض لبعض التوجهات تريد زيادة الضغوط على الحكومة وإيجاد مبرر شعبي قوي لتغييرها، أو إحراج الرئيس السيسي في وقت يسعى فيه إلى إعادة ترتيب بعض الأوضاع الداخلية، من بينها القيام بإصلاحات جذرية.
العرب