القاهرة – تنتهج مصر وإيران سياسة النفس الطويل للوصول إلى صيغة جيدة تضمن عودة العلاقات الدبلوماسية رسميا، بلا منغصات ثنائية وإقليمية ودولية، وأشار الخطاب العام الذي صدر من قبل مسؤولين كبار في البلدين إلى أن القرار الإستراتيجي للتطبيع قد اُتخذ وتبقى تفاصيله وطريقة إخراجه سياسيا.
يرفض البلدان الاستعجال في التطبيع، ويريد كلاهما أن تكون الظروف ناضجة تماما لهذه الخطوة، لأنها يمكن أن تكون على غير هوى بعض القوى التي تراقب هذا الملف، وتعي القاهرة وطهران أنه يتم النظر إليه كخطوة قد تغير بعض التوازنات.
يعزز من المسار التدريجي الاجتماعات التي تحدث على فترات متقاربة بين مسؤولين في البلدين، وآخر حلقاتها اللقاء الذي عقده رئيسا مجلسي النواب المصري حنفي الجبالي والشورى الإسلامي الإيراني محمد باقر قاليباف في السابع والعشرين من سبتمبر الماضي، على هامش اجتماع الجمعية البرلمانية التاسعة في جوهانسبرغ لمجموعة بريكس التي دعيت للانضمام إليها مؤخرا مصر وإيران بجانب كل من السعودية والإمارات والأرجنتين. وأكدت وكالة “مهر” الإيرانية أن اللقاء بين الجبالي وقاليباف جاء في ظل “تزايد التحركات الدبلوماسية مؤخرا لتحسين العلاقات بين البلدين بعد عدة عقود”.
وعقد وزير الخارجية المصري سامح شكري لقاء مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان على هامش اجتماعات الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك مؤخرا، كشف عن اتجاه الطرفين لاستثمار الاجتماعات الدولية وتوظيفها لأجل تطوير العلاقات بدلا من اللقاءات المباشرة في أي من البلدين، والتي لن تتم إلا عندما يصل كلاهما إلى قناعة بتصفية الملفات العالقة، خاصة ذات الحساسية الإقليمية.
كان لقاء شكري – عبداللهيان أول رد فعل مصري رسمي على سلسلة من التصريحات الإيجابية صدرت من مسؤولين كبار في طهران شددت على أهمية عودة العلاقات مع القاهرة، وعدم وجود ممانعات تعوق ذلك من جانب إيران.
تبدو سياسة الخطوة خطوة التي تتبعها القاهرة وطهران من صميم منهج الدبلوماسية المعتمدة لديهما منذ فترة، حيث توفر مساحة للتأني والثقة في حُسن النوايا وعدم إزعاج أي جهات إقليمية ودولية لا ترتاح لعودة العلاقات السياسية بين البلدين في هذه المرحلة على الأقل، والتي تتشكل فيها توازنات، جزء منها له علاقة بمستقبل العلاقة مع إيران.
ووصلت مصر وإيران إلى قناعة بأهمية إعلان استئناف العلاقات رسميا بعد أن حققت الاتصالات غير المعلنة الكثير من أهدافها الفترة الماضية، وهي التي مهدت الطريق لعقد لقاءات مشتركة في بغداد، وتم الكشف عنها مؤخرا، وأسهمت بشكل كبير في تقريب المسافات قبل الشروع في تبني خطاب إيجابي علني.
وأوضح رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية بالقاهرة الدكتور محمد محسن أبوالنور لـ”العرب” أن خطوات إعادة العلاقات المقطوعة منذ الثورة الإيرانية عام 1979 بدأت تسير بوتيرة جيدة غير مألوفة منذ ذلك التاريخ الذي بادرت فيه طهران بقطع العلاقات مع القاهرة، اعتراضا على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.
وأضاف أن هذا الأمر كان عائقا رئيسيا أمام عودة العلاقات طيلة العقود الماضية، لكن توالي اللقاءات على مستويات قيادية كبيرة أكد أن هناك تفاهمات ومسوغات أزاحت من أمام القاهرة عوائق إعادة تلك العلاقات تتعلق ببنية الدولة المصرية وتصوراتها لما يجب أن يكون عليه شكل العلاقات مع دولة ناصبت رموز فيها مصر العداء.
وأشار أبوالنور، وهو خبير في الشؤون الإيرانية، إلى أن أحد العوائق غير المركزية في نظرة القاهرة لعلاقاتها مع إيران هو العامل الإسرائيلي، إذ من المعروف أن تطبيع العلاقات بين دولتين كبيرتين في الإقليم لن يلقى ارتياحا في تل أبيب.
وتنظر إسرائيل إلى إيران على أنها الداعم الأكبر للتنظيمات والجماعات الفلسطينية المسلحة، وأن مصر لاعب محوري في القضية الفلسطينية، وعليه لن تكون تل أبيب في وضع آمن على الأقل في التصور الإستراتيجي لنظرية الأمن القومي إذا وجدت نفسها محاصرة بين القاهرة وطهران عقب توافقهما على حل المشكلات العالقة.
وأكد أبوالنور أن علاقات قوية بين مصر وإيران سوف تسمح بالمزيد من التعاون في ترتيبات أمنية لن تكون إسرائيل طرفا فيها مع تصاعد ملامح التوافق بين قوى رئيسية في الإقليم، وهي: مصر وإيران والسعودية وتركيا.
وقام سلطان عمان هيثم بن طارق بزيارة إلى القاهرة أتبعها بأخرى إلى طهران في مايو الماضي صبت في مسار تطوير العلاقات بينهما، واستعداد مسقط للقيام بدور وساطة لتجاوز العقبات التي تعتري هذا الطريق، انطلاقا من خصوصية علاقات سلطنة عمان مع البلدين ودورها في تفكيك الكثير من العقد في أزمات إقليمية مختلفة.
وأعرب رئيس مجلس النواب المصري عن سعادته بلقاء الوفد البرلماني الإيراني، قائلا “أعتقد أنه من خلال المشاركة في مجموعة بريكس نسير على الطريق الصحيح لتنمية البلدين، ويجب أن نحاول زيادة العلاقات والتعاون بين في مختلف القضايا”. ودعا الجبالي قاليباف لزيارة القاهرة من أجل تطوير العلاقات بين البلدين، كما وجه الثاني دعوة مماثلة للأول لزيارة طهران لتحسين العلاقات البرلمانية بين البلدين.
◙ واشنطن تنظر بقلق إلى تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران لأن تطويرها على قاعدة متينة من التفاهمات الإقليمية سوف يخل بما تريد ترسيخه من مقومات
واعتبر رئيس مجلس الشورى الإيراني أن “التعاون البرلماني الذي يمثل البلدين قد يكون فعالا للغاية في التنمية المستدامة للعلاقات بين دول شمال أفريقيا وغرب آسيا، وإذا تحقق ستكون هناك رؤية واضحة لمستقبل البلدين من أجل تحسين العلاقات”.
ويقول مراقبون إن الولايات المتحدة تنظر بقلق إلى تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران، لأن تطويرها على قاعدة متينة من التفاهمات الإقليمية سوف يخل بما تريد ترسيخه من مقومات تجعلها تحافظ على دورها المركزي في المنطقة الذي فقدت جانبا منه بنشوب صراعات وأزمات إقليمية صبت حصيلة بعضها في صالح روسيا والصين.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن مصر وإيران منتبهتان لهذه المعطيات ما جعلهما تميلان إلى اتباع أسلوب التريث، وتحاشي صدمة قوى ربما تكون لديها اعتراضات على وصول العلاقات بينهما إلى مرحلة متقدمة من التعاون والتنسيق، فطهران لن تنسى طموحاتها في المنطقة وإن ابتعدت عن المساس بالمصالح المصرية الإقليمية.
ومن المتوقع أن تتواصل الاجتماعات بين المسؤولين في البلدين على الوتيرة نفسها، من خلال التصريحات الإيجابية واللقاءات على هامش مؤتمرات إقليمية ودولية إلى حين تنضج الأجواء لاتخاذ قرار نهائي بالتطبيع الكامل والعلني وبقليل من الاعتبار للمواءمات الإقليمية التي كبلتهما، بعد حل الكثير من القضايا الخلافية الثنائية.
العرب