تبون يطمئن الجزائريين على قوتهم تحسبا لاحتجاجات جديدة

تبون يطمئن الجزائريين على قوتهم تحسبا لاحتجاجات جديدة

الجزائر – وجه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الأحد خطابا لطمأنة الجزائريين بأن الدولة قادرة على توفير قوتهم “بكل أريحية”، وأنها لن تلجأ إلى رفع الدعم عن المواد الأساسية مهما كانت الأسعار في الأسواق العالمية، في خطوة تظهر أن تبون يتخوف من اشتعال مفاجئ للجبهة الاجتماعية بسبب الوضع الصعب الذي يعيشه الجزائريون حاليا.

ويتحدث النظام باستمرار عن مؤامرة من الداخل تهدف إلى توظيف الوضع الاجتماعي في إفشال الانتخابات الرئاسية، لكن مراقبين جزائريين يقولون إن النظام يتخوف من نفاد صبر الجزائريين الذين قد يعودون إلى الشارع إذا أحسوا بأنهم مهددون في قوتهم، ولذلك عاد لطمأنتهم والإعلان عن إجراءات لفائدة بعض الفئات بدلا من اتخاذ قرارات عامة، ما قد يستفز فئات أخرى ويدفعها إلى القيام بردود فعل.

وضمن مسار الطمأنة ركز مجلس الوزراء الجزائري، الذي انعقد الأحد بإشراف تبون، على عدد من الملفات المتصلة بالعودة المدرسية والجامعية ومنتسبي القطاع الزراعي ووفرة المواد الغذائية بشكل عام.

وأعلن المجلس عن عدة إجراءات منها رفع المنحة الجامعية إلى نحو 14 دولارا، ورفع رواتب الأئمة وتوفير سكن وظيفي لهم، والتكفل العاجل بالنقائص المسجلة في قطاع التعليم، وإعفاء المزارعين من دفع أقساط القروض والضرائب والتعويض عن خسائر موجة الجفاف، وتموين السوق المحلية بمختلف المواد الضرورية واستمرار دعم المواد واسعة الاستهلاك.

وشكل الدخول الاجتماعي الحالي تحديا غير مسبوق للحكومة الجزائرية، قياسا بحالة الاحتقان والتململ التي تعيشها الجبهة الاجتماعية، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وتراجع القدرة الشرائية، والغلاء الفاحش وندرة بعض المواد، مقابل عزم السلطة ترتيب الوضع الداخلي من أجل الذهاب إلى انتخابات رئاسية سلسة يظهر فيها مرشح السلطة، الرئيس الحالي، في ثوب مخلّص البلاد من تراكمات الأزمة المتشابكة.

وأفاد بيان مجلس الوزراء بأنه تقرر “فتح ملف الإمامة وتصنيف الأئمة والمساجد من أجل تنظيم أكبر للقطاع، وأمر الرئيس، بناء على التزاماته، بإعداد القانون الأساسي للأئمة والذي سيتضمن مراجعة أجورهم، كما أمر وزير الداخلية بالتنسيق مع الولاة بتخصيص سكنات وظيفية للأئمة بكل المساجد الكبرى في الولايات أو من خلال التجمعات السكنية الجديدة، مراعاة لطابع التحويلات في مهنتهم”.

وأضاف “أمر الرئيس برفع منحة الطلبة الجامعيين من 1300 دينار شهريا (9 دولارات) إلى ألفي دينار شهريا (14 دولارا)، على أن يدخل القرار حيز التنفيذ ابتداء من أكتوبر الجاري، ريثما يتم إعداد تصور جديد شامل لمنظومة الخدمات الجامعية في الجزائر”.

وكان الرئيس تبون ومسؤولون آخرون قد تحدثوا في أكثر من مرة عن وجود مخططات تستهدف تأليب الشارع على السلطة، من خلال العمل على استحداث أزمات اجتماعية وحالة من الارتباك والتململ لإحداث ثورة اجتماعية في البلاد بهدف خلط الأوراق.

ومنذ 2020 لم تتوقف الدوائر السياسية والإعلامية الموالية للسلطة عن إثارة موضوع “المؤامرة” المحدقة بالبلاد، لكن استمرار الوضع كما هو يطرح تساؤلات حول مدى قدرة السلطة على حماية نفسها والبلاد معا في حالة الأخطار الحقيقية، والإخفاقات المستمرة لأجهزتها التنفيذية، خاصة أن مجلس الوزراء تحدث عن وجود قرارات للهيئة لم يتم تنفيذها لأسباب لم يعلن عنها، ولذلك عمل على تفعيلها.

وإلى حد الآن لم يفصح تبون عما إذا كان ينوي الاستمرار في الرئاسة بعد نهاية العام القادم، واكتفى بالقول “الأولوية الآن لتنفيذ التعهدات ولكل حادث حديث”، غير أن كل المؤشرات توحي بأن الرئيس الجزائري يريد الاستمرار في المنصب بأي وسيلة.

ويبقى الإجماع غائبا داخل السلطة حول استمرار تبون من عدمه، خاصة في ظل وجود نوايا غير معلنة حول ضرورة انتخاب وجه جديد لأسباب تتصل بتوازنات داخلية وبالحصيلة التي لم تنقذ السلطة ولا البلاد، ولم تُنس الجزائريين ثورةً سلمية مازالت تمثل لهم مصدر إلهام لأي تغيير سياسي.

وتكررت هواجس السلطة من الخصم الخفي في أكثر من مرة، لكن ردود الفعل بقيت مرتبكة وغير منظمة، فحينا يتم اللجوء إلى التغيير في تركيبة وشكل الهيئات الحكومية، على غرار الحكومة والمؤسسات التابعة لها كالمراصد والمجالس والهيئات، وأحيانا يتم اللجوء إلى التشريع بتكريس وتعزيز السلطات كما حدث مع إعادة تنظيم مصالح رئاسة الجمهورية مؤخرا، حيث تحول قصر المرادية إلى حكومة ظل، غير أن تخوّف السلطة من لعبة التوازنات القوية والمؤلمة يبقى قائما.

وقال بيان مجلس الوزراء إن رئيس الجمهورية حض الحكومة على “استكمال تجهيز المدارس سواء المرممة أو المرافق التربوية الجديدة، وذلك بالتنسيق مع ولاة (محافظي) الجمهورية في مدة أسبوعين على أقصى تقدير، والوقوف على كل انشغالات أولياء التلاميذ بخصوص تمدرس أبنائهم مهما كانت بساطة الانشغالات، مع تقديم الحلول اللازمة فوريا”.

وفي القطاع الزراعي أمر تبون بـ”تأجيل دفع الإتاوة المستحقة على الأراضي الممنوحة بصيغة الامتياز، وتأجيل دفع القروض الفلاحية (الرفيق) لمدة ثلاث سنوات مع تكفل الدولة بنسبة الفوائد، وتعويض الفلاحين عن إنتاج الحبوب المتضررة ودعمهم بالبذور والأسمدة مجانا”، لافتا إلى أن “تنظيم عمليات الاستيراد هدفه تشجيع وحماية المنتوج الوطني وليس خلق الندرة على حساب المواطنين، لأنه لا تقشف مع قوت الجزائريين، فضلا عن الإسراع في إتمام صوامع تخزين الحبوب للوصول إلى طاقة استيعاب تقدر بتسعة ملايين طن”.

وعاد الرئيس الجزائري إلى مسألة تموين الأسواق المحلية، بالتشديد على “ضرورة السهر الصارم على تنفيذ خطة الدولة في تنظيم الاستيراد وتوفير مختلف السلع للحيلولة دون تأويل قرارات الدولة بهدف خلق وتغذية الإشاعات حول الندرة، بينما الدولة قادرة على ضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي بكل أريحية في ظل قانون المنافسة”.

وأقرّ بأن “دعم الدولة لمختلف المواد ذات الاستهلاك الواسع سيبقى مكفولا مهما كانت الأسعار في الأسواق الدولية، وهي تقف دوما بالمرصاد لكل المحاولات الهادفة إلى قطع قوت الجزائريين”.

العرب