مقدمة
جاءت عملية “طوفان الأقصى”، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول (2023)، لتقطع حديثًا متصاعدًا في الأشهر القليلة الأخيرة عن “حرب كبرى” مقبلة في المنطقة. وقد تحدث عنها وعن حتميتها بالنظر إلى الوضع الآخذ في التأزم بالمنطقة، بعض مسؤولي حماس (خاصة خلال الأشهر الثلاثة الماضية) فضلًا عن مسؤولين من حزب الله ومحللين سياسيين قريبين منهم. وكانت الدلائل إلى هذه “الحرب” تشير إلى حزب الله وجنوب لبنان منطلقًا لها، لا إلى غزة وحركة حماس. وكان قادة حماس دائمًا يؤكدون وبالتوازي أنهم لا ينحازون لأي “محور” في المنطقة وهم خارج سياسة المحاور، ويرحبون بدعم من يدعمهم ومن يجتمع معهم على قضيتهم وفي مقدمتهم وبشكل خاص في الجانب العسكري، إيران وحزب الله.
لما جاء “طوفان الأقصى” بدا وكأنه يفاجئ جميع الأطراف من الحلفاء والأصدقاء كما الأعداء وبقية الفاعلين في المنطقة والعالم. فإسرائيل نفسها، بدت كأنها مثل بقية القوى في المنطقة أو من المعنيين بها، تحتاج لوقت لتدرك ما حدث، وبقدر ما كانت متعجلة لترد انتقامًا أخذت وقتًا لتحدد أهدافها السياسية من الحرب. في حين أعلن حزب الله عن وقوفه إلى جانب المقاومة الفلسطينية، إلا أن ترجمة موقفه هذا أخذت منحى تصاعديًّا بطيئًا بالنظر إلى تسارع وتضاعف حجم العنف الإسرائيلي الذي انصب على غزة.
مشاغلة لا حرب
نفى حزب الله من أول الأمر علمه بعملية “طوفان الأقصى” أو مشاركته فيها، لكنه أثنى عليها في بيان له ودعا “إلى إعلان التأييد والدعم للشعب الفلسطيني وحركات المقاومة التي تؤكد وحدتها الميدانية بالدم والقول والفعل”(1)، وهو ما أكد عليه مؤخرًا أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله؛ إذ ذكر أنه لم يعلم بالعملية إلا بعد وقوعها، وأن قرارها وتنفيذها كان فلسطينيًّا، وأن السرية المطلقة كانت من ضمن أسباب “نجاحها”(2).
وكان مقاتلو حزب الله قد بادروا منذ اليوم التالي للعملية إلى قصف مواقع للجيش الإسرائيلي بمزارع “شبعا المحتلة”، ليسجلوا عمليًّا موقفهم بأنهم جزء من الحرب وإلى جانب “المقاومة” في غزة بمواجهة الحرب الإسرائيلية. وتوالت عمليات الحزب واستهدفت الجنود الإسرائيليين وأجهزة المراقبة والرصد والاستشعار الإسرائيلية على طول الحدود. وشاركت مجموعات مقاتلة فلسطينية تتبع لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في عمليات عسكرية من الجنوب اللبناني، إضافة إلى “قوات الفجر” وهي ذراع عسكرية تتبع للجماعة الإسلامية اللبنانية(3)، ولم يعد لها وجود منذ اتفاق الطائف (1990). اتهمت إسرائيل حزب الله بالمسؤولية عما يجري على الحدود، ولا شك أنه الفاعل الرئيسي هناك، وقد سقط له خلال ما يقرب من أربعة أسابيع من المواجهات المحدودة ما يزيد عن 50 مقاتلًا فضلًا عن الجرحى.
من الواضح أن هدف هذه المواجهات كان مشاغلة “إسرائيل”، وفق قادة الحزب أنفسهم، وإجبار جيشها على البقاء مستنفرًا وقلقًا على الحدود، وأن يوزع جهده ما بين الجبهة الشمالية مع لبنان، التي خصص لها ثلاث فرق، والجبهة مع غزة التي خصص لها خمس فرق(4). وبتقدير نصرالله المجمل، فإن الجبهة التي فُتحت من لبنان، دفعت إسرائيل لتضع على الحدود هناك ما يوازي ثلث جيشها وثلث قواتها اللوجستية، ونصف قدراتها البحرية وقدرات الدفاع الصاروخي، وربع القوات الجوية. ورأى أن “عمليات المقاومة في الجنوب تقول لهذا العدو الذي قد يُفكِّر في الاعتداء على لبنان أو بعملية استباقية، إنك سترتكب أكبر حماقة في تاريخ وجودك”(5). أي إن هذه “المشاغلة” استباقية أيضًا بهذا المنظور لردع إسرائيل عن مهاجمة لبنان إذا ما فكرت بذلك.
وكان بعض القادة الفلسطينيين قد طلب من حزب الله أن تكون مشاركته العسكرية أكبر إلى جانب غزة(6)، وكثرت الأسئلة والتساؤلات أيضًا حول مدى وحجم مشاركة الحزب في الحرب الدائرة، وما إذا كان سيعززها لتكون أكثر تأثيرًا في مجرى الحرب. ولهذا كان هناك ترقب لكلمة نصرالله والتي كانت الأولى بعد “طوفان الأقصى”، وجاءت بعد ما يقرب من أربعة أسابيع على العملية (3 نوفمبر/تشرين الثاني 2023). أكد فيها نصرالله أن مشاركة حزب الله في الحرب تصاعدية وتطورها مرتبط بأمرين: بتطور مسار الحرب الإسرائيلية على غزة، وبسلوك “العدو الصهيوني” تجاه لبنان. ووضع لمشاركة الحزب عمليًّا هدفين بدعوته إلى تحقيقهما، الأول: وقف الحرب على قطاع غزة، والثاني: أن “تنتصر” حركة حماس تحديدًا في قطاع غزة(7).
ولكن يبدو أن مشاركة الحزب لم تلاقِ التوقعات التي عززها الحزب بنفسه؛ ذلك أن خطابه كان دائمًا عالي النبرة وحاسمًا بـ”تدمير إسرائيل” لو فكرت بحرب مع لبنان أو مع المحور(8)؛ ما أعطى انطباعًا بأن الحزب جاهز للتعامل مع كل ظرف عسكري أو سياسي مستجد وبكفاءة عالية وبقدرة على المبادرة دون تردد، لاسيما إذا أُخذ الحديث عن جهوزيته للـ”حرب الكبرى” بالاعتبار. ومن ذلك أيضًا أن حزب الله اعتمد مصطلح “وحدة الساحات” أي وحدة ساحات “المقاومة” في مواجهة إسرائيل، والتي تجمعه مع قوى المقاومة “الفلسطينية” وبقية قوى المحور في اليمن والعراق وسوريا وعلى رأسه طهران. وهو ما تلقته القوى الفلسطينية في غزة بالترحاب والتأكيد، حتى إن حركة الجهاد الإسلامي أطلقت اسم “معركة وحدة الساحات” على إحدى الجولات التي شهدتها غزة (أغسطس/آب 2022) وكانت تستهدفها هي خاصة. ولم تخل عمومًا تصريحات قادة ومسؤولي هذه الأطراف المعنية بـ”وحدة الساحات”، من ذكر هذه المعادلة وحتى أحيانًا التنظير لها وما تعد به للمستقبل في مواجهة أي تصعيد محتمل.
تحديات المحور
جاءت كلمة نصرالله الأخيرة لتؤكد أن مفهوم “وحدة الساحات” الذي يتمركز حول فلسطين، لا يتجاوز مفهوم “محور المقاومة” الذي يتمركز حول “إيران”. والجدير بالذكر أن مفهوم “وحدة الساحات” وُلد فلسطينيًّا أولًا للتعبير عن وحدة الساحات الفلسطينية إبان هَبَّة الأقصى والحرب على غزة عام 2021، ومن ثم تعدَّى ذلك ليعزز العلاقة بين ساحات “المحور” وفلسطين.
من حيث السياق، فإن مفاهيم “المحور” و”وحدة الساحات” التي يختزنها خطاب حزب الله، تأسست في ظروف مواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، بخصوص ملفها النووي وتمددها في المنطقة، وفي سياق تهديدات متكررة من إسرائيل باستهداف الحزب في لبنان، أو باستهداف المشروع النووي الإيراني نفسه. وهي أصلًا لم تتوقف عن استهداف فصائل “المحور” المتعددة في سوريا من حين إلى آخر، فضلًا عن حروب الظل بين البلدين، إيران وإسرائيل. واستطاع حزب الله والمحور استعادة العلاقات الوثيقة مع “حماس”، بعد أن كانت قد فصمت بينهم أحداث الربيع العربي (2011) والانقسامات المتعددة التي شهدتها المنطقة العربية والإسلامية.
وهذان المفهومان في خطاب حزب الله يتكاملان وغالبًا يعبران عن شيء واحد. والحزب هو المركز الأساس لهما، وبالتالي فإن حقيقة كل من هذين المفهومين ومدى تطبيق كل منهما في الواقع، تقرره ظروف الحزب والتحديات التي يواجهها وقدرته على المبادرة أو رغبته في ذلك. ومن هنا لفهم موقف حزب الله من هذه الحرب يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار على الأقل طبيعة تموضعه في ثلاث قضايا ارتبط صعوده بها: أولًا: بيئته وجمهوره، ثانيًا: عمقه الإقليمي في طهران، ثالثًا: الوضع السياسي اللبناني، وكل منها له أهميته القصوى وإن بتفاوت.
بيئة حزب الله والوضع اللبناني: إن لبنان الرسمي وشرائح متعددة فيه، تخشى الحرب ولا تريد للبنان أن يتعرض للتدمير كما حصل عام 2006، فضلًا عن أن يكون مثل غزة؛ حيث أظهرت إسرائيل درجة عالية من “العنف والقتل” وبقيت تحظى إلى حدٍّ بعيد بدعم غربي غير محدود ولا مشروط نسبيًّا، ودون تحرك دولي فعلي لضبطها. كما أن لبنان لا يزال يعاني انهيارًا ماليًّا واقتصاديًّا وكذلك إداريًّا إلى حدٍّ ما لأغلب مؤسساته، ويشهد انقسامًا سياسيًّا وطائفيًّا حادًّا على كل المستويات بما يهدد تماسك الدولة.
وقد استطاع حزب الله في أعقاب أحداث الربيع العربي تقديم نفسه لشرائح لبنانية على أنه عامل استقرار للبنان، وأن دوره الإقليمي لخدمة هذا الهدف؛ ما ساعده على الحفاظ على تحالف يضم قوى من طوائف عدة، من أبرزها التيار الوطني الحر، أي تيار رئيس الجمهورية السابق، ميشال عون. ولا شك أن خوض حرب من أجل غزة سيطرح تساؤلات من بعضهم حول “جدوى حرب” قد تنتهي برأيهم بـ”دمار لبنان” قياسًا على ما يحصل في غزة، وبناء على تهديدات “قادة” إسرائيل.
على الضفة الأخرى، إن بيئة حزب الله كانت منذ بضع سنوات في حرب في سوريا، وإن تراجعت الحرب فإن بعض فصولها لم ينته بعد، ولا تزال بعض تداعياتها تشكِّل تحديًا للحزب ولحلفائه فيها ولا تزال حاضرة في وعي بيئته. وكذلك فإن ما يجري على كل اللبنانيين من تحديات اقتصادية وسياسية وما يمكن أن تخلِّفه أي حرب من تداعيات وعواقب وخيمة، فإنها تجري على الطائفة الشيعية التي تشكل البيئة الحاضنة له.
إن دخول حزب الله في حرب غزة فاعلًا أساسيًّا وليس داعمًا، سيضع “المحور” بكل امتداداته في مواجهة مباشرة مع القوى الغربية. وكما أن قوى المحور تشاغل إسرائيل وحلفاءها في المنطقة؛ حيث الصواريخ والمسيرات من اليمن ضد إسرائيل، أو من العراق وسوريا ضد قواعد أميركية، فإن ردًّا مقابلًا قد يتبلور في مواجهة تمدد إيران بالمنطقة، وهي التي طالما حافظت عليه وعلى مكاسبه في السنوات العشر المنصرمة رغم كل التحديات.
الجدير بالذكر، أن هذه العوامل بمستوياتها الثلاثة، البيئة الحاضنة والعمق الإقليمي والوضع اللبناني، استطاع الحزب التعامل معها في “العقد السابق” تحت عنوان “محور المقاومة”، وكانت جل التحديات التي واجهها هي في البيئة العربية والإسلامية الداخلية، ولم تكن إسرائيل تحتل الأولوية في المواجهة ولم تكن على الأقل في صدارتها ولا كانت المصالح الغربية ملحَّة جدًّا في المنطقة وتقتضي من القوى الكبرى التدخل بوضوح ومستوى متقدم.
بعد أن استقرت الأوضاع نسبيًّا على خطوط فاصلة بين عموم الأطراف في المنطقة على الأقل خلال السنتين الأخيرتين، وبعد أن بات مفهوم “وحدة الساحات” عنوانًا لإعطاء المحور الأولوية للمقاومة في فلسطين لتنتظم علاقته مع فصائلها، فإن هذا العنوان اليوم بعد “طوفان الأقصى” وما أعقبه من تدفق قوى غربية إلى المنطقة وإطلاق يد إسرائيل، يتطلب من الحزب جهدًا مضاعفًا وأثمانًا باهظة في مواجهة “إسرائيل”. وهذا الجهد وتلك الأثمان في أدنى مقتضياتها تتطلب ضرورة حضور الدعم الإقليمي من طهران إلى لبنان ولبقية قوى المحور. وهو الأمر الذي سيقرر أين موضع “المقاومة الفلسطينية” وأولوياتها بعد هذا التطور، وأين هي مرة جديدة من المحور ومن التحديات التي تواجهه.
العمق الإقليمي: كان لافتًا نفي “قائد الثورة” في إيران، علي خامنئي، مبكرًا أية صلة لإيران بعملية طوفان الأقصى، لكنه أيدها وذهب إلى القول: “نُقبل أيادي الذين خططوا للهجوم على النظام الصهيوني”، وهو السياق الذي التزمه القادة والمسؤولون في إيران عمومًا(9). وقال وزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان: “نحن لا نعطي الأوامر لقوى المقاومة في المنطقة، فهي تتخذ قراراتها بنفسها”، ووصف نصرالله بأنه “المؤثر”(10). بهذا تضع إيران مسافة بينها وبين بقية أطراف “المحور” وأنها رغم دعمها “لقوى المقاومة” فإنها ليست مسؤولة عن قرارات هذه القوى، وبالتالي فإن حزب الله وأمينه العام تحديدًا هو “القائد” للمحور راهنًا، لأن قرار توسعة الحرب أو جعلها شاملة يتوقف عليه وليس على إيران.
هذه المسافة التي تفصل بين إيران والمحور، والتي تميز بين حزب الله والمقاومة الفلسطينية، تحصر المسؤولية بهذه القوى دون طهران عن أي توسعة للحرب، كما تعطي حزب الله المرونة الكافية ليكون مسؤولًا عن “عملياته”، ولو من باب “المحاججة” إن أراد ذلك، وليس عن العمليات العسكرية لسواه. وحتى المسؤولية عن الجنوب اللبناني لا يبدو -ولو من حيث الصورة- أنها تعود إليه؛ حيث باتت قوى متعددة فلسطينية ولبنانية تنفذ عمليات عبرها. وأضف إلى ذلك تلك الهجمات الأخرى العابرة للحدود من اليمن والعراق وسوريا، فهي جميعها تؤدي غرضًا واحدًا بمسؤوليات متفرقة نسبيًّا.
إن العمق الإقليمي لطهران بمسالكه المتعددة، وبحساباته المعقدة إقليميًّا ودوليًّا، يبدو سياسيًّا كأنه يستحوذ على القضية الفلسطينية بعيون خصومه، في حين أنه يلبي متطلبات “المقاومة” بعيون “قوى المحور” ويرعاها. أما بعيون “فصائل المقاومة الفلسطينية” فإنه يسد مسد العجز العربي، وليس صعبًا تتبع ذلك في خطابهم.
مستقبل الجبهة اللبنانية
إن دور حزب الله في مواجهة إسرائيل في تطور وتصاعد كلما امتدت الحرب على غزة. هو مختصر موقف أمينه العام، وهو المسار الذي سلكه دخول حزب الله في الحرب منذ البداية؛ إذ بدأت المواجهات باستهداف أهداف عسكرية في مزارع شبعا المتنازع عليها وهي مبرر وجود المقاومة في لبنان، ومن ثم اتسعت لتشمل كل الخط الحدودي على مبدأ الرد والرد على الرد، ومن المرشح أن تزداد حدتها وتوسعها كلما طال أمد الحرب على غزة وقد تشمل عموم الجنوب اللبناني وشمال “إسرائيل”(11).
إلا أن الطابع الذي يطغى على دور حزب الله العسكري راهنًا وبتحولاته المحتملة يتلخص في ثلاث سمات.
السمة الأولى: هي دور “داعم” لغزة ولن يتقدمها لتصبح الحرب الإسرائيلية على لبنان هي الأساس بدلًا من غزة؛ فهدفه إيقاف الحرب على غزة وليس جلبها على لبنان.
السمة الثانية: هو دور استباقي بمراعاة الحزب للمنظور اللبناني، لأنه لا ضمانة من أن تلتفت إسرائيل إلى لبنان وتستهدفه بذرائع عدة، متى ارتأت أنها حققت أهدافها في غزة، خاصة وأن الأهداف التي أعلنتها في غزة وأهمها “إسقاط حماس” أو تقويض حكمها قابلة لتفسيرات شتى. مع العلم بأن إسرائيل تسعى لإعادة تطبيق القرار الأممي 1701 بصرامة أشد في جنوب لبنان (الذي يدعو ببعض بنوده لأن تكون المنطقة الحدودية من الجنوب اللبناني خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة) (12)، وهذا ما يمكن أن تبادر إلى المطالبة بتحقيقه في سياق محاولة استعادة “قوة الردع” في المنطقة.
أما السمة الثالثة، فهي التزام حزب الله دور الدفاع عن المحور في المنطقة إذا ما كان وجوده أو دوره الحيوي مهددًا، ولن يكون تدخل الحزب شاملًا في حرب غزة إلا بناء على هذا التقدير. ويشمل “الدفاع” معاني وقضايا عدة، منها بالمبدأ الحفاظ على رأس هذا المحور أي إيران، وعلى بقاء واستمرار قواه كل في امتداده، وهذا يشمل غزة.
خاتمة
قدم حزب الله ببياناته وعلى لسان مسؤوليه وخاصة على لسان أمينه العام، سردية خاصة لعلاقة الحزب بالمقاومة وقواها بعد عملية “طوفان الأقصى”، وهي تقوم على علاقة الدعم والتأييد، والأخذ بالاعتبار أن كلًّا من قوى المقاومة مسؤول ومستقل بقراراته، وأن “وحدة الساحات” أو “المحور” تكون بمراكمة الأسباب التي توحد “الساحات” والتنسيق بينها. إن صياغة سردية جديدة للمقاومة وإعادة التموضع فيها ليس جديدًا على حزب الله، وهو يفعل ذلك وفعله في منعطفات عدة من أهمها: بعد “الانسحاب” الإسرائيلي، عام 2000، من جنوب لبنان فأعاد تعريف علاقته بفلسطين والتزم الحدود اللبنانية حدًّا لمقاومته. وبعد حرب عام 2006 مع إسرائيل أعاد تعريف علاقته بوصفه مقاومة مع الدولة اللبنانية. وكذلك بعد أحداث الربيع العربي وتدخله في الحرب السورية، عام 2011، أصبحت المقاومة إقليمية لمواجهة خطر “الإرهاب” القادم من سوريا والمنطقة.
إن دور حزب الله الجديد العسكري “المقاوم”، كما يصفه، لا يمكن الجزم أنه استكمل تشكله، فهو فتح الباب أمام المنظمات الفلسطينية لتلعب دورًا في الجنوب دون أن يتبنى مسؤولية أفعالها بوضوح، والتزم قواعد اشتباك محدودة ومرنة دون أن يؤكد استمرار التزامه بها وأنه لن يكسرها، لأن حزب الله في مواجهة المنعطفات يتحول إلى حالة سائلة تنتظر استقرار شكل المنطقة أو التحديات التي تواجهه، ليستقر على الشكل المواتي له ولمحوره فيها. لم تعد عبارة “سنكون حيث يجب أن نكون” هي المعبِّرة عن تطلعات حزب الله، وهي العبارة الشهيرة لأمينه العام، بل باتت المعادلة “كيف ستكون المنطقة لنقرر كيف نكون”.