لم تكن مصادفة بحتة أن يرتقي علي الصالح، محرر الشؤون الفلسطينية في «القدس العربي» إلى بارئه في هذه الأيام التي يتعرّض فيها الفلسطينيون في غزة لمحنة كبرى تذكّرهم بأيام النكبة الأولى عام 1948، مع تواصل وقائع المجازر والقتل الجماعيّ، والتطهير العرقي، والنزوح القسري.
ضمن استهدافه لكل عناصر الحياة والبقاء في غزة، لم يوفر جيش الاحتلال الإسرائيلي شبكات الماء والكهرباء والمشافي، والمخابز، والمدارس، والجوامع، والكنائس. ضمن خطته للتغطية على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، اختص جيش الاحتلال الإسرائيلي الصحافيين والإعلاميين وعائلاتهم بالاغتيال، بحيث وصل عدد الشهود الشهداء حتى يوم أمس 48 صحافيا.
آخر هؤلاء كان محمد أبو حصيرة، من وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) الذي استهدف الاحتلال منزله قرب ميناء الصيادين ما أدى إلى استشهاده واثنين وأربعين شخصا من عائلته بينهم أبناؤه وإخوانه، كما استشهد الصحافي في إذاعة الأقصى يحيى أبو منيع.
كان طبيعيا، ضمن خطة استهداف الشهود على الجرائم، أن تستهدف إسرائيل قناة «الجزيرة» التي تلعب دورا كبيرا في تغطية الوقائع التي تجري في غزة على مدار الساعة، وتمثّلت حصّتها من القتل باستهداف منزل مراسلها وائل الدحدوح، لتقتل زوجته وابنه وابنته وحفيده، ليعود بعدها مباشرة إلى مكانه على الشاشة ليكمل نقل أخبار العدوان دون انتظار تقبل العزاء بعائلته.
كان لـ«القدس العربي» نصيبها أيضا من العدوان، فكان على مراسلها أشرف الهور، كتابة تقرير عن اغتيال مجد عرندس، ابن شقيقته، وخريج كلية الإعلام مختص بالتصوير، الذي كان قد عاد إلى منزله وهو يحمل خضراوات، ليسمع صوت قصف ويهرع لمساعدة الجرحى، لكن قوات الاحتلال سارعت إلى قصف المكان مجددا بصاروخ آخر، ليستشهد مع من كان يريد مساعدتهم.
صوّر محمد العالول، المصوّر والصحافي من سكان مخيم المغازي للاجئين وسط القطاع، لحظات «العشاء الأخير» مع أفراد من عائلته وأصحابه، ليعود بعد ذلك لنعي أربعة من أطفاله، وأربعة من إخوته، وثلاثة من أبناء إخوته.
أما سلمان البشير، الصحافي في تلفزيون فلسطين، فقدم تقريرا على الهواء يرثي فيه زميله محمد أبو حطب، الذي اغتاله القصف الإسرائيلي رفقة 11 من أفراد عائلته في منزله في خان يونس، بعد عودته من تقديم تقرير، هو نفسه، خارج مستشفى ناصر، ليستشهد بعد ثلاثين دقيقة فقط من ظهوره على الهواء.
شرح البشير في تقريره أوضاع الصحافيين في غزة قائلا: «لا حماية دولية إطلاقا. هذه مجرد شعارات نرتديها ولا تحمي أي صحافي على الإطلاق».
على هذه النقطة يجب أن نقرأ ما وصل وكالتي فرانس برس ورويترز، اللتين طلبتا من الجيش الإسرائيلي ضمانات بعدم استهداف صحافييها في غزة، فكان الرد أن «جيش الدفاع الإسرائيلي يستهدف جميع الأنشطة العسكرية لحماس في جميع أنحاء غزة» وأنه «في ظل هذه الظروف، لا يمكننا ضمان سلامة موظفيكم»!
حاضر وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، أمس الأربعاء، في نواب الاتحاد الأوروبي في بروكسل، معتبرا أن الحرب التي تشنها الدولة العبرية هي «حرب العالم الحر» ورغم أشكال الاحتجاج عبر المظاهرات التي عمّت عواصم العالم على هذه الحرب، فإن المنظومة الغربية، كما عبّرت عنها «قمة السبع» مؤخرا، تشارك في دعم الحرب الإسرائيلية عبر الرفض الجازم لوقف إطلاق النار، وبالتالي رفض توقف آلة القتل الإسرائيلية عن إبادة الفلسطينيين.
يصعب ألا نستنتج، بالتالي، أن المنظومة الغربية، تحت دعوى محاربة «حماس» تدعم آلية القتل الإسرائيلية المتواصلة ضد الفلسطينيين. القصف الإسرائيلي على أهالي غزة، بهذا المعنى، هو قصف سياسي موسّع يعاني منه، بشكل أو بآخر، كل محبي الحرية، والمدافعين عن القيم الإنسانية، والرافضين لأشكال إرهاب الدول وإجرامها، في العالم.