قالت مصادر سياسية عراقية إنّ مساعي بذلتها حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لدى إيران لمساعدتها على لجم الميليشيات الشيعية التي تستهدف وجود القوات الأميركية في العراق، قوبلت بالرفض من قبل طهران على أساس أنّ ما تقوم به تلك الفصائل مقاومة مشروعة وتضامن ضروري مع قطاع غزّة لا يمكن منعه.
ويشكّل استهداف الميليشيات لمواقع تمركز القوات الأميركية التي تصف حكومة السوداني وجودها في البلاد بالمشروع والخاضع لاتفاقيات ملزمة، حرجا استثنائيا لبغداد التي تدرك مقدار ارتباط العراق بمصالح حيوية مع الولايات المتّحدة ليس بالمستطاع إلغاؤها لمجرّد الاستجابة لرغبة الفصائل المسلّحة التي تعلن انتماءها إلى ما يعرف بمحور المقاومة بقيادة إيران.
وبدأت حكومة السوداني بمواجهة ضغوط أميركية لتحمّل مسؤولياتها في مواجهة أنشطة الميليشيات ضد مصالح الولايات المتّحدة في العراق.لكنّ الحكومة تسلّم بواقع خروج تلك الميليشيات عن سيطرتها وتبعيتها للحرس الثوري الإيراني ما يجعل إيران في موقع أفضل لمنع الفصائل من التعرّض للقوات والمصالح الإيرانية، وهو ما لا ترغب فيه إيران المهتمة في الوقت الحالي بمشاغلة الولايات المتّحدة، والتسويق لانخراط محور المقاومة في مساندة غزّة، ليس عن طريق حزب الله الموجود في تماس مباشر مع إسرائيل، ما قد يسبب له أضرارا جسيمة، بل باستخدام الخطوط الخلفية البعيدة التي يمثّلها الحوثيون في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق.
ودعا وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى العمل على تجنب اتساع نطاق الحرب الدائرة في غزّة، فيما اعتبر عبداللهيان أنّ توسّع نطاق الصراع أمر لا مفر منه بسبب الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل.
جاء ذلك بينما واصلت الميليشيات تهديدها بالمزيد من التصعيد ضدّ المصالح الأميركية في سوريا والعراق.
وبمجرّد رواج خبر زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بغداد، هدّد المسؤول الأمني لكتائب حزب العراق بإغلاق السفارة الأميركية في العاصمة العراقية بطريقة غير سلمية.
وقال أبوعلي العسكري في بيان “إن زيارة بلينكن غير مرحب بها”، محذرا من أنه “إذا جاء فإننا سنقابله بتصعيد غير مسبوق”.
وذكر أن “المقاومة الإسلامية ستعمل على غلق المصالح الأميركية في العراق، وتعطيلها في المنطقة”، مضيفا “هذا ما سنصل إليه في الأسابيع المقبلة إذا استمر العدوان”.
كما وضع العسكري، المدرج ضمن القائمة الأميركية السوداء، “غلق السفارة الأميركية ومنع حاملي الجنسية الأميركية من دخول البلاد” على لائحة الأعمال التي سينفّذها فصيله بطريقته الخاصّة، مؤكّدا أنّ إخراج القوات الأميركية من العراق “أمر حاصل لا محالة”.
وعلى صعيد عملي أعلنت “المقاومة الإسلامية” في العراق الأحد عن استخدامها “الطيران المسير” في قصف قاعدة عسكرية للقوات الأميركية في مدينة الحسكة السورية. وتتمركز تلك القوات هناك لهدف معلن هو المساعدة في محاربة تنظيم داعش، لكن خبراء أمنيين يقولون إن من أهدافها مراقبة تحركات الميليشيات الموالية لإيران في تلك المنطقة.وذكرت في بيان نشر على موقع “الإعلام الحربي” التابع لها أنّ “مجاهديها استهدفوا قاعدة الاحتلال الأميركي في تل بيدر غربي مدينة الحسكة السورية، بالطيران المسيّر وقد تمت إصابتها بشكل مباشر”.
وتثير مثل تلك الأعمال قلق الحكومة العراقية المعنية بالحفاظ على علاقة جيدة مع واشنطن لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية، لكنها تعلم يقينا أن زمام التحكّم في حركة الميليشيات داخل العراق يقع في يد جارتها إيران التي تتخذ من الأراضي العراقية مسرحا للصراع بالوكالة ضدّ غريمتها الولايات المتّحدة.
وقال رئيس الوزراء خلال حضوره الجلسة الافتتاحية لأعمال مؤتمر السفراء السابع الذي أقامته الخارجية العراقية في بغداد إن الدولة هي المسؤولة عن اتخاذ القرارات الكبيرة وفقا للدستور.
جاء ذلك ردّا على إعلان الأمين العام لميليشيا حركة النجباء أكرم الكعبي أنّ “المقاومة الإسلامية العراقية” قرّرت “تحرير العراق عسكريا”.
وقال السوداني إنّ “القضية الفلسطينية تمثل المشهد الأكثر رسوخا وثباتا في مواقفنا”، مضيفا “موقفنا الواضح هو ضرورة وقف العدوان ومنع انزلاق المنطقة نحو حرب تتسعُ ولن تتوقف”.
وانتقد المحلل السياسي العراقي ياسين عزيز عدم قدرة الدولة العراقية على لجم الميليشيات، مؤكّدا وجود سلطتين في العراق “هما الحكومة والجماعات المسلحة”، ومعتبرا “الثانية أكثر قوة وهيمنة من الأولى”.
وقال في تصريح لموقع كردستان 24 الإخباري المحلّي إنّ “الجماعات المُسلحة تستهدف بحرّية مطلقة القواعد العسكرية للتحالف الدولي والولايات المتحدة في البلاد”، بينما “السوداني يقول إن القوات المتواجدة في القواعد العسكرية لدى العراق ضيوف، وفي مُقابل ذلك لم يستطع السيطرة على هذه الجماعات”، محذّرا من أن “الولايات المتحدة لن تبقى صامتة إزاء ما تفعله الجماعات المسلحة”.