بينما يجتمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول جنوب شرق آسيا في الرياض، تتجه كل الأنظار نحو سياسة مجلس التعاون الخليجي المعروفة باسم “النظر شرقا”. وأصبحت دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) على وشك إعادة إحياء العلاقات بعد أكثر من عقدين من التعاون الفاتر.
وقد تبدو كلفة التجارة السنوية بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيان قوية بالفعل، حيث تبلغ حوالي 110 مليارات دولار. وتعد دول مجلس التعاون الخليجي بعد الصين والهند والاتحاد الأوروبي رابع أكبر شريك تجاري لآسيان.
لكن هذه الأرقام تبقى صغيرة جدا أمام ما يمكن تحقيقه. ويمكن أن تنمو التجارة الثنائية بين الكتلتين بشكل كبير مع تسارع التنويع الاقتصادي في المنطقتين، ومع إجمالي الناتج المحلي الإجمالي البالغ حوالي 5.5 تريليون دولار.
وقد نجح بالفعل وضع اللبنات الأساسية التي يُنتظر أن تعطي دفعا لهذا النمو. وجمعت اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة بين بعض الدول الأعضاء. وسيمكن كذلك من إبرام اتفاقيات تجارة حرة مستقبلية. ويبرز كل هذا نطاق التعاون الواسع.
دول مجلس التعاون تمنح الأولوية للشراكات التي تساهم في تحقيق أهدافها الإستراتيجية، وخاصة الرغبة في إعادة تشكيل مسارات سلسلة التوريد العالمية
وبينما سيبقى النفط عاملا حيويا في هذه الترتيبات، ستشمل رؤية دول مجلس التعاون الخليجي الاقتصادية وخطط التنويع العديد من القطاعات الأخرى. وسيفتح الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الموقّع عليه مؤخرا، فرصا تجارية جديدة، ويعزز خطوط أنابيب موارد الطاقة، ويحسّن الاتصال الرقمي. كما يهدف مشروع تواصل آسيان 2025 إلى تعزيز قدرة المجموعة التنافسية والشمولية داخليا وخارجيا.
تجدر الإشارة إلى أن سوق دول مجلس التعاون الخليجي النابضة بالحياة ودبلوماسية أعضائها الاقتصادية تتطابق مع دول رابطة دول جنوب شرق آسيا. وهذا ما سيمكّن من إقامة شراكات جديدة بين صناديق الثروة السيادية في الكتلتين.
لكن العقبات لا تزال قائمة. وقد يكون أكبرها العجز التاريخي عن تعزيز تعاون مؤسسي فعال. ورغم أن أول اتصال رسمي بين الكتلتين كان في 1990، لم يُعقد الاجتماع الوزاري الافتتاحي إلا في 2009. وشهد تبني الرؤية المشتركة بين آسيان ودول مجلس التعاون الخليجي بشأن التجارة تقديم العديد من الوعود بنتائج أقل من المتوقع.
وتعدّ قمة الرياض فرصة لتغيير هذا الوضع. وانطلقت بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بالفعل في تنويع شراكاتها. ودُعيتا أو انضمتا إلى المنتديات الدولية، بما في ذلك مجموعة العشرين، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس. وأصبح الارتباط الرسمي مع رابطة دول جنوب شرق آسيا الآن احتمالا حقيقيا مع تزايد مكانة دول مجلس التعاون الخليجي الاقتصادية.
وقد يمكّن هذا من تحقيق تعاون دبلوماسي وأمني جديد. ومع تعمّق التوترات بين الولايات المتحدة والصين، أصبحت البلدان في كلا الكتلتين عالقتين في المنتصف. وقد تربط القمة بين الديناميكيات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية لمنح دول مجلس التعاون الخليجي وأعضاء آسيان منافذ جديدة للتعاون.
وهذا ما يحدث بالفعل على المستوى الثنائي. وستكون فيتنام الدولة التالية، بعد إندونيسيا وكمبوديا، التي توقع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع الإمارات العربية المتحدة. ويختلف هذا عن اتفاقيات التجارة الحرة، حيث تضم اتفاقات الشراكة الاقتصادية الشاملة الخدمات التي تعزز التنويع الاقتصادي. فالتجارة بين الإمارات والهند ارتفعت بنسبة 6.9 في المئة بعد مرور سنة على توقيع البلدين اتفاقية من هذا النوع في 2022.
سوق دول مجلس التعاون الخليجي النابضة بالحياة ودبلوماسية أعضائها الاقتصادية تتطابق مع دول رابطة دول جنوب شرق آسيا. وهذا ما سيمكّن من إقامة شراكات جديدة بين صناديق الثروة السيادية في الكتلتين
كما أن الاتفاقيات بين الدول قد تمهد الطريق أمام اتفاقية أوسع للتجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول جنوب شرق آسيا. ففي 2008، وقعت سنغافورة اتفاقية تجارة حرة مع قطر، وتوسّعت في النهاية لتشمل كلّ دول مجلس التعاون الخليجي. ويمكن تحقيق توسع مماثل مع آسيان.
لكن هذا المستقبل ليس مضمونا، حيث لا يعدّ مجلس التعاون الخليجي كيانا متجانسا، كما أن مصالح أعضائه متنوعة، مما يصعّب عملية التوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا الاقتصادية. وسبق أن فشلت المحاولات التي بذلها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والهند للتوقيع على اتفاقية تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، ولا تزال اتفاقية التجارة الحرة بين المجلس والصين جامدة.
لكن البلدان النامية تتطلع، مثل بلدان آسيان، إلى إحياء الارتباطات الثنائية ومتعددة الأطراف في عالم ما بعد كوفيد – 19. وتتمتع البُلدان في الكتلتين بمزايا تنافسية، مما يضيف ديناميكية إلى جهود الجنوب العالمي من أجل التعاون بين بلدانه.
وتمنح دول مجلس التعاون الخليجي الأولوية للشراكات التي تساهم في تحقيق أهدافها الإستراتيجية، وخاصة الرغبة في إعادة تشكيل مسارات سلسلة التوريد العالمية. لذلك يجب على دول آسيان أن تعمل على خلق بيئة عمل مواتية لتسهيل تحقيق هذا الهدف. ومن الممكن أن يرتبط الجانبان بمبادرة الحزام والطريق الصينية، على سبيل المثال، لتوسيع نطاق مشاركتهما.
وتتطلع دول مجلس التعاون الخليجي شرقا منذ عقود، في سعيها إلى بناء علاقات تجارية طويلة الأمد لتنويع اعتمادها الاقتصادي والسياسي بعيدا عن الغرب. وتتسارع عملية “إعادة العولمة” لتشمل إعادة كتابة قواعد الدبلوماسية الاقتصادية.
وأصبحت القمة المنعقدة في السعودية أحدث فرصة لضمان أن تخدم هذه القواعد القوى الناشئة في آسيا والشرق الأوسط.
العرب