الصفقة الأمريكية الإيرانية :الأهداف والمعطيات

الصفقة الأمريكية الإيرانية :الأهداف والمعطيات

إياد العناز

تستعيد الاتصالات الأمريكية الإيرانية عافيتها بعد المحادثات التي امتدت لستة عشر شهراً في العاصمة القطربة (الدوحة) التي أفضت لتصريح وزارة الخارجية الأمريكية يوم 10أب 2023 عن عقد صفقة لتبادل السجناء مع إيران على أن تلتزم بمقتضاها بالإفراج عن 5 أمريكين متهمين بقضايا تجسس مقابل أن تطلق واشنطن سراح عدد مماثل من الإيرانيين محتجزين بتهمة اختراق قانون العقوبات الأمريكي على طهران وإلغاء الحظر عن أموال إيرانية تقدر ب6 مليار دولار.
تأتي انباء الصفقة متزامن مع تعزيز الولايات المتحدة الأمريكية وجودها في منطقة الشرق الأوسط ومتابعتها للنهج الإيراني في استهداف الممرات المائية والأمن البحري في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز، بإرسال 3000 جندي وسفينتين بحريتين ومعدات وأليات متطورة لضمان الأمان والاستقرار وتطمين شركائها وحلفائها في المنطقة.
تباينت الأراء وردود الأفعال تجاه ما قامت به الإدارة الأمريكية من اتصال ولقاءات مع الجانب الإيراني والتي اطلق عليها ( دبلوماسية الرهائن)، وأثارت الغضب والامتعاض في الأوساط السياسية الأمريكية وإرسال 26 عضواً من مجلس الشيوخ الأميركي رسالة إلى وزيري الخارحية والخزانة الأمريكية أوضحوا فيها أن ما قامت به إدارة الرئيس جو بايدن بالإفراج عن أموال مجمدة لإيران يشكل أمراً خطراً للغاية ويساعد النظام الإيراني على زيادة أنشطته المزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
إن ما أقدمت عليه واشنطن يعد دليلاً اخراً على سياسة التخادم المشترك بين الإدارة الأمريكية والنظام الإيراني عبر العديد من اللقاءات والحوارات التي تخدم مصالحهما، وشكل الاتفاق الاخير اعتراف من إدارة الرئيس بايدن بفشل محاولتها في الاطاحة بالنظام الإيراني،وان الامريكان يرون ان هذه الصفقة تساهم في تهدئة الأوضاع وإمكانية فتح المجال لعودة الحوار حول البرنامج النووي الإيراني بعد التأكيدات التي وردت من المسؤولين الإيرانيين بضرورة إيجاد صيغة توافقية لحلحلة الأمور التي تتعلق برفع العقوبات وتخفيف إجراءات الحظر عن الأموال المجمدة تصدير نسبة من النفط الخام الإيراني والتي ترى فيها إيران انها تحقق لها مجالاً لمواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها وتشكل عبئاً على مستقبل النظام باستمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتحسين الحالة المعيشية بعد أن وصلت نسبة التضخم إلى 39٪.والفقر إلى 45٪.
جاء تصريح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي (مايك كول) معارضاً ومفنداً للتصريحات الإيرانية الأمريكية بقوله (من السذاجة الاعتقاد ان إيران لن يكون لها أي سيطرة على هذه الأموال وستدعم حربهم بالوكالة والعمليات الإرهابية وتطلعاتهم للحصول على قنبلة نووية)، ويرى بعض النواب الامريكان ان النظام الإيراني سيتعامل مع الأموال المجمدة حسب أهوائه وما يخدم أهدافه بزيادة الأنشطة الفعاليات ضد القوات الامريكية في سوريا والعراق عبر الفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني واستهداف التواجد الأمريكي العسكري في مياه الخليج العربي في حين تقول الإدارة الأمريكية ان الأموال ستكون في حساب مصرفي قطري للمراقبة وتستخدم لاغراض انسانية.
إن عملية التجاذب السياسي بين إيران وامريكا تحقق لكل منهما غايته الولايات المتحدة تسعى لتحقيق انجاز ميداني في منطقة الشرق الأوسط يساهم في تعزيز مكانة الرئيس بايدن في الانتخابات القادمة وتتوقع أن يحظى بشعبية كبيرة لدى وصول المواطنين المحتجزين إلى واشنطن وتراها محطة لاتفاقيات غير معلنة بشأن البدأ بحوار حول إيجاد أليات لاتفاق نووي جديد يحظى بموافقة جميع الأطراف.
ويرى النظام الإيراني ان الصفقة حققت له انجازاً سياسياً ونجاحاً دبلوماسياً جاء بعد الإتفاق السعودي الإيراني وهذا ما يمكن استخدامه في الحملات الانتخابية لمجلس الشورى في أذار 2024 وحرص التيار المحافظ والداعم للرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي للسيطرة على مقاليد الحكم ومؤسساته.
جاءت التطورات الميدانية لتسعف اللقاءات التي جرت في العاصمة العمانية (مسقط) وادت إلى موافقة إيران على تخفيض مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ وأجهزة الطرد المركزي والعمل على تمييع وتقليل كثافة اليورانيوم المخصب وعدم إرساله الي روسيا كما كان متفق عليه قبل النزاع الروسي الأوكراني ، وترى ايران ان الإتفاق سيخفف من خشيتها من تجديد العقوبات عليها من قبل الترويكا الأوربية والتي تنتهي في بداية شهر تشرين الأول القادم بسبب تعاونها مع روسيا وتزويدها بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة وبناء مصنع لإنتاج طائرات شاهد 136 على الأراضي الروسية.
هذه هي أهم أوجه الصفقة الأمريكية الإيرانية وأهدافها ومعطياتها على الميدان والتي أكدت طبيعة المصالح الدولية الإقليمية في منطقة مهمة ذات أبعاد استراتيجية تشهد اهتمام الدول العالمية.

وحدة الدراسات الإيرانية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية