بيروت – لم يأت خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله بمناسبة إحياء يوم عاشوراء بجديد حيث اعتمد نفس المضامين والتهديدات المكررة تجاه إسرائيل، والتي بات يعلمها القاصي والداني أنها موجهة بالأساس للاستهلاك الداخلي، فيما حمل تهديدات للمعارضة بالحوارات الثنائية، وتحميل الحكومة والبرلمان مسؤولية تعطيل حياة المواطنين.
وفي خطاب نصرالله الذي استهله اليوم السبت في ختام مسيرة عاشوراء في ساحة الحسين بالضاحية الجنوبية غرب العاصمة بيروت بتوعد إسرائيل كما دأب في جميع خطاباته، بعث بإشارات في ظاهرها انفتاحه على الحوار لكسر عقدة الشغور الرئاسي في البلاد وفي باطنها يرمي الكرة في ملعب خصومه السياسيين ويحملهم مسؤولية ما يحصل في حال لم يستجيبوا لشروطه غير معترضين.
فيبدو أن “الكوّة” التي تحدث عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري، عقب زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان مرجحة أن تغلق مجدداً، كما أن طريق الحوار المزمع عقده في سبتمبر، لن تكون سهلة، ونفحة التفاؤل لن تصمد، خصوصا وأن حديث نصرالله عن فتح باب الحوار الثنائي لفتح أفق في جدار الملف الرئاسي وعدم تعطيل مجلس النواب يتضمن إشارات تعكس حقيقة ما يضمره حزب الله الذي لا يزال يضع العصي في دواليب الحوار بتمسكه بشروطه للسير بأي خيار للحلحلة، وفيما هو يُمعن في العرقلة والتعطيل.
ويأتي خطاب نصرالله مع استمرار الشغور الرئاسي في أعلى هرم في السلطة، إلى جانب شغور مرتقب في حاكمية المصرف المركزي، وهو ما يضع لبنان على حافة اضطراب مالي وفوضى اجتماعية وسياسية محتملة مع انتهاء ولاية رياض سلامة الذي من المفترض أن يغادر منصبه الاثنين المقبل دون أن تنجح السلطة القائمة بتصريف الأعمال في تعيين خليفة له لأسباب دستورية وبسبب خلافات بين القوى السياسية.
وقال نصرالله خطابه “من الواضح وبعد كل الجهود وكل المبادرات أن هناك قوى سياسية ترفض الحوار الذي يجمع الجميع في مكان واحد وعلى طاولة واحدة بمعزل عمن يرأس هذا الحوار”. في إشارة على ما يبدو إلى بعض الكتل النيابية وفي مقدمتها حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع.
وأضاف “من الواضح أيضا أن الجميع سينتظر شهر سبتمبر لعودة الموفد الرئاسي الفرنسي (جان إيف لودريان) ومبادرته التي يتحدث عنها (..)”.
وتابع “إننا نعتقد في هذه الفرصة المتاحة إلى ذلك الوقت فتح الباب لحوارات ثنائية جادة، حوارات جادة ودؤوبة، قد يفتح أفقا في جدار الانسداد القائم في مسألة الانتخابات الرئاسية، وهذا ما نعمل عليه ونتعاون عليه ونأمل أن نصل فيه إلى نتيجة.
بنبرة تهديد، شدد نصرالله على أن أن “حكومة تصريف الأعمال أيا تكن الصعوبات يجب أن تواصل تحمل المسؤولية ضمن الحدود الدستورية المسموح بها، وتواصل تحمل المسؤوليات تجاه أوضاع الناس”.
وقال أيضا “لا يجوز تعطيل مجلس النواب أيا تكن الذريعة والحجة وبالحد الأدنى في التشريعات الضرورية واللازمة، وخصوصا كل ما يمس حياة المواطنين
وفي سياق مساعي فرنسا لتسريع عملية انتخاب رئيس جديد للبلاد، اقترح مبعوث الرئيس إلى لبنان جان-إيف لودريان على الفرقاء السياسيين عقد لقاء في سبتمبر بهدف بلوغ توافق ينهي الشغور المستمر منذ نحو تسعة أشهر.
وفي ختام زيارته، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن لودريان “اقترح على كافة الأطراف الفاعلة في عملية انتخاب رئيس للجمهورية دعوتهم في سبتمبر لعقد لقاء في لبنان هدفه التوصل إلى توافق على القضايا والمشاريع ذات الأولوية التي ينبغي على الرئيس المقبل أن يتولاها”.
وأضاف البيان أن “الهدف من هذا اللقاء هو خلق مناخ من الثقة يتيح للبرلمان الاجتماع في ظل ظروف مؤاتية” لانتخاب رئيس.
وفي سياق استمراره في نبرة التصعيد التي تعكس رغبته بعدم الولوج الى الحرب والاكتفاء بتهديد كلامي لتحصيل مكاسبه الخاصة، توجّه الأمين العام لحزب الله للإسرائيليين قائلا “إنتبهوا من أي حماقة وإنتبهوا من أي خيارات خاطئة والمقاومة في لبنان لن تتهاون ولن تتخلّى عن مسؤولياتها لا في الحماية ولا في الردع ولا في التحرير”.
وأضاف أن “لبنان هو المُعتدى عليه وإسرائيل لا تزال تحتل جزءا من أرضنا، وهي أعادت احتلال جزءًا من الغجر وتتحدّث بوقاحة عن استفززات”.
ويرى مراقبون أن خطابات نصرالله لم تعد تلقى أي اهتمام من الجانب الإسرائيلي، الذي يدرك أن الحزب أعجز من أن يبادر إلى أي هجوم في الظرف الحالي، لاسيما في ظل الصعوبات التي يواجهها في الداخل اللبناني، وهو لا يستطيع أن يتحمل فاتورة حرب جديدة ستزيد من غضب اللبنانيين عليه.
ويقول المراقبون إن مثل هذا الخطاب موجه بالأساس إلى الداخل في ظل تآكل شعبيته وتقلص مناصريه وتراجع مكانته السياسية وسط هزات امتدت حتى داخل معسكره في خضم أسوأ أزمة سياسية واقتصادية يمر بها لبنان اكتملت بعد انفجار بيروت المروع الذي فاقم معاناة اللبنانيين، فيما يحمل كثيرون حزب الله مسؤولية ما آل إليه البلد المنهار على جميع المستويات.
وتحتج إسرائيل على قيام حزب الله بنصب خيمة على الحدود، منذ يونيو الماضي، وطالبت بإزالتها، فيما يقول لبنان إن الخيمة داخل الأراضي اللبنانية، مطالبا إسرائيل بالانسحاب من الجزء اللبناني الذي تسيطر عليه من قرية الغجر.
والأسبوع الماضي، شهدت المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل توترا أمنيا، بسبب محاولات القوات الإسرائيلية تجريف أراض وإنشاء جدار إسمنتي في المنطقة، وهذا ما يرفضه الجانب اللبناني، لكون المنطقة أرض لبنانية تحتلها إسرائيل.
وفي وقت سابق، قال الجيش الإسرائيلي إنه تعامل مع عناصر من حزب الله حاولوا استهداف السياج الحدودي بين البلدين. ونشر شريطا مصورا يظهر انفجار ما بدا أنها قنبلة، على مسافة قريبة جدا من 4 أشخاص على الحدود، ركضوا بعد ذلك داخل الأراضي اللبنانية.
وقدم لبنان شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة حول “تكريس الجانب الإسرائيلي احتلاله الكامل واستكمال ضم الجزء الشمالي اللبناني لبلدة الغجر الممتد على خراج بلدة الماري”، وفق بيان للخارجية اللبنانية، بعد أيام من إنشاء الجيش الإسرائيلي سياجًا شائكًا حول المنطقة، وصفه لبنان بأنه “خرق خطير ومحاولة ضم القرية” لإسرائيل.
كما دعا حزب الله، في الآونة الأخيرة، الدولة اللبنانية إلى التحرك لمنع تثبيت احتلال إسرائيل للقسم اللبناني من قرية الغجر الحدودية الصغيرة، والتي تحتل إسرائيل جزءا منها، منذ حرب 5 يونيو 1967.
وبعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000، وضع خط وقف إطلاق النار الذي رسمته الأمم المتحدة ويعرف بالخط الأزرق، الجزء الشمالي من البلدة في لبنان والجزء الجنوبي في الجولان السوري الذي تحتله إسرائيل منذ 1967. لكن في حرب 2006، أعادت الأخيرة احتلال الجزء الشمالي من البلدة، ويطالب لبنان منذ ذلك الحين باستعادته.
والشهر الماضي، أعلن حزب الله إسقاط مسيّرة إسرائيلية بعد اختراقها الحدود الجنوبية. وعادة ما تخرق الطائرات الحربية والمسيّرات الإسرائيلية الأجواء اللبنانية، كما يرسل حزب الله بدوره بين الحين والآخر طائرات بدون طيار إلى الجانب الآخر من الحدود.
ويعد حزب الله لاعبا رئيسيا على الساحة السياسية في لبنان، وهو يمتلك ترسانة أسلحة ضخمة تتضمن صواريخ دقيقة طالما حذرت تل أبيب منها.
ولطالما شهدت الحدود بين لبنان وإسرائيل، وهما رسميا في حالة حرب، توترات خصوصا بين حزب الله والجيش الإسرائيلي اللذين خاضا آخر حرب واسعة بينهما في يوليو 2006..
العرب