معمر فيصل خولي
كُتبت العديد من الدراسات والمقالات التي تحذر من الاستمرار في الاعتماد على نظام حكم يرتكز من الناحية السياسية على السلطوية والتوافقية الطائفية ومن الناحية الاقتصادية على الريعية الذي استشرى فيه الفساد. وأبرز مثال على ذلك، حينما قرر وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال، زياد المكاري، إقفال تلفزيون لبنان -السبت الفائت- بسبب المشاكل التي يعاني منها التلفزيون منذ مدة ومنها الرواتب ورفض الموظفين الاستمرار بعملهم رغم المحاولات العديدة لإيجاد حلول. هذا الإغلاق مرتبط ارتباط وثيق بالفساد الذي تعاني منه لبنان منذ عقود ممتدة والذي ينخر كل مؤسساته في القطاعين العام والخاص، والفساد هو استغلال الموظف للسلطة أو الوظيفة أو العمل بهدف تحقيق مكاسب أو منافع غير متوجبة قانونًا. والفساد مصطلح متداول في كل الدول، وهو «استغلال سلطة لمنفعة خاصة» وفق تعريف منظمة الشفافية الدولية. هذه السلطة قد تكون في القطاعين العام أو الخاص، والمنفعة الخاصة ممكن أن تكون لمنفعة الفاسد أو لأصدقائه أو زبائنه.
وفي مؤشر مدركات الفساد لعام 2022 الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية احتل لبنان المرتبة 150 دوليّا من أصل 180 دولة يقيسها المؤشر، وهذا يشير إلى عجز الدولة ومؤسساتها المتفاقم على الرغم من الدعوات والخطابات المنادية بالإصلاح ومكافحة الفساد.
ما كان لهذا التلفزيون أن يغلق أبوابه لولا اعتماد لبنان في أربعينيات القرن الماضي على الطائفية السياسية كنظام حكم اصطلح عليه بالديمقراطية التوافقية وقد أثبتت التجربة اللبنانية بأنها لم تكن في يوم من الأيام تمثل جوهر الديمقراطية في الحكم وإنما محاصصة طائفية نتج عنها معظم الأزمات التي يعاني منها أي نظام سياسي غير ديمقراطي كغياب القانون وغياب العدالة والمساواة وانعدام المساءلة وسوء الإدارة ناهيك عن الفساد والنهب المنظم للمال العام، الذي رتب على لبنان مديونية مرتفعة جدا وصلت في العام الحالي، إلى ما يقارب 100 مليار دولار أمريكي وهذا رقم قياسي جدا على دولة لا يتجاوز مواطنيها 7 ملايين نسمة!
سُمّي لبنان “سويسرا الشرق” بسبب قوانين السرية المصرفية التي كانت من بين الأكثر صرامةً في المنطقة، حتى أن بيروت أصبحت في مرحلة من المراحل العاصمة المالية للشرق الأوسط وقت ان كانت اكثر نظافة واقل فسادا وتلوثا، واليوم بات لبنان عالقًا في مستنقع من المشاكل غير المسبوقة. وها هو الآن يحتضر ويلفظ انفاسه الاخيرة ولا يجد ما يكفي من الرواتب ليدفعها للعاملين فيه.. وفي رأيي ان الفساد أشد خطرا علي الدول من الارهاب.. لأن الإرهاب قد يكون مؤقتا وعابرا ومحدودا وقابلا للإحتواء ، أما الفساد فهو كالمرض العضال المستشري والمستعصي علي العلاج والذي لا يترك شيئا واحدا في مكانه او على حاله.. وها هو لبنان يقدم النموذج المجسم والناطق لما يمكن ان يحدثه الفساد في حياة الدول والشعوب. فقد خلُص البنك الدولي قبل عامين إلى أن الأزمة الاقتصادية والمالية التي تغرق فيها البلاد هي في الغالب من ضمن أسوأ عشر أزمات، لا بل حتى أسوأ ثلاث أزمات شهدها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. فالفساد في لبنان لا يختلف عنه في أي مكان آخر على الأرض. ولكي يتخلص الشعب اللبناني من الفساد عليه أن يتعلم من التجربة التركية في التخلص منه بشكل كبير في عام 2002م.
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية