مرجان إحساسي هي أميركية بالاختيار -و، حتى وقت قريب، كانت فخورة بذلك بقوة. ولدت في جنيف لدبلوماسي إيراني خدم في عهد الشاه، ونشأت في إيران حتى جعلت الثورة الإسلامية الحياة هناك غير مضيافة لعائلتها. تزوجت من أميركي، ولديها ابنان أميركيان، وأصبحت مواطنة أميركية وعاشت في هذا البلد لأكثر من 17 عاماً. وعملت في المعهد الوطني الديمقراطي، حيث تنشر القيم الأميركية عبر أنحاء الكوكب.
قالت لي مرجان: “واشنطن هي وطني. ولد أبنائي في هذه المدينة، وأنا أعتبر نفسي بالمطلق مواطنة أميركية. أشعر بقدر كبير من الولاء لهذا البلد”.
لكن إحساسي تكتشف الآن، بطريقة مؤلمة، أن ذلك الشعور ليس متبادلاً، فهي -على الرغم من كونها غير ممارِسة- مسلمة بالولادة، وقد هزها حديث دونالد ترامب عن إجبار الأميركيين المسلمين على تسجيل أنفسهم، وعن منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى رفض ترامب نفسه، فإن الأميركيين الآخرين يتقاطرون إليه (41 في المائة من الجمهوريين يؤدونه، حسب استطلاع أجري على مستوى الأمة ونشرت نتائجه يوم الاثنين الماضي)، ويعتنق هؤلاء نسخته من رهاب الأجانب. وفي الأسبوع الماضي، أقر مجلس النوب، بأغلبية ساحقة، مشروع قانون سيميز ضد زوار الولايات المتحدة بناء على أصولهم -بمن فيهم المواطنون الأوروبيون الذين لديهم، بحكم الولادة، جنسيات أخرى من إيران أو البلدان الشرق أوسطية الأخرى.
ظاهرة ترامب، كما تقول إحساسي، جعلت الأميركيين الإيرانيين يعيدون النظر في مكانهم. وتضيف: “يشعر كل واحد منا بالقلق من أننا ربما نضطر للهجرة إلى كندا، أو العثور على طريقة لمغادرة البلد. في هذه اللحظة، لا يبدو أن هذا البلد يمكن أن ينتمي إلي أو إلى أولادي. لقد شعر العديدون منا بأننا ما إن ننجب أولاداً؛ وعندما نقوم حقاً بتأسيس جذورنا في هذا البلد؛ عندما نعمل بجد؛ عندما نبلي حسناً؛ عندما نسهم؛ عندما يبدأ أولادنا بالمساهمة، فإننا سوف نُعد أميركيين حقاً. لكن الأمر لا يبدو كذلك الآن”.
تتصاعد مشاعر التمييز المناهض للمسلمين بوضوح في موسم ترامب هذا. ويأتي هذا في جزء منه لأن 6 من كل 10 أميركيين لا يعرفون مسلماً واحداً. ويجعلهم عدم وجود الألفة أكثر عرضة للاقتناع بالحديث المناهض للمسلمين. وأتمنى لو أن هؤلاء الستة من كل عشرة أميركيين يلتقون بصديقتي مرجان.
لقد عانت عائلتها في إيران بعد الثورة الإسلامية (جَدُّها سُجن)، وغادرت إيران في أواسط الثمانينيات للدراسة في جامعة تورنتو وكلية القانون في ماكجيل. ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة، وهي الآن بعمر 48 عاماً، وتتحدث الإنجليزية بأثر باهت فقط للهجتها الأصلية. وعندما لا تكون في سفر حول العالم لترويج الديمقراطية، فإنها تكون في منزلها في ضواحي تشيفي تشيس في ولاية ميريلاند؛ حيث تتجول لمتابعة أنشطة الأولاد ورياضتهم. وتذهب ابنتها -14 عاماً- وابنها -12 عاماً- إلى المدرسة مع ابنتي، وقد عرفت عائلتها منذ سبع سنوات. وهي تشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي بقدر ما تشكله عليه مادلين أولبرايت من الخطر.
تقول مرجان: “أنا امرأة شرق أوسطية، لكن هذا بلدي”. وهذا هو السبب في أنها فوجئت وصُدمت بما فعله مجلس النواب في الأسبوع الماضي، وما يستعد مجلس الشيوخ لفعله هذا الأسبوع، وبدعم من إدارة أوباما نفسها. ففي الرد على هجمات باريس وسان بيرناردينو التي شنها متعاطفون مع “الدولة الإسلامية”، يقوم الكونغرس بتشديد متطلبات التأشيرات على الناس من ذوي الصلات بسورية والعراق (حيث توجد “الدولة الإسلامية”)، والذين يزورون أميركا من أوروبا. لكن صناع القانون شنوا حملة أيضاً ضد الزوار الذين لهم صلات بإيران والسودان (حيث لا توجد “الدولة الإسلامية”)، وضمنوا المواطنين الأوروبيين الذين لديهم جنسيات مزدوجة من واحدة من الدول الأربع المذكورة.
بالنسبة لمرجان إحساسي، يعنى ذلك أن عرابة ابنها، وهي مواطنة بريطانية، وابنها بالمعمودية وأبناء عمومتها في باريس، وهم مواطنون فرنسيون، لن يتمكنوا من زيارة الولايات المتحدة بلا تأشيرة مثلما يفعل البريطانيون والفرنسيون الآخرون، بسبب جنسياتهم الثانية الإيرانية. ويمكن أن ترد الدول الأوروبية بالمثل، فتجبر الناس مثل إحساسي على الحصول على تأشيرة قبل سفرهم إلى أوروبا، بينما يسافر الأميركيون الآخرون إلى هناك أحراراً بلا تأشيرات.
تتعاطف إحساسي مع الأهداف الأمنية لمشروع القرار. وقالت إنها “تشعر بالقلق من كيفية انخراط الحكومة الإيرانية في المنطقة”، ومن أننا “نحتاج إلى التفكير بطرق لحماية أنفسنا” في الوطن. لكن “ما ستفعله هذه اللغة المقترحة هو خلق طبقتين من المواطنين”، كما تقول. أضف إلى ذلك اقتراحات ترامب الفاحشة والنقد اللاذع المناهض للمسلمين الذي حرضه وشجع عليه. وتقول إحساسي إنها تشعر كما لو “أنني لا أعرف هذه البلد. أشعر وكأنني لا أنتمي إليه”.
ربما سيرفض الأميركيون ترامب بالطريقة التي رفض بها الفرنسيون جبهة مارين لو بان القومية؟ وتصمت إحساسي هنا لوهلة. ثم تقول: “أخشى أننا لن نفعل. لقد أشعل هذا بالتأكيد المزيد من الكراهية ضد “الآخر”، ويصادف أن يكون “الآخر” هو المسلمون. لست متأكدة من أن هذا سيزول”.
ترجمة علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد الأردنية