البرهان يعود مضطرا إلى كينيا لتحسين علاقته بإيغاد

البرهان يعود مضطرا إلى كينيا لتحسين علاقته بإيغاد

الخرطوم – عاد قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان مضطرا إلى تحسين علاقته بكينيا، بعد أن نصحته بذلك دول مختلفة، ووجد توجّها غربيا نحو تعزيز جهود الاتحاد الأفريقي ومنح الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) دورا كبيرا في وقف الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وزار البرهان نيروبي واجتمع مع رئيس كينيا وليام روتو الاثنين، وبحثا أوجه التعاون المشترك وسبل تعزيز العلاقات وتطورات الأوضاع في السودان، عقب اقتناعه أخيرا بصعوبة الانخراط في عملية سياسية تقودها إيغاد، وهو في خصومة مع اثنتين من أهم دولها، كينيا وإثيوبيا.

ونشرت تقارير محلية أن البرهان سيقوم بزيارة قريبا إلى أديس أبابا لتهدئة الأجواء السياسية مع رئيس حكومتها آبي أحمد، والذي شككت قيادات سودانية قريبة من البرهان في توجهاته، لكنها تميل الآن إلى تصويب مسار العلاقات معه تحسبا لنشاط أفريقي منتظر يعيد إلى الأذهان دورا قام به الاتحاد الأفريقي وإيغاد بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، وأنتج مفاوضات بين الجيش وعدّة قوى مدنية.

واتفق البرهان وروتو على ضرورة عقد قمة طارئة لرؤساء إيغاد بهدف وضع إطار لحوار سوداني شامل لا يستثني أحدا والتحسيس بالحاجة إلى تسريع العملية التفاوضية وإيجاد حل للأزمة في أقرب وقت، في إشارة تحمل مضمونا سياسيا يدعم فتح الطريق أمام استعادة أفريقيا زخم دورها في حل مشكلة الصراع السوداني.

وأزالت زيارة البرهان شوائب كثيرة علقت في أذهان المتابعين بسبب علاقته المتوترة بالرئيس الكيني، ورفض الأول أي دور للثاني في حلحلة الأزمة السودانية ووقف الحرب فيها، بزعم أن روتو يؤيد موقف قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) وبينهما شبكة من المصالح المشتركة تجعله منحازا إليه.

وشهدت العلاقات بين الجنرال البرهان والرئيس روتو خلافا بعد اندلاع الحرب، واعترضت وزارة الخارجية السودانية على توصيف كينيا للحرب بأنها “صراع بين جنرالين” واعتبرت نيروبي وسيطا “غير محايد” في الأزمة، واتهمتها بـ”إيواء المتمردين”، بعد أن منحت إيغاد كينيا قيادة المفاوضات بين الطرفين المتصارعين في السودان.

وقال المحلل السوداني صلاح خليل لـ”العرب” إن “البرهان ذهب إلى نيروبي بناء على نصيحة وصلته من الولايات المتحدة تفيد بضرورة تحسين علاقته مع كل من كينيا وإثيوبيا، لأن الدول الأفريقية من خلال إيغاد هي الجهة المناسبة لقيادة المفاوضات في الفترة المقبلة، والتي يمكن أن تحقق اختراقا في مسألة وقف إطلاق النار”.

وأضاف أن الوساطة السعودية – الأميركية من خلال منبر جدة لا تزال متعثرة، ولم تتمكن في جولتها الأخيرة التي حضرها شرفيا الاتحاد الأفريقي وإيغاد من تحقيق تقدم ملموس، عقب أشهر من الجمود، وصار الغرب مقتنعا بأن الملعب الأفريقي هو الأنسب للتعامل مع الصراع وتفكيك ألغامه قبل أن تنفجر على كامل المنطقة.

وأعلنت السعودية والولايات المتحدة وإيغاد قبل أيام عن أسفها على عدم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار من خلال منبر جدة، لكن تم الاتفاق على بعض الجوانب الإنسانية.

وذكر صلاح خليل لـ”العرب” أن “العودة إلى المربع الأفريقي تتم تدريجيا، بهدف إتاحة الفرصة لمشاركة فاعلة، والاستفادة من الجولات والحوارات التي أجرتها قوى مدنية في كل من كينيا وإثيوبيا، رسمت خارطة معالم أولية للمرحلة المقبلة بعد وقف إطلاق النار”.

وأكدت قوى مدنية عقب اجتماعات عقدتها أديس أبابا مؤخرا دعم مبادرة الاتحاد الأفريقي التي أعلن عنها في الخامس والعشرين من يونيو الماضي، وتتبنى خطة تدمج بين رؤية منبر جدة ومقترحات إيغاد التي تنص على إجراءات تؤدي إلى وقف الحرب وإطلاق عملية سياسية تفضي إلى انتقال السلطة من الجيش إلى المدنيين.

وتضمنت زيارة البرهان إلى نيروبي اعتذارا ضمنيا عما بدر من وزارة الخارجية بشأن التشكيك في توجهات كينيا، والتي جعلت مواصلة إيغاد لدورها بعد الحرب صعبة، لأن قائد الجيش اعتقد أن الصراع سيكون نزهة بالنسبة إلى قواته وبإمكانه حسمه بشكل سريع، لكنه فوجئ بطول أمد الحرب وظهور مشكلات عملياتية في صفوف الجيش، وتمكُّن قوات الدعم السريع من تحقيق انتصارات في إقليم دارفور.

وأوضح القيادي بقوى الحرية والتغيير ياسر عرمان، على حسابه في منصة إكس، أن زيارة البرهان إلى نيروبي تتطلب “اتخاذ نهج شامل جديد لتصحيح الخطأ الفادح في الانقلاب والحرب. تلك الجرائم التي تقف خلفها الفلول، وربما شكلت الفرصة الأخيرة لإنهاء الحرب”.

ويعول مراقبون على أن تكون استدارة البرهان نحو أفريقيا ومنبر إيغاد تحديدا مراجعة حقيقية لمواقفه التي أطالت أمد الصراع، وعلى أن يكون ذلك نابعا من تيقنه أن كسب الحرب صعب، وعليه أن يتحلل من القيود التي فرضتها عليه القيادات الإسلامية والمحسوبون على نظام البشير داخل هياكل الجيش، والذين جروه إلى مربعهم القاتم، وحالوا دون تجاوبه مع منبر جدة، وأسهموا في إفشال مبادرات عديدة طرحتها دول أفريقية.

ويرى المراقبون أن منبرا أفريقيا واضحا ومحددا ويعلم طبيعة الصراع قد يكون منتجا، لأن لدى الدول التي من المتوقع أن تقود التسوية دراية كافية بما يجري في السودان، وتمكنها خبراتها من تذليل الكثير من العقبات، خاصة إذا توفّر لها غطاء دولي واضح، وهو ما تشير إليه رغبة أميركية باتت أكثر ميلا إلى وضع الصراع في حوزة إيغاد.

وتحتاج العودة إلى أفريقيا أن يظهر قائد الجيش موافقة صريحة على التجاوب مع ما تنتجه الوساطة من خلال إيغاد، لأن قائد الدعم السريع مواقفه المعلنة لا تعترض على أي مسار يقود إلى وقف الحرب ويعالج الأسباب التي أفضت إليها، وفي مقدمتها تحكم الجيش في مفاتيح السلطة وعدم تسليمها إلى حكومة مدنية وعرقلة عملية التحول الديمقراطي التي تحظى بتوافق داخلي وخارجي واسع.

العرب