بنغازي (ليبيا)- تسببت حالة الفوضى التي تشهدها ليبيا والانقسام السياسي في سوء تقدير حجم عاصفة دانيال؛ بدءا من تجاهل إجراءات التصدي لها واستباقها للحد من خسائرها، وصولا إلى ضبابية المشهد حيث تضاربت أرقام الموتى والمفقودين مع غياب صورة واضحة تقدر حجم الخسائر، وهو ما أثر على سرعة التفاعل والتجاوب الدولييْن مع الكارثة.
وبدت ليبيا معزولة عن العالم بعد تأخر رسائل التعاطف والمساعدات الدولية التي لم تصل إلا مساء الإثنين، أي بعد مرور حوالي يوم على حدوث الكارثة، وفي حين سيطر الارتباك على الحكومتين أرجع البعض غياب المعلومات إلى انقطاع الاتصالات.
ورغم تحذير تقارير صحفية الأحد من وصول العاصفة، التي ضربت السبت مدينة مصراتة قادمة من اليونان، إلى المنطقة الشرقية لم تتخذ السلطات أيّ إجراءات ملموسة في أغلب المدن باستثناء مدينة البيضاء التي حذرت السكان وجهزت فنادق لإيوائهم لكن التجاوب معها كان محدودا، ما يسلط الضوء على غياب الثقة بين المواطن والمسؤول في البلاد.
ومرت العاصفة التي ضربت مصراتة دون ضجيج باستثناء بعض الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت على بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، رغم تسببها في خسائر مادية فادحة.
وأربك الخلاف بين الحكومتين في طرابلس وبنغازي، والتوتر الذي يخيم على العلاقات بين الشرق والغرب منذ سنوات، حتى المتابعين للأوضاع خارج ليبيا؛ حيث تغيب الدقة عن أغلب المتحدثين والمسؤولين ما دفع البعض إلى اعتبار الأرقام المذكورة مبالغا فيها، خاصة بعد أن تحدثت تقارير عن 150 قتيلا في حين قال رئيس الحكومة الموازية أسامة حماد إن العدد تجاوز الألفين.
ويغطي التنافس السياسي منذ سنوات وأخبار الاشتباكات بين المجموعات المسلحة وتقارير الفساد على مشاكل الليبيين اليومية. ولا يلتفت المسؤولون إلى التقارير التي تهم الشأن العام، ويبدو ذلك في ظل ما يحدث آخر الاهتمامات رغم تخصيص ميزانيات كبيرة على مدى سنوات للبنية التحتية وتطوير الخدمات.
وتداول نشطاء تقريرا صادرا عن جامعة سبها قبل سنة يحذر من انهيار سدين في درنة. وتشير الأنباء إلى أن الكارثة ما كانت لتحدث لولا انهيار السدين.
وبحسب مسؤولين في شرق ليبيا انهار السدان الرئيسيان على نهر وادي درنة الصغير ليل الأحد – الاثنين، ما تسبب في انزلاقات طينية ضخمة دمّرت جسورا وجرفت العديد من المباني مع سكانها.
ولم تتضح حتى الثلاثاء الصورة بشأن ما حدث بالتفصيل والمناطق المتضررة، في حين تشير تصريحات صادرة عن المنظمات الإنسانية إلى أن درنة هي الأكثر تضررا، تليها بقية مدن الجبل الأخضر البيضاء، ولم تتواتر أنباء عن خسائر فادحة وسط بنغازي، معقل الحكومة الموازية.
وتشير المعطيات الأولية إلى أن حجم الخسائر المادية والبشرية الهائل يفوق أي كارثة طبيعية شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عقود.
وتحدث نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي عن اختفاء أحياء كاملة بسكانها في درنة، في حين قالت الإعلامية الليبية ريم البركي إن “درنة ليست مدينة منكوبة؛ درنة لم تعد موجودة على الخارطة وسيتم إخلاؤها في أي لحظة”.
والاثنين أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة أن كل البلديات التي تعرضت للسيول والفيضانات شرقي البلاد “مناطق منكوبة”.
كما أعلن الدبيبة خلال جلسة طارئة لمجلس الوزراء الحداد لمدة ثلاثة أيام، موجها كل “المسؤولين والوزراء دون استثناء للوقوف على الأوضاع التي تعيشها المنطقة الشرقية”، وفق ما نقلته منصة “حكومتنا” الرسمية.
وأعلن الدبيبة الثلاثاء تخصيص مبلغ 2 مليار دينار (446.4 مليون دولار) لصالح صندوق إعمار مدينتي بنغازي ودرنة، من أجل إعادة إعمار البلديات المنكوبة.
وهذه المرة الأولى التي يُسمح فيها للدبيبة وحكومته بالتدخل في مناطق خاضعة لسيطرة الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر.
وقال متحدث وزارة الداخلية في الحكومة الموازية طارق الخراز الثلاثاء إن “عدد ضحايا الإعصار بلغ 5200 قتيل في مدينة درنة وحدها”.
وتوقع الخراز ارتفاع “حصيلة قتلى الفيضانات في درنة إلى أكثر من 10 آلاف شخص”. وتابع “الجثث غير المنتشلة لا تزال كثيرة وحاليا تعمل فرق إنقاذ متخصصة، قدمت من تركيا والإمارات ومصر، على انتشال الجثث التي قذفتها الفيضانات إلي البحر”.
والثلاثاء قال المسؤول في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر طارق رمضان للصحافيين في جنيف “لا نملك أرقاما نهائية” لعدد القتلى حاليا، لكنه أوضح أن “حصيلة القتلى ضخمة وقد تصل إلى الآلاف”، فيما أكد أن “عدد المفقودين وصل إلى نحو 10 آلاف شخص”.
وقال رمضان متحدثا من تونس إن “الاحتياجات الإنسانية تتجاوز بأشواط إمكانات الهلال الأحمر الليبي وإمكانات الحكومة”.
العرب