لن أرقص فرحا اليوم.. لأبكي قهرا غدا. ولن أنجر وراء ما يُمارس من نشوة نصر كاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل جموع عربية لا تعي أبعاد ما قامت به حركة حماس والرد الإجرامي الإسرائيلي المنتظر.. فما الهدف من وراء ما يجري؟
تماما كما جرى عام 2006 حين رقص العرب فرحا لحزب الله ورئيسه حسن نصرالله، بنصرهم المزعوم آنذاك وما تلاه من صفقة أسرى، يرقص الكثير من العرب طربا لما قامت به حركة حماس من وراء شاشات هواتفهم وهم يجلسون في بيوتهم آمنين مطمئنين، والشعب الفلسطيني في غزة وحده من يقصف بالصواريخ والقنابل، ويقبع محاصرا بالخوف والجوع ونقص الأدوية، بعد أن اختفى كالعادة قادة حماس ومقاتلوهم من شوارع غزة خوفا على حياتهم وعائلاتهم، فمن اتخذ قرار شن الحرب لم يهتم لأحوال 2 مليون مواطن فلسطيني جلهم من الأطفال الأبرياء والنساء والشيوخ.
تنساق الجموع العربية وراء رواية أن إسرائيل تفاجأت بالعمل العسكري النوعي الحمساوي.. حشود مقاتلة من حركة حماس عبرت الحدود نحو عمق إسرائيل، دون أن ترصدها أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية التي تتجسس عليها وعلى هواتفها وعلى تحركاتها ليل نهار، فسقطت المنظومة الأمنية الإسرائيلية سريعا، منظومة تفاخرت بها إسرائيل كثيرا.. قتلوا من قتلوا وأسروا من أسروا.
الجموع العربية تلعن أميركا وهي تقدم الدعم لإسرائيل، ولا تلعن نفسها وهي التي تركت شعبا يقبع تحت الاحتلال منذ أكثر من سبعين عاما
تريد الجموع العربية تصديق ما ينشر من مشاهد وروايات بطولية بسبب ما تعانيه من عقلية جمعية عاشت على الهزائم والخوف والتهويل من العدو؛ تريد تصديق أعداد القتلى، وسيناريوهات انهيار حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة. ولا أدري أهو انهيار أم إنقاذ له، وهو يحظى بدعم سياسي عالمي لم يكن ليحلم به ليكمل من خلاله إجرامه دون حساب ضد الشعب الأعزل، فمن سيدفع ثمن الدم الفلسطيني المسال اليوم بغزارة في شوارع غزة؟
تصفق الجموع العربية لمن قتل إسرائيليا أو لمن أسره، ولا تنظر إلى من هدم بيته بالأمس ويهدمه اليوم وسيهدمه غدا، آلاف بلا مأوى وبلا طعام ولا مساعدات. 17 سنة مضت ولم تبن حماس وحكمها الفاشي في غزة ملجأ يحمي الشعب الذي يزاحم نفسه متكدسا في بعض المدارس والمساجد، والذي إن لم يمت تحت ركام الأبراج والبيوت المهدمة، فسيموت جوعا أو من نقص الأدوية.
تلعن الجموع العربية أميركا وهي تقدم الدعم لإسرائيل، ولا تلعن نفسها وهي التي تركت شعبا يقبع تحت الاحتلال منذ أكثر من سبعين عاما، فلا أحد يصف كاتب هذا المقال بالتخاذل أو الهوان، بل صفوا أنفسكم، وأنتم تاركين غزة وشعبها رهينة تحت وطأة كيان لا يرحم، وحكم جماعة ترفع شعارات تُمجد من أدام الله ظله في طهران.
لكن لا تقلق الجموع العربية.. ستنتهي الحرب التي لم تبدأ فعليا بعد، فمازال الأمر يحتاج إلى المزيد من الدماء والعنف والدمار.
الحرب التي ستقوى بها حركة حماس التي لعبت دورها إسرائيليا طوال السنوات السابقة لتعزيز الانقسام الفلسطيني بتمويل من بنيامين نتنياهو نفسه، ستقوى لتعود كما عاد حزب الله عام 2006 بالنصر المزعوم، وتنفذ ما تبقى من دورها. وستكون الدولة فقط في غزة كما أراد وخطط لها أرييل شارون الراعي الأول لفكرة الدولة الفلسطينية في قطاع غزة، وكانت ستنفذ إبان حكم محمد مرسي والإخوان في مصر بعد اقتطاع جزء من أرض سيناء لصالح الدولة في غزة ولكنها لم تستكمل، لتكون اليوم مع تعديل بسيط من حيث الحدود بتمددها من جهة إسرائيل. فغلاف غزة الذي توغل فيه مقاتلون من حماس وسيطروا على بعض المستوطنات والمعسكرات والقواعد الإسرائيلية -كما يزعمون- سيكون حدود دولتهم الجديدة أو إمارتهم أو كيانهم، برعاية أميركية – إيرانية وأمام صمت الجموع العربية المعتاد.
العرب