البرهان يرفض دعوة حميدتي إلى تأسيس دولة سودانية جديدة

البرهان يرفض دعوة حميدتي إلى تأسيس دولة سودانية جديدة

الخرطوم- في الوقت الذي تفاعلت فيه قوى سودانية مع دعوة قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى تأسيس دولة جديدة تتحاشى أخطاء الماضي، رد قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان الاثنين على الدعوة بالرفض ضمنيا، والإصرار على مواصلة القتال.

وحاول البرهان قلب التقديرات التي قالت إن خروجه من قبوه في الخرطوم والذهاب إلى بورتسودان هروب من واقع عسكري أليم، بتصويره على أنه تم بترتيب من الجيش وليس صفقة سياسية، والإيحاء بأنه بداية لمرحلة جديدة من المعارك.

واعتبرت دوائر سودانية خطاب البرهان المتشدد أشبه برضوخ لرؤية القيادات الإسلامية في الجيش، وأنه وجد صعوبة بالغة في الخروج من عباءتهم العسكرية وأجندتهم السياسية، ما دفعه نحو تبني رؤية لا تشي بتوقيعه على اتفاق لوقف إطلاق النار، والعودة إلى العملية السياسية التي تقتضي تسليم الجيش السلطة إلى حكومة مدنية.

ومساء الأحد ثمنت الدوائر ذاتها بيان قوات الدعم السريع الذي تضمن رؤية شاملة للحل في السودان، وتطرق إلى الكثير من القضايا المسكوت عنها، معبرا عن حنكة قائدها الجنرال حميدتي، وكاشفا عن عمق الهوة السياسية بينه وبين غريمه البرهان.

وأثبت حميدتي استعداده لوقف الحرب والدخول في عملية سياسية تتطرق إلى كل المشكلات التي واجهها السودان على مدار العقود الماضية، بينما أثبت البرهان عدم مبارحته خندق الفلول؛ فكلما لاحت فرصة للتململ منه عاد مرة أخرى إلى خندقه.

وحاول البرهان قطع الطريق على ما تضمنه بيان حميدتي من مقترحات جدّية لمعالجة الأزمة الراهنة وتطويق تداعياتها، بالعودة إلى الحديث عن تفاصيل الحرب ومجرياتها، وحسمها بالأدوات العسكرية، ليوحي بأنه لا يزال مُمْسكا بزمام الأمور، وبإمكانه تحقيق انتصار في الميدان بعد دخول الحرب شهرها الخامس بلا حسم.

وقدم حميدتي وصفة سياسية قال فيها إن نظام الحكم “يجب أن يكون فيدراليا، ديمقراطيا، ومدنيا”؛ لأن النظام الفيدرالي غير التماثلي، الذي تتفاوت فيه طبيعة ونوع السلطات التي تتمتع بها الوحدات المكونة للاتحاد الفيدرالي، هو الأنسب لحكم السودان.

وظهرت قوات الدعم السريع منفتحة على وقف لإطلاق النار طويل الأمد بينها وبين الجيش السوداني وعرضت رؤيتها “لتأسيس الدولة السودانية الجديدة”، وهي مبادرة يمكن أن تحيي الجهود الرامية إلى إجراء محادثات مباشرة بين طرفي الصراع.

وبدا حميدتي مستعدا للتفاوض مع الجيش حول شكل الدولة المستقبلية، متجاوزا الجوانب الفنية لوقف إطلاق النار التي عرقلت جهود الوساطة السعودية – الأميركية.

وشدد بيان صادر عن الدعم السريع على أن الحرب انعكاس أو مظهر من مظاهر الأزمة المتطاولة، ما يستوجب البحث عن اتفاق لوقف إطلاق نار طويل الأمد ومقرون بمبادئ الحل السياسي الشامل لمعالجة الأسباب الجذرية للحروب في البلاد، وأن هذه الحرب التي اندلعت في منتصف أبريل الماضي هي النهاية لجميع حروب السودان.

◙ البرهان سعى لقطع الطريق على ما تضمنه بيان حميدتي من مقاربة لمعالجة الأزمة، بالحديث عن تفاصيل الحرب

وبموجب رؤية “تأسيس الدولة السودانية الجديدة” ألزم حميدتي قواته بمبادئ طرحت سابقا مثل الحكم الاتحادي متعدد الثقافات والانتخابات الديمقراطية والجيش الواحد، باعتبار أن المدخل الصحيح لتحقيق السلام المستدام هو “إنهاء وإيقاف العنف البنيوي، الذي تمارسه الدولة ضد قطاعات واسعة من السودانيين، خاصة في أطراف السودان”.

وأشار إلى ضرورة أن تشهد المفاوضات مشاركة القوى “التي تصدت لجبروت قادة نظام عمر البشير الأيديولوجي وأسقطته”، سواء أكانت هذه القوى في المركز أم في الأطراف، وعلى رأسها المهنيون ولجان المقاومة والشباب والنساء.

وبدت القوى الوطنية، التي كانت شاهدة على سلخ جنوب السودان من السودان، منزعجة من طريقة تعامل البرهان وفريقه مع دعوة حميدتي إلى الحل الشامل، لأن تفويت هذه الفرصة يفتح الباب لسيناريوهات غامضة، لا أحد يعلم المدى الذي يمكن أن تبلغه في المستقبل.

وهذه أول مرة منذ مدة طويلة يتطرق فيها قائد سوداني إلى فكرة معالجة القضايا المحورية التي تؤرق السودان؛ أي منذ أن فشل مشروع زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان العقيد الراحل جون قرنق في تأسيس “السودان الجديد”، وكادت الفكرة تندثر، وفضل الرئيس السابق عمر البشير انفصال جنوب السودان على الوحدة والاندماج، لأن الانفصال أبقى على البشير في سدة الحكم.

ويقارن متابعون بين ما حدث إبان عهد البشير – قرنق وما يمكن أن يحدث في عهد البرهان – حميدتي من نتائج كارثية نتيجة تصميم الأول على تغليب البعد العقائدي على الوطني، حيث يبدو أنه يريد تكرار السيناريو السابق، وإن اختلفت التفاصيل.

وذكر مقرر المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير كمال بولاد أن نجاح خارطة الطريق التي تحدثت عنها قوات الدعم السريع تتوقف على طريقة وأسس إيقاف الحرب، والمطلوب حاليا هو استغلال الانفتاح على الحلول السياسية لوقف القتال بعد التخريب الذي دمر الخرطوم وغيرها من الولايات والمناطق التي وصل إليها الصراع.

وأوضح في تصريح خاص لـ”العرب” أنه “ينبغي للجيش وقوات الدعم السريع أن يتشاورا مع السودانيين والقوى السياسية المختلفة لاتخاذ خطوات تضمن إنهاء الحرب فوراً والانخراط في العملية السياسية التي تبقى من أولوياتها العودة إلى الانتقال الديمقراطي وتحديد مهام الانتقال، بدءا من إعادة الإعمار وخلق قدر من الاستقرار والأمان وصولا إلى عودة النازحين الذين فروا من الخرطوم والجنينة وغيرهما”.

وأشار إلى أن نجاح خارطة طريق الدعم السريع بحاجة إلى اختيار الشعب من يحكمه عبر برنامج التداول السلمي على السلطة في المستقبل وغلْق الطريق أمام الحروب الأهلية والأنظمة الشمولية والعسكرية.

ولفت إلى أن ما طرحته قوات الدعم السريع أخيراً كرؤية للحل السياسي يرسم مستقبل السودان ويتلاقى مع بعض الرؤى التي طرحتها قوى سياسية عديدة سابقا ويمكن أن تتم مناقشتها في إطار تأسيس الدولة المدنية مع بقية الرؤى التي تستهدف رسم المشروع الوطني الغائب عن البلاد.

وأكد بولاد أن مقترح تأسيس الدولة الفيدرالية لم يحظ بتوافق سابق بين جميع المكونات السياسية وسيكون بحاجة إلى المزيد من الحوارات تحت سقف المؤتمر الدستوري الذي من المفترض أن يحدد كيف يُحكم السودان.

العرب