الدعوات إلى ردع تركيا ترتفع في العراق، دون تهديد بعقاب

الدعوات إلى ردع تركيا ترتفع في العراق، دون تهديد بعقاب

بغداد- طالب نواب ومسؤولون عراقيون بالتحرك على المستويين الأمني والسياسي لردع تركيا ودفعها إلى وقف اعتداءاتها المتكررة على العراق، إلا أن أجواء التنديد بهذه الهجمات لم تبلغ حد التهديد بالإضرار بمصالح تركيا مع العراق.

وخطط الزيارة التي من المنتظر أن يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد مازالت معطلة، ويعود ذلك إلى أن أردوغان يزيد مطالبه التي يريد تحقيقها.

وكان الهجوم الذي شنته طائرة تركية مسيرة على مطار “عربت” الزراعي في السليمانية قد أسفر عن مقتل ثلاثة عناصر من جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان، وجرح ثلاثة آخرين.

وقد أدانت الرئاسة العراقية في بيان الاعتداءات المتكررة على مدن الإقليم “دون مسوغ عسكري أو أمني”، كما تم استدعاء الوزارات الأمنية العراقية المختصة للاستماع منها إلى تقرير مفصل، واستدعاء السفير التركي في بغداد لتسليمه رسالة احتجاج موجهة إلى الرئاسة التركية.

المسؤولون في بغداد فضلوا خيار الاحتجاجات ضد تركيا، خوفا من أن يتهمهم العراقيون بالضعف

وعلى الرغم من أن المسؤولين العراقيين أكدوا استعداد العراق “للجلوس مع الجهات الأمنية المعنية لسد الثغرات التي تعتقد تركيا أنها أماكن تسلل لمن يريد المساس بأمنها”، أكد الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول أن العراق “يحتفظ بحقه في وضع حد لهذه الخروقات”.

والهجوم الأخير حلقة من سلسلة هجمات أثارت الاحتجاجات في بغداد، وغالبا ما وقع ضحيتها مدنيون عراقيون.

وفي أعقاب القصف التركي لمنتجع سياحي في قضاء زاخو في 20 يوليو من العام الماضي، الذي أدى إلى مقتل 8 مواطنين وجرح 23 سائحا، كانت العلاقات بين البلدين قد واجهت تحديا جديدا. إلا أن الهجمات ظلت تتكرر حتى تم تسجيل سلسلة هجمات أخرى هذا العام، خمس منها خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وتركزت في محافظة دهوك، وبلغ مجموع ضحاياها 18 قتيلا و45 جريحا.

وقال القائد العام للقوات المسلحة العراقية يحيى رسول إن الاستهداف التركي لمطار “عربت” يعد خرقاً للسيادة العراقية ولكل المواثيق الدولية، وخرقا لمبادئ حسن الجوار من جانب تركيا التي يرتبط معها العراق بعلاقات تاريخية. وأضاف أن “العراق يحتفظ بحق الرد المناسب وفي الوقت المناسب على الضربات الجوية التركية داخل الأراضي العراقية”.

ويقول مراقبون إن المسؤولين العراقيين اختاروا تصعيد لهجة الاحتجاجات ضد تركيا، لأنهم باتوا يخشون أن يُتَّهَموا بالضعف وبأنهم ليسوا مؤهلين للدفاع عن سيادة العراق ويعجزون عن توجيه الرد المناسب، بل إنهم لا يستطيعون حتى التلويح بفرض عقوبات تجارية على تركيا، أو الاستفادة من الامتيازات التجارية التركية في العراق للضغط على أنقرة من أجل الحفاظ على ماء الوجه على الأقل، لاسيما وأن الجهود الدبلوماسية السابقة غالبا ما ذهبت أدراج الرياح.

وتتذرع تركيا بأنها تشن هجماتها لأجل استهداف عناصر حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية. إلا أن أنقرة رفضت حتى الآن القبول بإجراء مباحثات أمنية تكفل أن يتولى العراق بنفسه حماية الحدود بين البلدين، ومنع تسلل مسلحي حزب العمال.

واتهمت وزارة الخارجية التركيةُ قواتَ مكافحة الإرهاب التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني بالتواطؤ “عبر التدريب المشترك” مع حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب داخل مطار “عربت” بمحافظة السليمانية، لتبرر قصف المطار، إلا أن مسؤولين في حزب العمال نفوا وجود عناصر لهم هناك.

وقال عضو لجنة العلاقات في حزب العمال الكردستاني كاوه شيخ موس، في تصريحات لموقع “بغداد اليوم”، “ليس لنا أي وجود أو مقرات عسكرية في عربت أو بالقرب منها، وأحاديث تركيا عن وجود تعاون عسكري مع جهاز مكافحة الإرهاب غير حقيقية إطلاقا”.

وأضاف أن “تركيا تبث أكاذيبها للرأي العام ولا وجود لنا في عربت أو أي منطقة في السليمانية، وهي تريد تبرير قصفها للمناطق المدنية”.

وشهدت بغداد عدة زيارات من قبل وزراء الخارجية والتجارة والطاقة والنقل خلال الأشهر الثلاثة الماضية أدت إلى منح تركيا عقودا تجارية وفرصا استثمارية ضخمة، تمهيدا لزيارة أردوغان.

إلا أن فشل الطرفين في الاتفاق على حل خلافات تتعلق بتصدير النفط، وملفَي المياه والأمن، أدى إلى عدم تحديد موعد للزيارة.

وقالت مصادر عراقية إن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خرج بانطباعات خلال زيارته لبغداد الشهر الماضي تفيد بأن ظروف نجاح الزيارة لم تتوفر بعد، وهو ما يفسر السبب الذي جعل تركيا تستأنف هجماتها في العراق، لأنه لم يعد هناك ما يبرر الحاجة إلى التهدئة.

ويقول مراقبون إن الحكومة العراقية دأبت على القول إنها سوف ترد على الهجمات التركية، في حين أن ما تراه أنقرة هو أن الرد شمل توسيع نطاق التعاون التجاري، حتى بلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا 15.2 مليار دولار في عام 2022، بزيادة نسبتها 14.7 في المئة عن عام 2021.

وشكلت الصادرات التركية ما نسبته 84.7 في المئة من حجم التبادل التجاري بين البلدين، وهو ما يمثل تشجيعا ضمنيا على مواصلة الهجمات. ومنذ مارس الماضي أوقفت تركيا صادرات نفط إقليم كردستان عبر ميناء جيهان، مما يكبد العراق خسائر تبلغ أكثر من 25 مليون دولار يوميا، بينما ترفض تركيا دفع التعويضات التي قررتها المحكمة التجارية الدولية في باريس والبالغة نحو 1.5 مليار دولار لقاء تصدير نفط كردستان دون تنسيق مع بغداد.

وعرضت بغداد، في “الرد” على ذلك، بأن أعربت عن استعدادها للتفاوض بشأن هذه المسألة. وهو ما أضاف تشجيعا جديدا لحملة الهجمات التركية، بالتزامن مع قول الرئاسة العراقية في بيان، عقب الهجوم على مطار “عربت”، إن العراق “لن يقف مكتوف الأيدي أمام من سعى للمساس بأمنه وسيادته واستقراره”.

العرب