الحكومة السورية تراهن على العشائر للحد من النفوذ الأميركي والكردي شمالا

الحكومة السورية تراهن على العشائر للحد من النفوذ الأميركي والكردي شمالا

دمشق – أكد فيصل المقداد وزير الخارجية والمغتربين السوري أن “كل محاولات الاحتلال الأميركي لتكريس أمر واقع ميداني على الأراضي السورية ستفشل وهي محاولات بائسة ومحاولات اللعب على عامل الوقت سيفشلها أهلنا في الجزيرة السورية.
ويشير المقداد في تصريحاته إلى تعويل دمشق على مقاتلي العشائر العربية الذين استهدفوا مواقع ميليشيات “قوات سورية الديمقراطية- قسد” في ريف دير الزور شمال سوريا.

وتراهن الحكومة السورية على العشائر العربية للحد من نفوذ الولايات المتحدة وقوات سورية الديمقراطية “قسد” في الشمال السوري الخارج عن سيطرتها، وذلك بعد تحول التحالف بينهما إلى مواجهات عسكرية هدأت حدتها لبعض الوقت وما لبثت أن استأنفت.

واعتبر المقداد في تصريح لـصحيفة “الوطن” المحلية أن “الولايات المتحدة حليف أساسي لداعش وللاحتلال التركي في الشمال الغربي في سورية، وبالتالي عندما نتصدى لهؤلاء المعتدين ونتصدى لأدواتهم داخل سورية، فإننا نتصدى لداعميهم، ونحن واثقون بأن النصر قادم طال الزمن أم قصر ونأمل ونعمل من أجل أن يقصر زمن الاحتلال”.

ورغم أن شرارة بدء الاشتباكات انطلقت منذ اعتقال رئيس مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل من قبل “قسد”، لكنه ليس السبب الرئيسي إذ أنها نتيجة تراكمات كثيرة وفق ما أكدت مصادر مطلعة.
وأضافت المصادر أن المناطق العربية الخاضعة لسيطرة “قسد” التي يهيمن عليها حزب العمال الكردستاني، تعاني من تهميش كبير للمكون العربي، وهناك العديد من التهم من قبيل “الإرهاب، والانتماء لتنظيم داعش، أو التبعية لتركيا والتعاون مع الجيش الوطني السوري” لكل من يرفع صوته ضد “قسد”.

ويقول مسلحو العشائر إن انتفاضتهم الأخيرة ضد “قسد” لا علاقة لها باعتقال الخبيل إنما بحقوق يطالبون بها. وكانت “قسد” قد استحوذت على ريف دير الزور الشرقي من تنظيم داعش بشكل كامل بدعم من التحالف الدولي مطلع عام 2019 بسيطرتها على بلدة الباغوز في أقصى الشرق السوري، مع انتهاء حرب واسعة النطاق ضد التنظيم في شمال شرقي سورية كانت بدأت في عام 2016.

وبالنسبة لدمشق تعتبر فإن هذه العوامل مجتمعة تصب في مصلحتها لاستمرار الاشتباكات وإضعاف خصومها في واحدة من أهم المناطق في البلاد الغنية بالثروات النفطية والزراعية، وتعتبر منطقة الجزيرة السورية سلة غذاء سوريا.

وتطرق المقداد في تصريحاته للتطورات الجارية في منطقة شرق الفرات قائلا “نحن مطمئنون دائماً بأن الشعب السوري شعب عظيم ويتصدى لكل الهجمات ومحاولات الاستعمار لإعادة الهيمنة على المناطق السورية”.

لكن دمشق كما باقي أطراف الصراع في سوريا، حاولت التأثير على العشائر العربية واستمالتهم، من خلال صنع شيوخ ووجهاء مرتبطين بهم، ليسهل على كل طرف اختراق البنى المتماسكة للقبائل والعشائر العربية.

وتتهم”قسد” أطرافا استخبارتية تابعة لحكومة دمشق بالوقوف خلف هذه الأوضاع، وتقول أن أموالا وأسلحة أرسلت إلى شرق الفرات من قبل النظام السوري، دعما للمجموعات التي هاجمتها في المنطقة، وذلك في إطار مشروع مشترك بين النظام وتركيا استهدف المنطقة.

لكن تسجيلات صوتية للشيخ، إبراهيم الهفل الذين يقود مقاتلي العشائر العربية، وشيخ قبيلة العكيدات أكدت أنهم “غير تابعين لأي جهة ويرفضون دعوات النظام للانخراط أو استغلال الموقف”، وهو ما يخالف الاتهامات التي ترددها “قسد”.

وأعلنت العشائر العربية أنها لن تتوقف عن قتال “قسد” ما لم تتحقق مطالبها، وهي إنشاء إدارة مدنية مستقلة للمنطقة دون تدخل “قسد”، وتشكيل مجلس عسكري لدير الزور والمناطق العربية العشائرية، مستقل تحت إشراف مباشر من “التحالف الدولي”.

ورغم أن “التحالف الدولي” دعا مرارا إلى التهدئة وأرسل وفدا للتفاوض مع الجانبين إلا أن مصادر أكدت أن شيوخ العشائر يعتبرون أن عدم تدخل “التحالف الدولي” بشكل فوري في الاشتباكات يدل على حالة من التأييد لعقاب “قسد”، رغم البيانات الصادرة عن “التحالف” التي أكدت استمرار الشراكة مع “قسد”.

وتجددت الاشتباكات، مساء الاثنين، بين مسلحين من العشائر العربية و”قسد” في ريف دير الزور الشرقي. وحسب مصادر إعلامية فقد تركزت الاستهدافات من مقاتلين من قبيلة البكارة لمواقع ومسلحي “قسد” في بلدات الجنينة ومحيميدة الحصان والجيعة بريف دير الزور الغربي.

وأرسلت “قسد” الأحد الماضي تعزيزات عسكرية ضمت عربات مصفحة، إضافة إلى طائرات مُسيرة وصلت من منطقة المعامل.

من جانبها أعلنت حركة أبناء الجزيرة والفرات عن تشكيل عدّة مجموعات في الريف الشمالي والشرقي لدير الزور، بهدف مهاجمة المقار والأرتال العسكرية التابعة لـ”قسد”، وانتشر على وسائل التواصل فيديو يُظهر استهداف آليات لـ”قسد” ليلاً من مجموعة تطلق على نفسها “مجموعة الذئاب المنفردة” تتبع لمقاتلي العشائر في إحدى بلدات الريف الشرقي.

كما أدّى قصف من طائرات مسيّرة في مناطق تخضع لسيطرة “قسد” إلى سقوط قتلى وجرحى مدنيين، فيما نعت مليشيا “لواء القدس” التابعة للنظام عنصرين لها قُتلا خلال اشتباك مع تنظيم “داعش”.

ومع تصاعد حدة العنف اضطر عدد من السكان في بعض المناطق إلى المغادرة، أبرز تلك المناطق كانت في ريف المحافظة الشمالي، حيث شهدت قرية “الربيضة” نزوحا شبه جماعي للأهالي نحو أقربائهم في قرية “أبو النيتل”، لكن نزوحهم لم يكن بسبب الاشتباكات وحسب، بل كان أيضا خوفا من الاعتقال، كما حصل مع أهالي بعض القرى المجاورة، حيث يقدر ناشطون عدد المعتقلين في تلك المناطق بنحو 150 مدنيا.

وتنتشر العشائر العربية في سورية شرقي الفرات من منطقة جرابلس على الحدود السورية التركية من نهر الفرات غرباً إلى نهر دجلة شرقاً، ومن الحدود السورية التركية شرقي نهر الفرات شمالاً إلى الحدود السورية الأردنية جنوباً. كما تضم أرياف حلب وحمص وحماة عشائر عربية لها ارتباط وثيق بتلك المنتشرة في الجزيرة الفراتية وفي منطقة “الشامية” جنوب نهر الفرات.

وتضمّ المنطقة التي تسيطر عليها “قسد” في محافظة دير الزور عشرات القرى والنواحي والمدن، وتمثل القبيلتان الكبريتان في محافظة دير الزور، وهما قبيلة العقيدات وقبيلة البكارة. غير أن هناك بضع قرى في خط الجزيرة، تمكّنَ النظام السوري من السيطرة عليها، قبل أن تسيطر عليها “قسد” لاحقا.

العرب