في تطور جديد لأوضاع التصعيد الإقليمي المرتبط بالعدوان الإسرائيلي على غزة أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن تنفيذ ضربات أول أمس الخميس ضد منشأتين يستخدمهما «الحرس الثوري» الإيراني و«مجموعات تابعة له» في شرق سوريا، وذلك بعد تهديد الرئيس الأمريكي جو بايدن للزعيم الإيراني علي خامنئي من توسيع نطاق «الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس».
تزامن القصف الأمريكي الأخير مع حدث مفاجئ تمثل بإصابة مدينة طابا المصرية، التي تبعد 220 كيلومترا من قطاع غزة بصاروخ ضرب منشأة طبية مما أدى إلى إصابة ستة أشخاص على الأقل، ورغم أن لا إسرائيل ولا «حماس» أعلنتا عن مسؤوليتهما عن إطلاق الصاروخ، فإن الواقعة أشارت إلى مخاطر توسع تداعيات الصراع إقليميا، وخصوصا بعد حادث آخر تعرض فيه عدد من حرس الحدود المصريين لجروح بقذيفة من دبابة إسرائيلية قالت تل أبيب إنه تم «عن طريق الخطأ» وهو ما أثار ردود فعل إعلامية مصرية.
هناك سياق تاريخي طويل للمواجهات بين أمريكا وإيران يمتد إلى 43 عاما، بدءا من عملية «مخلب النسر» الفاشلة التي نفذتها القوات الأمريكية عام 1980 لتحرير رهائن أمريكيين محتجزين في السفارة الأمريكية في طهران، مرورا بحوادث كبيرة أخرى منها تدمير لغم إيراني، عام 1988 لفرقاطة تابعة للبحرية الأمريكية، وإسقاط القوات الأمريكية طائرة مدنية إيرانية تنقل 290 راكبا عام 1989، وإسقاط طائرة استطلاع أمريكية في 2011، وأسر بحارة أمريكيين عام 2016، وصولا إلى عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري عام 2020.
ربطت الإدارة الأمريكية عمليتها الأخيرة بتعرض قواتها في العراق وسوريا لإثني عشر هجوما على قواتها في العراق وأربع هجمات أخرى في سوريا من قبل «جماعات مرتبطة بإيران» لكن اللافت في تصريحاتها التي رافقت الهجوم كان الإعلان عن أنه لم يحصل «بتنسيق مع إسرائيل».
قامت واشنطن، منذ بدء عملية «حماس» الأخيرة بتحريك حاملتي طائرات ووصول مئات الطائرات المحملة بذخائر وأسلحة، وتزويد إسرائيل بأنظمة دفاع جوي، وابتعاث قوات «دلتا» الخاصة، التي تحدثت وسائل إعلامية عن دور مقبل لها في حرب أنفاق غزة، كما نشرت أخبار عن وصول عسكريين أمريكيين لتقديم استشارات للقوات الإسرائيلية، فيما ذُكرت تفاصيل كثيرة عن دور أمريكا في تأخير الغزو البري، وقد استنتجت طهران، من كل هذه التفاصيل، أن واشنطن، هي التي تدير عمليا، الحرب على غزة، وهو ما قاله المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي مؤخرا.
الاستراتيجية الأمريكية المتعلقة بإدارة حرب غزة بدأت مع إعطاء «الضوء الأخضر» لإسرائيل بالهجوم على غزة، مع تقديم تغطية عسكرية رادعة لإيران، والمجموعات الموالية لها، لمنع تقديم العون لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، وإذا كان شعار هذا الردع «منع توسع الحرب» فهو، بمعنى آخر، الاستفراد بغزة والفلسطينيين، عبر تكتيك «فصل الجبهات» وهو ما يفسر اقتصار الرد الأمريكي على الجغرافيتين السورية والعراقية، لأن ردا أمريكيا على «حزب الله» في لبنان قد يرفع احتمالات تدخل أكبر للحزب في الحرب.
تتعامل واشنطن مثل «المايسترو» الذي يدير الحركات المدروسة في حرب غزة، لكن وقائع عديدة تشير إلى إمكان حدوث تغيرات غير محسوبة لأن الأمر لا يتعلق بالموسيقى أو الأوضاع الفيزيائية التي يمكن حسبانها بل باشتباك صراعات تاريخية سياسية واجتماعية ودينية وانفجارها بشكل غير مسبوق.