الباحثة شذى خليل*
لا تقف أزمات العراق عند الصراعات السياسية والمشكلات الاقتصادية والأمنية، بل تتعدى لملفات أخرى لا تقل أهمية عن تلك القضايا، ويمكن ان تكون أهمها، ألا وهي التعليم، إذ أصبحت الأمية متفشية بين أبناء الشعب بشكل مخيف، حيث يواجه العراق تحديات كبيرة في نظامه التعليمي منذ عدة سنوات، على الرغم من الجهود المبذولة لتحسين معدلات التعليم فيه.
لا تتوفر إحصائيات رسمية حول الأمية في العراق بسبب عدم إجراء تعداد سكاني منذ عام 1997. وبالتالي، لا يمكن تصنيف العراق بشكل قاطع على أنه يعاني من أعلى معدلات الأمية، كما أن الإحصائيات التي تنشرها المنظمات المختلفة توصف بأنها “غير دقيقة”. لكن تشير بعض البيانات الأولية لنقابة المعلمين العراقيين إلى أن الأمية تطال أكثر من 10 ملايين فرد، رغم أن الأمم المتحدة تقدر العدد بأكثر من 11 مليونا.
إن ارتفاع معدل الأمية الإجمالي بين العراقيين بعمر 10 سنوات فما فوق إلى 13%، بعد أن كان 12% في عام 2021. وترتفع هذه النسبة بين الإناث في نفس الفئة العمرية حيث تصل إلى 18%، بينما تبلغ بين الذكور 8%. وعند مقارنة الأمية بين الريف والحضر، تبين أن نسبة الأمية في الريف تبلغ 18.5%، وتنخفض إلى 8% في المدن. ومن المهم الإشارة إلى أن مسح الأمية في العراق يشمل الأفراد بعمر 10 سنوات فما فوق، باستثناء الفئات العمرية الأصغر التي لا تزال في المدرسة الابتدائية.
وقال مصدر حكومي بما يتعلق بمعدلات الالتحاق بالمدارس في مرحلة التعليم الابتدائي، إن النسبة تبلغ 94%. إلا أن هذه النسبة تنخفض إلى 60% في المدارس المتوسطة، على الرغم من أن عدد سكان العراق يقدر بأكثر من 40 مليون نسمة.
بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى، يواجه العراق معدلات أمية أعلى، خاصة بين الإناث فوق 15 سنة، حيث تصل إلى حوالي 50%. وبالنسبة للذكور في نفس الفئة العمرية، فإن العراق يحمل أعلى معدل أمية بنسبة 40.2%. وهذا يضع العراق على رأس قائمة معدلات الأمية بين مختلف الدول العربية.
الجدير بالذكر أن تصنيفات اليونسكو تظهر تناقضاً صارخاً في الوضع التعليمي في العراق. ففي السبعينيات من القرن الماضي، احتل العراق المرتبة الأولى عالمياً في جودة التعليم ومحو الأمية. لكن في آخر تصنيف لليونسكو، صُنف ضمن الدول التي لديها أعلى معدلات أمية، حيث تتجاوز 47% بين الفئات العمرية التي تتراوح بين 6 إلى 55 عاما.
تتحمل النساء في العراق وطأة الأمية، خاصة بين من تتراوح أعمارهن بين 10 و20 عاما، وهو اتجاه وصفته الصحفية والناشطة العراقية هناء رياض بـ “الظاهرة الخطيرة”.
ومن العوامل التي تعيق التقدم وتطوير التعليم في العراق:
• الفقر والتحديات الاقتصادية، أثرت الصعوبات الاقتصادية على قدرة الأسر على إرسال أطفالها إلى المدرسة. وقد أدى ذلك إلى زيادة عمالة الأطفال، حيث يضطر بعض الأطفال إلى العمل للمساعدة في إعالة أسرهم.
• من جهة أخرى واجه الاقتصاد العراقي صعوبات بسبب تقلب أسعار النفط، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على قدرة الحكومة على تخصيص التمويل الكافي لقطاع التعليم.
• البنية التحتية، تفتقر العديد من المدارس في العراق إلى البنية التحتية المناسبة، بما في ذلك المباني الآمنة والفعالة، والكهرباء، والمياه النظيفة. وهذا يمكن أن يجعل من الصعب على الطلاب الذهاب إلى المدرسة بانتظام وعلى المعلمين توفير بيئة تعليمية مواتية.
• القضايا الأمنية، عانى العراق من عدم الاستقرار والصراع، لا سيما بعد الغزو الأمريكي في عام 2003. وقد أدت هذه الظروف إلى تعطيل نظام التعليم، مع تضرر المدارس أو إغلاقها، ونزوح المعلمين، وعدم قدرة الطلاب على حضور الفصول الدراسية بانتظام.
• جودة التعليم، كانت جودة التعليم في العراق مصدر قلق. وقد ساهمت المناهج القديمة، وعدم كفاية تدريب المعلمين، ونقص المواد التعليمية في انخفاض جودة التعليم.
• القدرة في الوصول إلى التعليم، هناك فوارق في القدرة على الوصول إلى التعليم في العراق، حيث أن المناطق الريفية والمجتمعات المهمشة غالباً ما تكون فرص حصولها على التعليم الجيد محدودة أو معدومة. وتوجد أيضًا فوارق بين الجنسين، حيث تواجه الفتيات تحديات أكبر في الوصول إلى التعليم في بعض المناطق.
• النزوح، أدى النزوح الداخلي للسكان بسبب النزاع إلى فرض ضغوط إضافية على نظام التعليم. وغالبًا ما يكافح الأطفال النازحون للحصول على التعليم، وقد تعاني المجتمعات المضيفة أيضًا من اكتظاظ المدارس.
• الافتقار إلى التخطيط التربوي: تم إعاقة التخطيط التعليمي المناسب وتطوير السياسات على المدى الطويل بسبب عدم الاستقرار والتغييرات المتكررة في القيادة، مما أدى إلى سياسات واستراتيجيات غير متسقة.
ختاما بذلت الحكومة العراقية والمنظمات الدولية جهودًا لمعالجة هذه القضايا وتحسين التعليم، لكن تبقى التحديات كبيرة وتحتاج الى خطط واعية لتجاوزها، ولا تزال الجهود المبذولة لمواجهة هذه التحديات مستمرة، حيث تعمل المنظمات الدولية وغير الحكومية والحكومة العراقية على تحسين الوصول إلى التعليم الجيد، وإعادة تأهيل البنية التحتية للمدارس، وتعزيز تدريب المعلمين. ومع ذلك، فإن استمرار عدم الاستقرار في المنطقة يجعل إحراز تقدم مستدام أمر صعب. فمعالجة هذه التحديات أمر بالغ الأهمية للتنمية والاستقرار في العراق في المستقبل، حيث يلعب التعليم دورا رئيسا في تعزيز النمو الاجتماعي والاقتصادي، فضلا عن تعزيز السلام والمصالحة.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة