رسمت الأحداث القائمة الآن في قطاع غزة وبعد شهر من قيام حركة حماس بالعملية التعرضية فجر يوم السابع من تشرين الأول 2023 صورة واضحة لطبيعة الأوضاع القادمة والسياسة الدولية والإقليمية التي ستكون محل تعامل جميع الأطراف الساعية لإيجاد فواصل وترتيبات لإنهاء الحرب ووضع آليات جديدة في منطقة الشرق الأوسط عبر اتفاقيات وتجاذبات سياسية تحقق الأغراض والمصالح والأهداف التي تسعى إليها القوى المهيمنة على القرار الدولي أو المساهمة في ترتيب الأوضاع القادمة والتي بدأت تتخذ أدواراً مهمه على صعيد التعامل الدبلوماسي أو التعاون العسكري والأمني مع الكيان الإسرائيلي.
ويمكن أن نلاحظ طبيعة السياسة الأمريكية وكيفية التعامل مع الأحداث في قطاع غزة والعمل على إيجاد حالة من التوازن الاستراتيجي الذي يحمي مصالحها ويشكل أداة حقيقية لعودتها لمنطقة الشرق الأوسط ودعم مواقفها وسياستها الميدانية، وهذا ما نراه في كيفية التعامل مع الحكومة الإسرائيلية وتغليب حالة التوافق على حساب العلاقات الأمريكية _العربية وعدم مراعاة للرأي العام الشعبي العربي بل الذهاب بعيداً حول حماية قواعدها العسكرية ومقراتها الأمنية في المنطقة والتشاور مع النظام الإيراني وأدواته ومحاولة إيقاف اي عمليات تعرضية تستهدف المصالح الأمريكية، وهي سياسة ( الانكفاء الأمريكي) التي اتبعتها إدارة الرئيس جو بايدن الذي بقي أسير فكرة التجديد والاستعارة في حين أن التطورات السياسية في الشرق الأوسط والأدنى تحتاج إلى صناعة جديدة للأهداف والطموحات الأمريكية والابتعاد عن استعارة الأدوات والوسائل التي اتبعتها إدارة الرئيس أوباما والتي يحرص بايدن على سلوكها والتمسك بها خاصة في علاقته مع إيران والتي أفصح عنها في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء الكندي في 25 أذار 2023 بقوله ( لا تخطئن الظن، الولايات المتحدة لا تسعى الى صراع مع إيران لكنها مستعدة للعمل بقوة لحماية شعبها).
تتجه السياسة الأمريكية الآن لمعالجة علاقتها مع النظام الإيراني والاستفادة من الأحداث القائمة في قطاع غزة ومحاولة منع إيران من فتح جبهات قتالية أخرى وهذا ما تحقق في الخطاب الاخير لأمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله بتجنب توسيع دائرة الحرب مع إسرائيل وهو الموقف الذي التزم به المسؤولين الايرانين وقيادات الحرس الثوري وأكدوا فيه على توظيف سياسة الأفكار والقيم والشعارات المرتبطة بالعدالة والمساواة والمقاومة الإنسانية من أجل تحقيق المنافع الخاصة بهم وليس من أجل مصلحة الأمة العربية والإسلامية، ولهذا اتبعت الإدارة الأمريكية خطوات الوساطة مع إيران لتحسين لغة التفاهم معها وضمان عدم وقوع أي مواجهات عسكرية بين تل أبيب وطهران وحزب الله اللبناني وعبر ضمانات إيرانية صامته ووساطات عربية غير مباشرة تجري في بعض عواصم دول الخليج العربي، وهي السياسة التي يرى فيها الرئيس بايدن انها تخدم مزاجه وعلاقته مع المجتمع الأمريكي وهو يستعد لخوض الانتخابات القادمة وتساهم في الحد من التوترات والنزاعات في منطقة الخليج العربي ويرى أن المصالحة والتفاهم مع إيران أهم من المواجهة مع حزب الله وتوسيع نطاق الحرب القائمة في غزة، وهذا ما يسعى اليه النظام الإيراني في الحصول على غاياته وأهدافه في البقاء والاستمرار بمشروعه السياسي في المنطقة العربية وديمومة علاقته مع واشنطن التي كانت أولى ثمار الوساطة العربية باقة من الترغيبات الدبلوماسية والمالية بالسماح لإيران بالحصول على بعض أموالها المجمدة لقاء إطلاق سراح الامريكان المحجوزين من أصول إيرانية وبدأ الانفتاح السياسي في إعادة إيران ادورها الإقليمي والدولي.
ساهمت الأحداث الأخيرة في غزة بالكشف الحقيقي عن النوايا السياسية والأهداف التعبوية للنظام الإيراني، فقام باتباع خطوات سياسية إتسمت بإجراءات التعديل الانتقالي ودبلوماسية الانفتاح لضمان بقاء النظام واعتماده قوة إقليمية مؤثرة وفتح أبواب العلاقات مع الدول المجاورة والشروع بعلاقات ذات أطر جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية تضمن لإيران عودتها لسوق النفط وتطوير بنيتها التحتية الاقتصادية النفطية واستعادة أوضاعها الداخلية والتغلب على مشاكلها الإجتماعية والاقتصادية.
تدرك إيران ان الولايات المتحدة تسعى لعودة كبيرة لمنطقة الشرق الأوسط والتركيز على العلاقة الصينية _ العربية وطبيعة التغلغل السياسي والاقتصادي للقيادة الصينية في المنطقة، ولهذا تعمل إيران على دور هام لها في أي متغيرات تحدث بعد الانتهاء من المواجهات العسكرية في قطاع غزة وتنظر لمصالحها وأهدافها بعيداً عن الخطابات الرسمية واللقاءات الإعلامية.
أن من أهم تبعيات ونتائج العمليات العسكرية التي قامت بها حركة حماس أنها أعطت صورة حقيقية للعلاقات الدولية والمصالح الإقليمية والتي كان يخطئ العديد في فهم اسلوب العلاقة التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الإيراني والتي اثبتت مصداقيتها وحرص الجانبين على ديمومتها وتبين للجميع أن السياسة ليس لها قواعد دائمة وأن واشنطن ليس لها مواقف ثابتة من الصراع العربي الإسرائيلي والمشروع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي بل إنها تعمل على استراتيجية البقاء والتأثير على مجمل الأحداث في المنطقة وحماية الكيان الإسرائيلي واستمرار العلاقة مع إيران وغض النظر عن نفوذها
وتمددها ومشروعها في الهيمنة والسيطرة بل تبتعد عن مناقشة دورها في تطوير برنامجها الصاروخي وطائراتها المسيرة والسعي لإيجاد قنوات للإتصال وتحقيق الغايات والأهداف المشتركة ورسم ملامح مستقبل المنطقة العربية.
وعلى جميع المتابعين والممهتمين بالشأن العربي ومستقبل الأجيال القادمة أن يعلموا ويدركوا ان الاحتلال الإسرائيلي والنفوذ الإيراني كلاهما يستفاد من برنامج الاخر في منطقتنا العربية وبمباركة ورعاية أمريكية.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية