الصفقة الإيرانية من طوفان الأقصى

الصفقة الإيرانية من طوفان الأقصى

أمتدت المواجهة العسكرية بين مقاتلي حماس والقوات العسكرية الإسرائيلية لتصل إلى أسبوعها السادس في وقت كثرت فيه الأقاويل والتحليلات السياسية والعسكرية وأمتد الصراع الميداني ليشمل مناطق عديدة في الأرض المحتلة ولتضع موازين جديدة في منطقة الشرق الأوسط وتصعيد الحالة الشعبية في الوطن العربي ووضوح الأهداف والغايات التي يسعى إليها جميع المشاركين والداعمين لاستمرار القتال في قطاع غزة، في وقت استمرت فيها الهجمات العشوائية والقتل المبرمج والمجازر الدموية التي ارتكبت بحق المدنيين العزل في هدم دورهم وحرق متاجرهم وتجريف مزارعهم وقتل أولادهم وقصف المستشفيات والمراكز الصحية بحيث وصلت عديد القوات الإسرائيلية بمعداتها ودباباتها إلى مشارف ومحيط المستشفيات وأصبحت تهدد حياة المئات من المرضى والعزل في هجمة وحشية سادت قطاع غزة.
أمام هذه المعطيات والتطورات الميدانية أصبح واضحاً أن هناك العديد من المخططات والبرامج والفعاليات السياسية والأمنية التي تعمل الجهات والدول الإقليمية للاستفادة منها وتحقيق أهدافها والحفاظ على استراتيجيتها في المنطقة العربية والاستعداد لمرحلة قادمة من التغيير السياسي الذي ستشهد الأحداث القادمة، وهذا الأمر سيؤدي إلى تغيير في الموازين العسكرية وتصعيد حالة المواجهة واحتمالية تصفير المشاكل على حساب حياة وقضية الشعب الفلسطيني.
إننا الأن أمام صفقة سياسية ومهادنة ميدانية يعمل النظام الإيراني على تنفيذها والالتزام بها وهي العمل على توسيع مساحة علاقته مع الإدارة الأمريكية وعقد العديد من الإجتماعات واللقاءات وتداول الأحاديث باستخدام الخطاب السياسي في تهديد إسرائيل ومنع اتساع رقعة المواجهة العسكرية في جبهات أخرى وحصر القتال في غزة وهذا ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما تدركه إيران التي تسعى الى أهدافها في الحفاظ على استمرار نظامها السياسي ورفع العقوبات الاقتصادية وتعزيز برنامجها الصاروخي وقوتها الجوية في تنوع الطائرات المسيرة والوصول إلى اتفاق أخير مع واشنطن لتوقيع مبادئ جديدة حول إنهاء ملف البرنامج النووي الإيراني وهي أهداف سياسية وأمنية للوصول إلى حالة التمدد والنفوذ وتحقيق مشروع الولاية في منطقة غرب اسيا، ولا تهتم طهران اذا ما خسرت المواجهة في غزة لأنها ستربح عبر الهدايا والترغيبات الامريكية في لبنان بالحفاظ على وجودها الإقليمي والتمسك بأدواتها ومليشياتها وتعزيز قوة حزب الله اللبناني الذي تعتبره الدعامة الأساسية في نهجها التوسعي وإثبات قوتها الإقليمية، وهي تعلم أن الإدارة الأمريكية لا تغامر حالياً في أي مواجهة عسكرية واسعة في منطقة الشرق الأوسط لأنها تريد الابتعاد عن أي خيار يكلفها الكثير اذا ما توسعت دائرة المواجهة وتبتعد كثيراً عن أي التحام مع إيران، وهذه هي سياسة الرئيس جو بايدن التي تعتمد الدبلوماسية والحوار مع إيران بديلاً عن سياسة الضغط الأقصى والتصعيد، وهي تعني قبول واشنطن بايران قوة إقليمية نووية ولكن ضمن شروط المهادنة التي تحمي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة عبر التنسيق والتخادم السياسي بينهما.
فشلت التوقعات الإيرانية إن تمتد حالة المواجهة الداخلية في الميدان الفلسطيني لتصل إلى عمق الضفة الغربية وباقي المناطق الفلسطينية بسبب عدم مصداقية النظام الإيراني وإكتفائه بالدعم السياسي واستخدام سياسة الانكار المعقول وتكرار عدم معرفته بالعملية العسكرية التي قام بها مقاتلي حماس فجر يوم السابع من تشرين الأول 2023 في محاولة منه للإبقاء على الأهداف والغايات الإيرانية في إيجاد موقع له بعد الإنتهاء من العمليات العسكرية والفوز بالمغريات التي ستقدمها أمريكا وإسرائيل لكل من وقف لجانبها وساهم في حصر القتال داخل قطاع غزة وعدم توسعها عبر جبهات أخرى تعمل على تشتيت الفكر الإسرائيلي العسكري.
يحاول النظام الإيراني أن يرسم ملامح الحقبة الإيرانية ويجعلها حاضرة في الصراع العربي الإسرائيلي ويستفيد من تطور الأحداث لكي يحقق له شرعية ووجود حقيقي في احتواء القضية الفلسطينية بعد الدعم والتأييد الدولي الذي حظيت به من قبل دول أمريكا اللاتينية والدول الأفريقية وتحقيق خطوات إضافية تخدم توجهاته السياسية وتعزز دوره الإقليمي وانفتاحه على جميع البلدان ليصل إلى مرحلة جديدة تسمح له بإعادة وضعه الاقتصادي وتمربر صفقاته التجارية وتنويع صادراته النفطية لتجاوز المحنة الداخلية التي يعاني منها في تداعي العملة المحلية والتضخم المالي واتساع الرفض الشعبي لسياسته الداخلية والخارجية.
ان الصفقة السياسية التي تحققت بين إيران وامريكا جاءت مواكبة للأهداف الإسرائيلية التي تعمل على معالجة حالة الانهيار الذي اصاب مؤسساتها العسكرية والأمنية بتحديد مساراتها في محاولة لانهاء الوجود العسكري لحركة حماس بقطاع غزة وقلع أي جذور ومساندة تحاول التمسك بها قيادات الحركة، ولكنها أصبحت تواجه صعوبة في التنفيذ الميداني بفشل أدواتها وقمعها العسكري في التأثير على أبناء غزة وتحريضهم على الهجرة وترك مناطقهم باتجاه أماكن أخرى، وبدأت تدرك ان المعركة أصبحت أكثر اتساعاً وأخذت ابعاداً عديدة في المواجهة وصعوبة التنفيذ.
ان النظام الإيراني ليس على استعداد لخسارة عسكرية بمواجهة لأمريكا وإسرائيل والتضحية ببرنامجه الصاروخي وترسانة أسلحته والنجاح الذي حققه في عمل الطائرات المسيرة والتقدم التكنلوجي في أدوات البرنامج النووي ووصوله إلى مديات متقدمة في الاحتفاظ بخزين من اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي من أجل فلسطين وشعبها، لان العمق الاستراتيجي السياسي الذي حققته إيران سنة 1982 بدعم حزب الله اللبناني أسس إلى مرتكزات للسياسة الإيرانية الإقليمية وضرورة الحفاظ عليها واستمرار وجودها.

وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية