صحوة وثائقية مصرية: توثيق شهادات خبراء دوليين عن حرب أكتوبر

صحوة وثائقية مصرية: توثيق شهادات خبراء دوليين عن حرب أكتوبر

القاهرة- نشطت القناة الوثائقية المصرية الأيام الماضية بشكل لافت وعرضت مجموعة من الأفلام التي تؤرخ لحرب السادس من أكتوبر في الذكرى الخمسين لها، وهو أمر لم يكن معهوداً من قبل، وجرى توجيه انتقادات لجهات رسمية بسبب عدم التوسع في تقديم أعمال توثق ما حدث في هذه الحرب بعد تعدد الروايات حولها وقيام الآلة الإعلامية والفنية في إسرائيل بتقديم وجهة نظرها للحرب من زاوية تفيدها.

وعرضت القناة المصرية الوثائقية التي تم افتتاحها مؤخرا عدة أفلام مرة واحدة، الجمعة السادس من أكتوبر، في نفس توقيت عبور القوات المصرية قناة السويس.

وقدمت القناة فيلم “لحظة عبور” وبثته على منصاتها الرقمية المختلفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعرضت أفلام: “من أرشيف الجبهة”، و”صمود السويس” و”أغنية النصر” و”أكتوبر في عيون العالم”، والتي تم إنتاجها حديثا.

وبدا اهتمام القناة، التي دشنتها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بكواليس انتصار أكتوبر منذ بداية هذا الشهر، وعمدت الى إعادة التذكير بالأجواء التي مرت بها مصر قبل اندلاع الحرب، وقدمت مجموعة من الأفلام المتنوعة، من بينها: “قادة حرب أكتوبر” و”الكتيبة 101″ و”عن قرب.. خطة الدفاع الإستراتيجي” و”طابا” و”خمسون عاماً” و”حرب الاستنزاف”، وكلها تعزز الرواية المصرية من زواياها المختلفة.

الاهتمام المصري بالوثائقيات التي تؤرخ لحرب أكتوبر صحوة متأخرة، ولهذه المناسبة زخم كبير لدى المبدعين، ويمكن أن تخرج من تحت عباءتها أعمال فنية تليق بهذا الحدث

وأشارت القناة الوثائقية في تعريفاتها لعدد من الأفلام المعروضة إلى أنها تطرقت إلى معلومات يتم الإفصاح عنها لأول مرة تزامنًا مع اليوبيل الذهبي للحرب (خمسون عاما)، ما يشي بأن الدولة قرّرت أن تنفتح بشكل أكبر على إتاحة قدر من الوثائق السرية للحرب من خلال معلومات تتدفق في صورة فيلمية، وهو ما يعبّر عن صحوة جاءت في وجهة نظر عديد من خبراء السياسية والإعلام متأخرة نسبيا.

تطرّقت الأعمال المقدمة للكثير من المعلومات التي جرى الإفصاح عنها من جانب إسرائيل وعملت على تفنيدها بشكل غير مباشر، وانفتح الإعلام المصري هذه المرة على آراء خبراء عسكريين دوليين لتوثيق شهاداتهم حول الحرب، بهدف التأكيد على أن الرسائل ليست موجّهة إلى الداخل فقط، وأن الجمود السابق قاد ليظل الإنتاج قاصراً على مجموعة قليلة من الأفلام أغلبها جرى إنتاجه قبل عقود.

وواجهت دوائر حكومية انتقادات لعدم مجاراتها ما أقدمت عليه إسرائيل عقب تقديمها عدة أفلام سينمائية ووثائقية حظيت بانتشار واسع وأثارت حولها جدلا، أبرزها فيلم “الملاك” الذي عرضته منصة نتفليكس عام 2018 بإنتاج إسرائيلي – أميركي مشترك وتناول قصة أشرف مروان سكرتير الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وروّج هذا العمل للرواية الإسرائيلية كونه كان عميلاً مزدوجًا.

وعرضت المنصة ذاتها فيلم “غولدا” وتدور أحداثه حول رئيسة وزراء الحكومة الإسرائيلية أثناء حرب أكتوبر (غولدا مائير) كونها المرأة الوحيدة التي تولّت هذا المنصب، وجسّدت شخصيتها النجمة البريطانية الحائزة على جائزة الأوسكار هيلين ميرين وشاركتها البطولة مجموعة من النجوم الصاعدة من جنسيات مختلفة.

وقال رئيس قطاع الأخبار بالتلفزيون المصري سابقًا إبراهيم الصياد إن الاهتمام المصري بالوثائقيات التي تؤرخ لحرب أكتوبر صحوة متأخرة إلى حد كبير، ولهذه المناسبة زخم كبير لدى المبدعين في مصر، ويمكن أن تخرج من تحت عباءتها أعمال فنية تليق بهذا الحدث، ويعود الاهتمام الحالي إلى أن القاهرة تحتفل باليوبيل الذهبي لما تحقّق من انتصار عسكري، وتزامن ذلك مع ظهور وثائق جديدة خاصة بالحرب من جانب إسرائيل، وملخّصها أنها تعترف بالهزيمة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن ما عرضته القناة الوثائقية وغيرها من المحطات المصرية مع أهميته، إلا أنه ليس كافيا، فهناك العديد من المعارك لم يتم توثيقها بالشكل الأمثل، ويمكن إنتاج أعمال درامية وسينمائية عنها، بما يسهم في إحياء حالة الشعور بالوطنية ومجابهة الآلة الإعلامية الإسرائيلية القوية التي تخاطب العالم بإنتاجها الخاص عن الحرب، ما يتطلّب عرض الأعمال المصرية بلغات أجنبية عدة وإتاحتها للعرض على نطاق واسع دوليا.

وأشار إلى تحقيق الهدف من غزارة الإنتاج الوثائقي هذا العام يتوقف على مدى وصول هذا المحتوى إلى الآخر من عدمه، وأن العرض على المنصات الرقمية مفيد، لكنه في حاجة إلى الترجمة العبرية وتقديم أعمال تخاطب المواطن الإسرائيلي وتوصيل الحقائق إليه من وجهة نظر مصرية، في مواجهة أعمال إسرائيلية تركز على الجانب المعنوي لدى مواطنيها.

ولم تفرج مصر بعد عن غالبية الوثائق التي تمتلكها خلال الفترة بين حربي يونيو 1967 وأكتوبر 1973، والتي لها أهمية حال كان لدى الجهات الرسمية الرغبة في أن تردّ على ما تعرضه إسرائيل التي قدمت وثائق متباينة.

حالة الإحباط التي يعاني منها بعض المصريين جراء صعوبة الأوضاع الاقتصادية، تعد دافعًا نحو التوسع في تقديم أعمال وثائقية ترفع الروح المعنوية

وإذا تمت الاستجابة لمطالب تدشين منصة رقمية تتضمن المعلومات والأفلام المصرية المرتبطة بحرب أكتوبر، فإن ذلك يتطلب مادة تحقق عنصر الجذب لها، والجهود الحالية لن تحقق المرجوّ منها ما لم تقدم مضمونا نوعيا، فقد قام خلال الأعوام الماضية بعض المشاركين في الحرب من الجانبين (المصري والإسرائيلي) بتأريخ ما عاصروه، لكن تبقى هناك معلومات لم يطّلع عليها الضباط والقادة الصغار.

وطالب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مؤخرا بتقديم المزيد من الأعمال الوثائقية لرفع وعي الشباب والأمة عن انتصارات حرب أكتوبر المجيدة، ما يشي بوجود إدراك رسمي أن المعركة التي دارت رحاها عسكريا قبل خمسين عاماً تحولت الآن إلى حرب فكرية، واستمرار الصمت لن يكون في صالح الأمن القومي المصري، الذي هو في حاجة إلى أدوات ووسائل إعلامية وفنية تدعمه، بعيداً عن الانفتاح المعلوماتي الذي يصب في صالح الدولة مع إفراج إسرائيل عن الكثير من الوثائق.

وطالبت مها شهبة، وهي خبيرة إعلامية خلال ندوة تثقيفية عقدها الجيش المصري تزامنًا مع ذكرى حرب أكتوبر، الأربعاء، بتوثيق ما دار في الحرب بطريقة تلائم الأجيال والعالم والتكنولوجيا الحديثة، قائلة “آن الأوان بعد 50 سنة أن تكون هناك منصة رقمية تتجمع فيها كل وثائق الحرب، شهادات وصورًا وفيديوهات وجوابات المحاربين، ويتطور الأمر لتقديم مادة كرتونية تخاطب الأطفال، وأخرى مكتوبة خصيصا لحرب أكتوبر بلغات عدة كي يعرف العالم ما حدث”.

وأشار الأكاديمي والكاتب حماد عبدالله، وهو أحد المشاركين في معركتي الاستنزاف وحرب أكتوبر، إلى أن حالة الإحباط التي يعاني منها بعض المصريين جراء صعوبة الأوضاع الاقتصادية وعدم وجود مؤشرات قوية على التحسن في المدى القريب يعد دافعًا نحو التوسع في تقديم أعمال وثائقية ترفع الروح المعنوية.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الأعمال الفنية التي تناولت الحرب لم تقدّم ولو جزءا بسيطا مما كان يدور في الواقع، والكثير من التفاصيل يمكن سردها بطريقة تُعيد التذكير بما تحقق من إنجاز، وأن تقديم قوالب وثائقية لا يكفي، فالإنتاج الدرامي والسينمائي يمكن أن تصل أهدافه حال عكس ما حدث، ما يمنح الأمل للأجيال الجديدة لإقناعها بأنه من السهل التغلب على أيّ مصاعب حال توفرت أدوات النجاح.

وذكر أن معارك المعلومات مع الجانب الإسرائيلي لم تتوقف وإن تطورت العلاقات السياسية بين تل أبيب والعديد من الدول العربية، وأن فكرة الانكسار خلال حقبة تاريخية من الزمن سوف تظل مسيطرة، وهو ما يتم اللعب عليها إعلاميًا، ومن المتوقع أن يستمر ذلك ضمن أدوات الحروب النفسية.

وأكد المخرج شريف سعيد، رئيس القناة الوثائقية، أن أهمية توثيق حرب أكتوبر والصراع المصري – الإسرائيلي تكمن في تعريف الأجيال المعاصرة التي لم تشهد هذه الأحداث التاريخية قائلا “إن هذا الصراع يمثل تحديًا كبيرًا حيث يتعين تحصين فكر الأجيال الجديدة من خلال السماع إلى المرويات المصرية عن هذه الأحداث”.

وثمّة قناعة لدى البعض من المصريين بأن أجهزة الدعاية الإسرائيلية تقوم بدورها في سياق أمني وسياسي وليس إعلاميا، وأن الإفصاح عن معلومات معينة يبقى دائما بيد الجيش الإسرائيلي وأجهزته، وينسحب ذلك على الجانب الآخر، ما يجعل للتعامل مع المحتويات المعروضة في ذكرى أكتوبر أبعادا مماثلة.

العرب