أزمة نظام أم أزمة انتخابات؟

أزمة نظام أم أزمة انتخابات؟

لعل أبرز ما يواجهه النظام الإيراني، وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية بعد غياب المؤسس، أزمة المشروعية التمثيلية التي بدأت تأخذ أبعاداً أكثر تعقيداً مع تراجع قاعدته الشعبية، بخاصة بعد كل أزمة يكون مضطراً فيها إلى ممارسة كثير من القمع والعنف لضبط حركات الاحتجاجات في الشارع التي تندلع لأسباب ذات أبعاد مختلفة، اجتماعية وسياسية واقتصادية.

ولعل أكثر المواجهات تعقيداً بين النظام وبعض شرائح المجتمع الإيراني تلك التي تنطلق من أبعاد ثقافية أو سياسية تلعب فيها مسألة الحريات السياسية والشخصية وحرية الرأي والتعبير وحرية العمل السياسي العامل الأبرز والأكثر وضوحاً، باعتبارها تحدياً حقيقياً للمنظومة الحاكمة والمسار الذي رسمته لنفسها في أخذ النظام بالاتجاه الذي ينسجم مع رؤيتها الساعية إلى إقامة سلطة دينية لا مكان فيها للجمهورية مع ما تستلزمه من أدوات ديمقراطية وحريات وشراكة وتداول للسلطة.

ولعل الحقيقة الأكثر مرارة التي لمسها النظام وكشفت عن حجم التراجع الحاصل في قواعده الشعبية، جاءت أول مؤشراتها في نتائج الانتخابات الرئاسية عام 1997 التي أوصلت محمد خاتمي إلى رئاسة الجمهورية على حساب مرشح النظام حينها رئيس البرلمان علي أكبر ناطق نوري، ثم تكرّست في الانتخابات البرلمانية عام 2001 التي سمحت للتيار والأحزاب الإصلاحية بالسيطرة على السلطة التشريعية.

ولعل المؤشر الأخطر الذي استنفر منظومة السلطة والدولة العميقة ودفعها إلى تعزيز مسار سيطرتها وفرض إرادتها على المؤسسات الدستورية وعدم السماح لأي من القوى الإصلاحية أو المعتدلة أو التي لا تشكل مصدر ثقة لديها بالدخول إلى منظومة القرار، كانت في الانتخابات البرلمانية عام 2005 التي على رغم أنها جاءت على حساب التيار الإصلاحي بجميع أطيافه لمصلحة التيار المحافظ، إلا أن النتائج التي وصل بها هذا التيار إلى البرلمان أظهرت مدى تراجع المؤيدين له وللنظام في كل إيران، ووضعته أمام حقيقة كان من الصعب عليه الاعتراف بها، وهي حجم قاعدته التمثيلية الشعبية التي لا تتجاوز 20 في المئة في كل البلاد.

وإذا ما كان صندوق الاقتراع يشكل أحد أبرز المؤشرات على تراجع هذه الشعبية، فإن الحركات الاحتجاجية شكلت أيضاً مؤشراً مهماً وبارزاً على حجم القطيعة بين النظام ورؤيته السياسية والعقائدية والأيديولوجية مع الأجيال الجديدة التي نشأت ما بعد الثورة والتي إحدى تجلياتها في الحراك الطلابي الذي شهدته جامعة طهران عام 1998 والذي اندلع على خلفية اعتراضات طلابية على ممارسات الأجهزة الأمنية والرسمية للنظام ضد حرية التعبير والرأي والحريات والتعددية السياسية، وكانت سياسة القمع التي لجأت إليها الأجهزة مؤشراً على افتقار النظام ومنظومته إلى أدوات الحوار والمعالجة السلمية، وهي ممارسة كانت منطلقاً لممارسات لاحقة أكثر تشدداً وراديكالية، أدخلت إيران في صراع بين النظام والشرائح الشعبية حول الحقوق المدنية والحريات والتعبير، وانتهت بإجراءات تعسفية أدت إلى إقفال النظام أكثر من 100 صحيفة ومجلة أسبوعية في يوم واحد، وزجّ عدد من قادة الرأي في السجون، وهي إجراءات كانت تعبر عن معادلة لدى منظومة السلطة بأنها وإن خسرت السلطتين التنفيذية والتشريعية لمصلحة قوى المعارضة الإصلاحية، إلا أنها في المقابل لن تتخلى عن أدوات المحاصرة وسحب أوراق القوة والتأثير من هذه القوى التي تشكل جسر التواصل بينها وقواعدها الشعبية، وصولاً إلى تحجيمها ومحاصرتها وإفشالها، وانتهاء بإخراجها من المعادلة في الوقت المناسب.

اقرأ المزيد

موسوي وخاتمي يدعوان إلى تغيير في النظام السياسي في إيران

اغتيال ممثل سابق لخامنئي في شمال إيران

لماذا لا تؤدي الانشقاقات إلى إسقاط النظام الإيراني؟
ويمكن القول إن هذه المنظومة نجحت في إفراغ الحركة الإصلاحية والتوجهات التغييرية من مضمونها وفاعليتها وتأثيرها، إلا أنها لم تستطع أن تعيد ترميم القواعد الشعبية للنظام التي بقيت بانتظار اللحظة المناسبة للتعبير عن موقفها ورأيها، وهذا ما حدث في الحركة الاحتجاجية التي خرجت اعتراضاً على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009 والتي عرفت لاحقاً بـ”الحركة الخضراء” التي عمل فيها النظام على تأمين إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد لرئاسة الجمهورية على حساب مرشح الحركة الإصلاحية مير حسين موسوي.

القوى والأحزاب المعارضة للمنظومة الحاكمة في النظام الإيراني سارت على الحد الفاصل بين الطلاق الكامل والبائن والتعايش مع هذه المنظومة، باعتماد خيار عدم تقديم الذرائع التي تسمح لهذه المنظومة باستخدام سياسة الإعدام السياسي، فأعلنت التزامها بالدستور والسقوف التي يحددها للعمل السياسي، مما ساعد على بقائها فاعلة داخل المجتمع الإيراني على رغم الإعاقات التي تعرضت لها أو التي أنزلتها بها هذه المنظومة وأدت إلى خسارتها مساحات كبيرة من قواعدها الشعبية أو قدرتها على التأثير أو تأطير هذه القواعد وتوجيهها بالاتجاه الذي يخدم رؤيتها ومشروعها السياسي.

وعلى رغم ذلك، فإن الرد على سياسات النظام هذه جاء هادئاً وبعيداً من استخدام الشارع، عندما أسقط الشرعية الشعبية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية من خلال العزوف عن المشاركة في الانتخابات وترك الساحة لقاعدة النظام الشعبية لتختار من تريده عبر صناديق الاقتراع، الأمر الذي سحب من النظام القدرة على المناورة في توظيف هذه الصناديق كمصدر لشرعيته الشعبية والتمثيلية، مما أدخله في أزمة مشروعية من الصعب العبور عنها حتى إن أدت مخرجاتها إلى حصوله على النتائج التي يريدها بإقصاء خصومه وفرض سيطرته على مفاصل ومراكز القرار في المؤسسات الدستورية وإقامة سلطة موحدة ومنسجمة مع رؤيته ومشروعه في إدارة البلاد والنظام.

اندبندت عربي