تسعى الجزائر لإقناع جيرانها والمجتمع الدولي بمبادرتها لحل الأزمة النيجرية، لكن غياب الحياد والتقارب المتزايد مع روسيا واستمرار التوتر مع فرنسا يصعب مهمتها ويعزز التكهنات بشأن فشلها.
الجزائر – كشف وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف عن خطة تتشكل من ستة محاور من أجل حل الأزمة في دولة النيجر، وعن فتح ثلاثة مستويات من الاتصالات والمشاورات، يتعلق الأول بفواعل المجتمع النيجري، والثاني بمجموعة الإكواس ودول الجوار، في حين يتعلق الثالث بالفاعلين الدوليين، وذلك في إطار أجندة زمنية تتشكل من ستة أشهر تعيد الشرعية الدستورية للبلاد، وتتوج بمؤتمر دولي للتنمية في منطقة الساحل.
وتتمحور مبادرة الجزائر حول مرحلة انتقالية من ستة أشهر، تديرها سلطة مدنية بقيادة شخصية توافقية، على أن يفسح المجال أمام جميع الفواعل في النيجر في رسم معالم المرحلة المقبلة في البلاد، للعودة إلى الوضع الدستوري والتفرغ لشؤون التنمية الشاملة في المنطقة تحت إشراف أممي.
ورغم وصف محللين للمبادرة بـ”الطوباوية” وتقليلهم من فرصة نجاحها في ظل غياب الحياد بعد تقارب الجزائر مع روسيا والانزعاج الفرنسي والأميركي من ذلك التقارب، إلا أن وزير خارجية الجزائر بدا متفائلا بنجاحها وتجنيب النيجر والمنطقة عموما مخاطر وتداعيات التدخل العسكري، استنادا إلى مؤشرات حصل عليها خلال جولته الأفريقية، وأثناء الاتصالات التي أجرتها بلاده مع أطراف نيجيرية وإقليمية، بما في ذلك قادة الانقلاب العسكري، والقيادة السياسية في نيجيريا التي تترأس مجموعة الإكواس.
◙ فرنسا التي تشهد علاقتها بالجزائر توترا بسبب التقارب الروسي – الجزائري ستكون العقبة الأولى أمام المبادرة الجزائرية
وأعطى أحمد عطاف الانطباع بأن بلاده لا تريد الانفراد بالمبادرة، بالتأكيد على إمكانية المساهمة في بلورة نسختها النهائية من طرف المهتمين بالشأن النيجري، وعلى مرونة مضمونها، بشكل يفضي إلى حل الأزمة باستعادة الشرعية الدستورية وتفادي الخيار العسكري. ويقول محللون إن فرنسا التي تشهد علاقتها بالجزائر توترا غير مسبوق بسبب التقارب الروسي – الجزائري ستكون العقبة الأولى أمام المبادرة الجزائرية. وتعد باريس على رأس المهتمين بالأزمة النيجرية وتدعم خيار التدخل العسكري.
ويبدو أن الجزائر التي بلورت مبادرتها تدريجيا بداية من التسريب إلى الإعلان لوسائل الإعلام المحلية والدولية، تكون قد تشجعت من مواقف قوى إقليمية ودولية داعمة للخيار السياسي، كما هو الشأن بالنسبة للولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا وكندا.
وذكر عطاف أن “الجزائر تفاعلت مع الوضع المستجد في نيامي منذ اليوم الأول للانقلاب، ودخلت في اتصالات ومشاورات مع مختلف الأطراف الداخلية والجهوية والدولية، من أجل تجنيب البلاد والمنطقة عموما تداعيات التدخل العسكري، وهي الرؤية التي تقاسمتها معها عدة حكومات كإيطاليا وكندا والولايات المتحدة”.
ومع استحواذ الوضع في النيجر والمبادرة السياسية الجزائرية على المؤتمر الصحفي لأحمد عطاف، إلا أن ذلك لم يقطع الطريق أمام التطرق إلى قضايا ومسائل مختلفة، وهو ما أوحى بأن السلطة دفعت بوزير الخارجية إلى الواجهة لكسر الجمود الذي أحدثه ما عرف بـ”صدمة” البريكس.
لكن رئيس الدبلوماسية الذي بدا محرجا حينا، وغير مخول بالرد على قضايا معينة، كرس غياب المرونة والانسياب داخل دوائر صناعة القرار السياسي في البلاد، فقد تفادى التعليق على التطورات المستجدة في ليبيا، بسبب تداعيات اللقاء بين وزيري خارجية طرابلس وتل أبيب في روما، كما نفى عن شخصه التخصص في الرد على سؤال حول ما تردد عن رفض الجزائر ونفي فرنسا حول استغلال المجال الجوي من طرف سلاح الطيران للمرور إلى النيجر.
وأفاد في المقابل، بأن وزير الخارجية التونسي نبيل عمار والمبعوث الخاص للرئيس قيس سعيد، قطع الشك باليقين حول ما تردد عن مساع تونسية للتطبيع مع إسرائيل، وأن مشروع قانون بصدد التحضير له يتعلق بـ”تخوين الاتصالات والعلاقات مع إسرائيل”.
ويبدو أن الجزائر لا تريد الانفراد بفرصة الحل السياسي والسلمي في النيجر، تفاديا للصدام مع أي مبادرة أو تصور مخالف، ولذلك تسعى إلى حشد دعم إقليمي ودولي لمبادرتها، والاستفادة من مواقف حكومات غربية خاصة وأن واشنطن والجزائر تناولتا الأزمة النيجرية في آخر اتصال بين دبلوماسيي البلدين في واشنطن.
وأكد أحمد عطاف أن “الرئيس عبدالمجيد تبون قرر إطلاق مبادرة لحل الأزمة في النيجر تقوم على أولوية الحل السياسي ورفض اللجوء إلى الخيار العسكري، وأن المبادرة هي خلاصة لمشاورات واتصالات تمت منذ اليوم الأول للانقلاب العسكري في النيجر”.
◙ الجزائر التي بلورت مبادرتها بداية من التسريب إلى الإعلان لوسائل إعلام محلية ودولية يبدو أنها تشجعت من مواقف قوى إقليمية ودولية
ولفت إلى أن مبعوث الرئيس تبون، كانت له لقاءات مع السلطات العسكرية والمدنية في نيامي، على غرار رئيس المجلس العسكري والوزير الأول ووزير الخارجية ووزير العدل، وقد تناول معهم الرؤية الجزائرية لتفادي الخيار العسكري والعودة إلى الوضع الدستوري.
وعلى صعيد آخر بدا رئيس الدبلوماسية الجزائرية، غير متحمس للحديث عن إمكانية بقاء بلاده في لائحة المنتظرين لولوج مجموعة البريكس بعد رفض طلبها مؤخرا، واكتفى بالقول “الجزائر التي تدافع عن مبدأ تعدد الأقطاب في العلاقات الدولية، وإعادة روح التعاون متعدد الأطراف ستواصل الدفاع عن هذه الخيارات مع شركائها وحلفائها في مجموعة البريكس في أطر أخرى”.
وأضاف “مجموعة البريكس هي دول صديقة إن لم نقل حليفة منذ زمن بعيد، وقبل البريكس كنا نتعامل ونقوم بتحركات مشتركة مع هذه الدول في ما يخص قضايانا السياسية الخارجية”. ولفت إلى أن الجزائر “ستواصل الدفاع عن خيارات سياستها الخارجية مع نفس الحلفاء لأن المستقبل في آسيا وآسيا الوسطى، وذلك في الأطر المتاحة على غرار مجلس الأمن الأممي، ومجموعة 77 وحركة دول عدم الانحياز”.
العرب