جاءت الأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة لتعيد الإدارة الأمريكية دورها في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وتستعيد قوتها العسكرية والأمنية وسيطرتها الميدانية وتنفيذها لتوجهاتها الاستراتيجية بحماية الطوق الأمني الإسرائيلي والحفاظ عليه وتأكيد الدور والمنهج الأمريكي في احاطة السياج العام لإسرائيل وتعزيز البنية التحتية العسكرية بنشر الطائرات المقالة والغواصات والفرقاطات في البحر الأحمر والخليج العربي ومضيق هرمز والبحر الأبيض المتوسط وتعزيز الميدان بالمعدات الثقيلة والقاذفات الصاروخية والاعداد البشرية من قوات المارنيز التي ازداد وجودها مع انطلاق عملية طوفان الأقصى وتعمقت الرؤية الأمريكية في ضرورة العودة مرة أخرى للمنطقة ومنع اي متغيرات تتعارض ومصالحها الدولية والإقليمية والحفاظ على هيبتها وامكانياتها في عمليات الردع وهذا ما شاهدنا في الانتشار السريع الذي بدأ بعد السابع من شهر تشرين الأول 2023 بارسال حاملتي الطائرات ( ايزنهاور وجيرالد فورد) مع (12) قطعة بحرية وأربع أسراب من الطائرات المقاتلة ( أف 15 وأف 16واف18 وأي 10) مزودة بمنظومات الدفاع الجوي نوع ( باترويت وتات ) وهي المعدات التي اضيفت إلى ما موجود في عواصم الدول العربية الحليفة لأمريكا، حيث قاعدة السالم التي يتواجد فيها (10) ألاف جندي أمريكي ووجود الأسطول الأمريكي الخامس في المنامة ويحتوي على الغواصة ( فرجينيا) التي تحمل (156) صاروخ توما هوك ومجموعات قتالية وبرمائية وفنية لإزالة الألغام في قاعدة الشيخ عيسى، مع وجود (3) الأف جندي أمريكي في البحر الأحمر، يضاف إليها (2500) جندي في العراق و(930) في سوريا، مع التواجد الميداني في قاعدة النقب لدعم فعالية القبة الحديدية والحفاظ على الأمن الإسرائيلي.
يأتي الجهد العسكري الأمريكي والامكانيات التعبوية والمعدات الثقيلة في سياق التطويق الاستراتيجي لتل أبيب وإيصال رسائل لردع جميع الأطراف المشتركة في مناطق التطويق والتهديد الصريح لمنع أي جهة او مجموعة او دولة أقليمية تفكر في استغلال هذه الأوضاع القائمة في قطاع غزة وعليها أن تدرك أنها ستكون في المواجهة المباشرة.
تسعى الإدارة الأمريكية إلى تعزيز جوهر السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن بارساء مفاهيم جديدة للقوة الأمريكية بحيث تكون ذات فعالية وحضور أكبر للحفاظ على مكانتها وتعزيز مصالحها ومراعاة لدور شركائها في المنطقة، وتعمل على استعادة مفهوم الدولة المعاصرة التي تقوم على اساس متين للاقتصاد العالمي والموارد المالية، وأن التحالفات الأمريكية في هذه المرحلة يجب أن تراعي فيها القدرات السياسية والتي تتزامن مع الطموحات التجارية والاستثمارات الأمريكية لتكون القاسم المشترك في علاقتها مع جميع بلدان العالم وخاصة في المنطقة العربية، وهي بذلك تسعى إلى اعتماد حالة البقاء والتخطيط والتنفيذ الفعال في مواجهة أي متغيرات سياسية او تحركات عسكرية وتوجهات أمنية وما يثير حفيظة المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية وإيجاد حالة من الضبط والتوازن في توسيع عمل الخلايا الاستخبارية المناطة بها مهمة التخطيط والاعداد والدراسات ذات الخبرة الواسعة.
تعمل الولايات المتحدة الأمريكية بوجودها العسكري على رد الاعتبار للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية واستعادة حالة الردع الميداني بعناصره المتعلقة بالانذار والردع والدفاع والحسم والمساعدة في ضمان عدم قدرة حماس على شن اي هجمات في المستقبل واستعادة الإسرائيلين لثقتهم بقدرة جيشهم ومؤسساتهم الأمنية وتأسيس قوة ردع إسرائيلية جديدة وبكفاءة عالية لتكون أداة لتنفيذ المشاريع السياسية والأهداف الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.
ترى الإدارة الأمريكية انها قادرة على تقديم العون لإسرائيل كونها تتمتع بقدرة من القيم المطلقة من حيث الموارد البشرية والمعدات الفنية وصور الابتكار العلمي والتكنلوجي والعمل باتجاه منافسة الدول التي تناصبها العداء او تختلف معها في مكانتها العالمية بإيجاد أقطاب سياسية اخرى في المحيط الدولي والإقليمي.
تبقى الأحداث الإقليمية محط اهتمام أمريكي وإسرائيلي وهما يذهبان إلى ردع الجهات الخارجية وخاصة حزب الله اللبناني الفصائل المسلحة المرتبطة بفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني من المجاميع المتواجدة في سوريا واليمن والعراق ومنعها من فتح أي جبهات جديدة، وما نشر حاملة الطائرات فورد في شرق البحر الأبيض المتوسط إلا جزء من منع اي تطور وتمدد في العملية العسكرية التي تريدها واشنطن محصورة في قطاع غزة وترى من الأفضل عدم تمددها ومنع حدوث حرب إقليمية في منطفة الشرق الأوسط لأهميتها الاستراتيجية ووجود المصالح الأمريكية فيها ولغناها من النفط والغاز ولا تريد تكرار حربها مع العراق عام 2003.
نرى ان النظام الإيراني لا يميل في الوقت الحاضر إلى أي مو اجهة حقيقية ميدانية بل يعمل على الاستفادة من التطورات القائمة والفرص السياسية السانحة والاحتفاظ بقوة حزب الله اللبناني وعدم زجه بمواجهة حقيقية مع القوات الإسرائيلية وإنما يكتفي ببعض العمليات على المواقع والمعسكرات والقواعد الأمريكية في سوريا والعراق وقيام الحوثيين ببعض الرشقات الصاروخية.
ستبقى إيران على دورها المحدد في حرب غزة بتحريك أذرعهاوفصائلها في حرب استنزاف مع إسرائيل وهجمات منفردة دون أي حديث عن دور إيراني مباشر لأن الأساس في العقيدة السياسة الإيرانية الحفاظ على بقاء النظام.
والأهداف الأمريكية قادمة للمنطقة العربية عبر العديد من المتغيرات والتقسيمات واعادة تخطيط الأوضاع الميدانية من جديد.
وحدة الدراسات الدولية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية