في شهر أغسطس 2015، قدّم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إصلاحات لتقليص حجم الحكومة والتصدّي للفساد. يتحدّث لؤي الخطيب، المدير المؤسس لمعهد الطاقة العراقي وزميل غير مقيم في مركز بروكنجز الدوحة، لمجلة The Oil and Gas Year عن كيفية مساعدة هذه الإجراءات البلاد لتبقى على قيد الحياة.
يهيمن دخل العراق من صادرات النفط على اقتصادها الريعي، وتشكّل عائدات النفط 43 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، و99 بالمئة من الصادرات، و90 بالمئة من مجمل الواردات الاتحادية. وبالتالي، بغرض زيادة الإيرادات العامة، تقع الحكومة دائماً تحت الضغط لزيادة طاقة إنتاج النفط بغضّ النظر عن تقلبات السوق.
تتوقّع الحكومة أن تصدّر 3,6 مليون برميل نفط يومياً في العام 2016. ومع أنه من الممكن تحقيق هذا الحجم من صادرات النفط، يبقى الحصول على 45 دولاراً أمريكياً للبرميل تمنياً متفائلاً.
خدمة مدنية متخومة
رغم الأزمة الاقتصادية العالمية التي أثّرت على سوق النفط في العام 2008، واصلت أسعار النفط الارتفاع بشكل مطّرد في العقد الماضي بالمقارنة مع تسعينيات القرن الماضي. ونتيجة لذلك، قامت الإدارات العراقية بتضخيم الميزانيات الاتحادية وزيادة التوظيف غير اللازم، مقدّمةً بذلك الرواتب لموظفين في القطاع العام غير مستحقين وغير مؤهلين بشكل كافٍ.
زادت موازنة العراق الاتحادية إلى خمسة أضعاف حجمها بين العامين 2004 و2015. وبغض النظر عن حجم العائدات النفطية التي تدخل إلى الخزينة، تعاني الموازنات دائماً من عجز قدره نحو 20 بالمئة، في حين يصل الإنفاق الفعلي دائماً إلى 70 بالمئة أو أكثر. فيترك ذلك أقلّ من 30 بالمئة للاستثمار والتنمية.
رغم أنّ العراق، مع احتساب إقليم كردستان، قد نجح في رفع إنتاجه بمقدار مليونيْ برميل من النفط يومياً منذ العام 2010 ليصل الإنتاج الكلي إلى 4,4 مليون برميل يومياً، قضى انهيار أسعار النفط على 60 بالمئة من قيمة النفط السوقية السابقة.
وعلاوةً على ذلك، قد تقف التكلفة غير المتوقعة للحرب مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وإدارة 3.5 مليون نازح داخلياً، والسياسة الداخلية الفئوية، ومشاريع البنية التحتية العملاقة المتعثرة حجر عثرة في وجه المزيد من التقدم في البلاد.
تفاؤل
ومع ذلك، اقترحت وزارة المالية ميزانية للعام 2016 مقدارها 99,6 مليار دولار، مع عجز متوقع قدره 25,8 مليار دولار. تتوقع الميزانية أن يكون سعر برميل النفط 45 دولاراً، وتفترض استمرار الصفقة التي أبرمت في ديسمبر 2014 مع الحكومة الإقليمية الكردية، والتي تخوّل الحكومة الاتحادية الحصول على 550 ألف برميل نفط يومياً من نفط الحقول الواقعة في إقليم كردستان مقابل دفع ثمنها.
تتشكل الـ 550 ألف برميل من النفط يومياً من 300 ألف برميل من حقول كركوك و250 ألفاً من حقول إقليم كردستان. وتتوقع الحكومة تصدير 3,6 مليون برميل يومياً في العام 2016. ومع أنه من الممكن تحقيق هذا الحجم من صادرات النفط، يبقى الحصول على 45 دولاراً أمريكياً للبرميل تمنياً متفائلاً. وفي نهاية المطاف، ستكون سنة 2016 صعبة من الناحية المالية، فيما تتابع احتياطيات البنك المركزي من الدولار الفدرالي بالانهيار.
ثقافة سياسية جديدة
إنّ وضع العراق الأمني والمالي أقلّ خطورة مما هو في دول الجوار غير التابعة لمجلس التعاون الخليجي. وفي حالة عدم وجود مصادر إيرادات بديلة قابلة للحياة، قد تشكّل أسعار النفط المنخفضة باستمرار فرصة حقيقية للإصلاح في العراق، لأنه يتميّز بحكومة محلية حقاً تمثّل كل المجموعات العرقية والطائفية.
يتمتع رئيس الوزراء حيدر العبادي بالدعم الشعبي منذ قيام الاحتجاجات التي تدعو الحكومة إلى توفير الخدمات العامة ومحاربة الفساد وتطبيق سيادة القانون في مختلف المحافظات العراقية في أوائل العام 2015. ورغم إقرار البرلمان حزمة الإصلاحات الأولية التي تقدّم بها العبادي اعتباراً من أغسطس 2015، إلا أنّ الناس يأملون المزيد من التنفيذ.
إجراءات ضرورية
بما أنه من المرجح أن تبقى أسعار النفط منخفضة، على الحكومة أن تلغي تدريجياً الدعم عن الوقود وتوليد الكهرباء لتوفير ما لا يقل عن 14 مليار دولار سنوياً على المواد الأولية المحلية والسوائل المستوردة.
وعلاوةً على ذلك، يجب على الحكومة التوقف عن التوظيف المفرط في المؤسسات العامة. ويجب أن تخضع رواتب موظفي القطاع العام والإنفاق غير الضروري لمراجعة دقيقة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة تقديم حوافز للقطاع الخاص لملء الفراغ التشغيلي في مختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك النفط والغاز، بعد عقود من الاضطرابات الداخلية.
ستوفّر هذه التطورات على العراق الـ 10 مليارات الإضافية التي تُدفع على شكل رواتب لموظفي الخدمة المدنية سنوياً، مما يخفّف الضغط على الميزانية المنهكة بسبب انخفاض أسعار النفط.
الطريق إلى الأمام
ينبغي على العراق كأولوية أولى جذب المزيد من المستثمرين الدوليين في مجال توليد الطاقة ومشاريع التكرير واستخدام الغاز المشتعل. سيكون على العراق استخدام الوفورات الناتجة عن الإصلاحات في إعادة التصنيع والبدء في التصنيع، مما يعني أنها ستصبح في نهاية المطاف أقل اعتماداً على الواردات.
ستشير نجاحات العراق وإخفاقاته كبلاد في العام 2016 مرونة حزمة الإصلاحات التي تقدّم بها العبادي. ومع أنّ المهمة تبدو هائلة، تبقى الإصلاحات غير مستحيلة في ما لو اتخذت الحكومة الإجراءات الصحيحة.
لؤي الخطيب
مركز بروكنجز